أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – مثل هذا اليوم ( 1)

السفير ملحم مسعود، اليونان 2.8.2018

كنت ضيفا على حفل إستقبال دبلوماسي , وهي مناسبة للقاءات  غير معدة مسبقا , وتعارف , وإستخلاص المعلومات , وتكون لها اهمية خاصة لمن يبحث عن شئ… سياسي أو إعلامي او إجتماعي ..تكون فعاليات المجتمع المحلي من االمستوى والأهمية مقارنة بصاحب الدعوة .… ومدى تفاعله بهذا المجتمع … ويتجمع القوم على شكل حلقات  و لا تلبث أن تتداخل .. وتتشكل من جديد … وفي العادة يبحث الكل عن الكل …

في هذا الجو الراقي تقدم لى شخصية لمحته قبل قليل في حلقة مجاورة … وقدم نفسه لي دون سواي من حلقتنا  ومد لي يده لتحيتي وقدم  كارت التعارف : إسمه وعنوانه وارقام الهواتف … قائلا أنه سفير الكويت في العاصمة اليونانية , فوجئت بهذه الشخصية …. والطريقة الراقية التي قدم بها نفسه …. وبدا حديثه عن دور الفلسطينيين في بناء الكويت …. وكأنه يعرفني , ودورهم في تعليم أجيال كويتية …. واضاف أن الكويت والكويتيين فخورين بإحتضان حركة التحرير الوطني ” فتح ” في السنوات المبكرة على ارضها ….. وعدًد لي اسماء بعضهم وكانه يعرفهم شخصيا اولهم ياسر عرفات …. وخالد الحسن وإخوانه …. وآخرين .

أقول بحق قد داهمني باخلاقه ورقي الحديث الذي بدأه وبدد مخاوفي … وانا ككل فلسطيني لا نحمل للكويت سوى المحبة .

مثل هذا اليوم  وفي صباح 2.8.1990 وعلى غير عادتي ,  أبدا يومي بسماع الاخبار المحلية والعالمية ,  إتصل بي صديق يوناني  إعلامي… وسياسي تربطنا علاقة ومودة سنوات طويلة …. سائلا  ماذا يحدث في الكويت ؟؟؟

فهمت ان الأسوا قد وقع , ولم تنجح المحاولات التي بذلها العرب وغيرهم للإحالة دون وقوع الكارثة , ولم نكن نتصور هذا التهور الذي وصل بصدام حسين على هذا العمل , في ظل تداخل إقليمي واضحا .

وكان الأسوا من كارثة إجتياح الكويت , عدم إستيعابه  خطورة ما فعل , ورفضه محاولات ومبادرات عربية و دولية للخروج الآمن من الكويت ( ربما كانت المحاولات الفرنسية … هي الاهم ) …. وتسارعت الأحداث  ليس بإخراجه بالقوة الدولية بزعامة أمريكا …. بل إسقاط النظام العراقي نفسه لاحقا 2003 …. وكانت بداية إسقاط  العراق العربي الذي كنا نعرفه .  

سأعود لاحقا إلى عملية حسابية لخريطة الخسائر:

 كويتية …. عربية … فلسطينية . سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا , لم يكن من الممكن توقعها , ومعرفة تداعياتها .

الكويت اليوم  …. عادت الكويتوربما اقوى , صقلتها العواصف وهي اليوم الدولة الخليجية المؤهلة…. يساعدها توازنها السياسي  لتقديم تجاربها من اجل سلام إقليمي بعيدا عن الإستقطاب  ..  و اكثر وأبعد .

وإذا كان للحديث بقية …. ( ربما نعود إلى ذلك يوما )  أتذكر حديثي مع سفير الكويت في اثينا …. وكأنه شعر بشئ من الحزن في داخلي عن ملابسات حكمتها ظروفها … عن موقف فلسطيني …. مما جعلني أتجنب ذكر قصة  خطرت في بالي ولم اذكرها للسفير …. ضمن حكايات فلسطينية رائعة سطرها فلسطينيون عاشوا وعاشروا اهل الكويت الكرام , يبدو ان السفير يعرفها عندما تقدم نحوي بلياقة ودماثة … وادب جم ليقدم نفسه .

هذه القصة نرويها اليوم  من قصص كثيرة للمواقف والتصرفات الفلسطينية أيام الإحتلالالأخويالعراقي للكويت :

لي صديق او بالأحرى قريب (من عائلة أبو جياب … يافا ) كان يعمل  طبيب متخصص في امراض السكر في الكويت …. شرح لي خطورة المرض , وضرورة تامين جرعات من الإنسولين للمرضى …..والمتابعة اليوية , وشرح لي الرجل فلسفة وعلاقة الطبيب مع مرضاه …. وقال لي :

لم أتهرب من المهمة وأنا أعرف معاناتهم تلك اللحظات …. ولم أشاء أن تتضاعف آلامهم أكثر واكثر ….

كان ذات مرة يحمل حقيبته ”  الصحية ” ومحتوياتها , متوجها لمنزل مواطن كويتي مريض بالسكر , إعترضته دورية جيش عراقي , تعامل معه الجنود بخشونة … ووحشية ولم يتفهموا عمله ووظيفته الإنسانية , وإتهموه بتقديم مساعدات لجرحى كويتيين مطلوبين …. الخ.

في هذه اللحظات ترجل ضابط من السيارة وابعد الجنود …. وتحدث مع الطبيب ليكتشف الضابط أنه فلسطيني …. ثم قال للطبيب انه فلسطيني أيضا … من كتيبة جيش فلسطين الذي جرى تحضيرها في العراق لإرجاع فلسطين .

شجع الضابط الفلسطيني الطبيب الفلسطيني وقدم له كل التسهيلات الضرورية لتنقلاته ومهمته الطبية ….. وصب لعناته على صدام حسين الذي كان سببا  لما آلت إليه الإمور :

على الكويت والكويتيين …. وفلسطين والفلسطينيين .

وحكايات أخرى فلسطينية ….  ما زال  يتذكرها الإخوة الكويتيين .

ملحم مسعود

من اسرة مركز الناطور للدراسات والأبحاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى