منوعات

بشار مرشد: الأحزاب…من الوسيلة النبيلة إلى الانحراف والتحزب

بشار مرشد 1-10-2025: الأحزاب…من الوسيلة النبيلة إلى الانحراف والتحزب

مقدمة: نشأة الأحزاب والهدف النبيل:

نشأت فكرة الأحزاب في الأساس لتلبية احتياجات الأمم والشعوب، من خلال الجمع بين الأفراد حول أفكار ورؤى مشتركة، دون أن تخرج عن اهتمام الأمة ككل أو تتعارض مع السياق العام أو العقيدة. كان الهدف الأساسي دائمًا واضحًا: تنظيم التنافس السياسي بشكل يخدم المجتمع، إبراز أقصر الطرق وأفضلها للوصول إلى الصالح العام، وتعزيز التنمية والعيش الكريم للجميع، لا لفئة محددة أو شخص معين. الأحزاب وُجدت كأداة للتعاون والعمل المشترك، لتقنين الصراع السياسي ضمن قواعد واضحة تخدم المجتمع ككل.

التحول التاريخي من التنظيم إلى الصراع:

تاريخيًا، نجد جذور فكرة الأحزاب في محاولات تنظيم التنافس السياسي. ففي العصر الروماني، بدأت فصائل المجالس كأدوات لتنظيم التنافس بين النبلاء، لكنها انحرفت لاحقًا لتصبح أدوات صراع عسكري بين القادة، كما حدث في صراع ماريوس وسولا، مما أدى إلى زعزعة استقرار الجمهورية.

وفي العصور الإسلامية، ظهرت المذاهب والفرق كآراء فكرية وسياسية، لكن تحول بعضها إلى ولاءات قسرية متعصبة عارضت المصلحة العليا للدولة. هذا النمط تكرر مع ظهور النوادي السياسية في أوروبا وصولًا إلى الأحزاب الحديثة في القرن التاسع عشر، حيث كانت الفكرة واحدة دائمًا: تنظيم التنافس السياسي بدل أن يكون صراعًا عشوائيًا.

التحول والانحراف والولاء الأعمى:

مع كل عصر، كان هناك انحراف للأحزاب حين تتحول عن أهدافها النبيلة. يظهر هذا الانحراف حين يغلب الولاء الأعمى للقيادة والحزب على المصلحة العامة. يصبح التحزب والتحيز هو الدافع، وتتضاءل الرؤى الكبرى في سبيل ولاءات ضيقة وصراعات شخصية، فتفقد الجماعات رسالتها الأصلية في الإصلاح والتقدم. يصبح الانتماء الحزبي أهم من خدمة الصالح العام، وهذا الانحراف كان دائمًا بداية الانحدار والتصدع، وصولًا إلى انهيار الأمم.

الأحزاب كـ “دويلة داخل الدولة”:

عندما تتحول الأحزاب إلى “دولة داخل الدولة”، فإنها لا تبقى مجرد تنظيم سياسي، بل تتحول إلى كيان منفصل يعيد إنتاج الفساد الموجود في الدولة الكبرى داخل دويلته الصغيرة. يبدأ الانحراف المؤسسي. تُحتكر المناصب الرئيسية والقيادية والهيئات العامة لأعضاء الحزب الموالين، بغض النظر عن الكفاءة. يتحول التمويل العام من مناقصات ومشاريع إلى قناة لإثراء الأتباع لا لخدمة المواطنين. وبدلاً من أن تكون الصحافة والتعليم أدوات لخدمة المجتمع، يتم تجييرهما لتصبحا أبواقًا دعائية تخدم أجندة الحزب الضيقة. يصبح المواطن أو الموظف خاضعًا لولاء الحزب لا للقانون أو للمصلحة العامة، مما يضعف المجتمع في جميع المجالات.

الخاتمة والدرس المستفاد واستعادة الدور النبيل:

الدرس الرئيسي واضح: الأحزاب وسيلة لتنظيم المجتمع وخدمة الصالح العام، لكن عندما تتحول الولاءات والقيادة إلى غاية فوق المصلحة العامة، تفقد وظيفتها النبيلة وتصبح مصدر تهديد للمجتمع نفسه.

إن العودة إلى فهم الهدف الأصلي للأحزاب، وفصل الولاء الحزبي عن المؤسسات العامة، هو الطريقة الوحيدة لاستعادة دورها. ويتطلب ذلك تأسيس لجان كفاءة مستقلة لتعيين المديرين في القطاع العام، وتفعيل قوانين صارمة للتمويل الحزبي لضمان الشفافية والمساءلة، واعتماد منظومة رقابة إعلامية تمنع استغلال موارد الدولة لأغراض الدعاية الحزبية. عندها فقط، يمكن للحزب أن يظل أداة للتنظيم المدني، لا كدويلة حزبية تعكس الفساد والانقسام.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى