أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – الدولة اليونانية …. في رحاب نتنياهو (المكالمة الهاتفية لرئيس الوزراء اليوناني … مع رئيس الوزراء الفلسطيني في الأمس)

السفير ملحم مسعود – 19/6/2020

زار رئيس وزراء اليونان ” كيرياكوس ميتسوتاكيس “ يوم الثلاثاء الماضي إسرئيل وإصطحب معه وفدا رفيع المستوى يضم  8 وزراء من العيار الثقيل كل في إختصاصه , السياحة والزراعة والإنترنيت والدفاع ويقال عن مشاريع مشتركة لتصنيع الأسلحة في اليونان وتصديرها ( بهوية ) يونانية… وكان الإنتاج الحربي اليوناني  مثل الأسلحة وغيرها متميزا في الأسواق العالمية قبل الأزمة الإقتصادية التي كانت سببا في توقف خطوط الإنتاج   … الخ. للتوقيع على إتفاقيات  تعاون مشترك في هذه المجالات , في زيارة غير مسبوقة لإسرائيل , غطتها وسائل الإعلام في إسرائيل واليونان وكانها هبطت عليهم جميعا من السماء .

للتذكير هنا فقد سبق لرئيس الوزراء اليوناني ( الإشتراكي … ) طيب الذكر تسيبراس ان زار إسرائيل مصطحبا معه 7 وزراء , ليضع العلاقات اليونانية في سياق جديدولأول مرة بكل ما ادلى به من تصريحات حول القدس وغيرها فاجأت الجميع  … وإتخاذ مواقف جديدة بخصوص النزاع الفلسطيني الإسرائيلي محاولا تكريثها في نهج السياسة اليونانية .

ونتذكر ايضا أنه زار رام الله حينذاك ( لرفع العتب ) واقيم له إستقبال رفيع المستوى ,الأمر الذي لم يحدث في زيارة رئيس الوزراء الحالي أول امس وواضح أنه خصصالزيارة لإسرائيل فقط ...

دون أن ينسى بطبيعة الحال دولة رئيس الوزراء الحالي زيارة البطريركية اليونانيية في القدس المحتلة والتي لها أهمية خاصة ومكانتها بالنسبة للشعب الفلسطيني بكل طوائفه في فلسطين وباقي الديار … وإلتقى مع راعي البطريركية واركانها الذين باعوا … وإشتروا في أوقاف البطريركية واملاكها من ابناء  الطائفة الإرثوذكسية الفلسطينية الكريمة .

و سبق وإن  ناقش الرئيس الفلسطيني تصرفات القائمين عليها من بيع الاراضي وخلافه , في لقائه مع رئيس الوزراء اليوناني  في نيويورك على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ... ووعده خيرا كما قيل . 

وطالما نحن في الحالة الفلسطينية اليونانية تحضرنا الذاكرة بآخر زيارة للرئيس الفلسطيني لليونان تلبية لدعوة رئيس الوزراء السابق خلال زيارته رام الله … وكان قدألقى أبو مازن خلالها خطابا تاريخيا في جلسة خاصة للبرلمان اليوناني , الذي رحب به بحرارة بالغة كافة الأعضاء على إختلاف مشاربهم السياسية … وتم التصويت بأغلبية مطلقة لقيام الدولة الفلسطينية … وطالب أعضاء البرلمان المجتمعين الحكومة اليونانية بالإعتراف بالدولة الفلسطينية .

وما زلنا ننتظر.

عود على بدء … كان رئيس الوزراء اليوناني , الذي وصل لإسرائيل في أول مهمة له خارج البلاد منذ بدأ الجائحة , ونجاح الحكومة في تطويقها إلى حد كبير بالمقارن مع دول أوروبية أخرى , رغم تداعياتها المنتظرة على النمو في البلاد بشكل عام , لا سيما قطاع السياحة والصناعة … عبر عن إنفعاله متاثرا بوجوده في إسرائيل … وربما كان هرمون الأدرينالين زادت إفرازاته … وتسارعت دقات قلبه وتنفسه … عندما قال :  

إنني هنا متاثرا جدا في إسرائيل وأشعر بانني في بيتي  …

ويفسر الضالعين على الإمور اسباب هذه المشاعر الذي إنتابت رئيس الوزراء اليوناني أنه تذكر جدته ( لأمه ) وجارتها ( اليهودية ) والتي صممت على الهروب خوفا من بطش النازيين عندما بدا الغزو الألماني يقترب من العاصمة ... وطلبت الأم اليهودية من جدتهأن تخفي وتحمي إبنها ووحيدها الصغير خشية قتله  وتجنبا لبطش الالمان … لتعود بعد حين , وبعد إندحار الإحتلال النازي للعاصمة لتجد إبنها في أحسن احواله... عند جدة رئيس الوزراء اليوناني … وإسمهامسجل على قائمة الشرف لكل من ساعد اليهود في الهروب او الماوى .

إن سياسات اليونان اليوم والتي يسعى لها رئيس الوزراء اليوناني من خلال زيارته لإسرائيل ودول اخرى في المنطقة  بطبيعة الحال  تتمحور بإختصار بضرورة خلق تحالفات جديدة ( إضافة لعضويتها في الإتحاد الأوروبي ) تُمكن اليونان من المواجهة أمام التمدد والتحديات التركية وإمتصاص الصدمات ومواجهة التحرش اليومي ما أمكن سواء في أجواء بحر إيجه ومياهه أو على ضفاف نهر ( الإيبرو )  في الشمال والإبتزاز التركي بورقة اللاجين … إضافة إلى ترسيم الحدود المائية التي  اوصلتها تركيا إلى الشواطئ الليبية … وهذا موضوع يطال الحديث فيه .  

وكما هو معروف فإن زيارة الوفد اليوناني صادفت أن تكون في أعقاب زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماسإلى القدس الأسبوع الماضي وكان  “ ماسقد أعرب خلال زيارته عن استياء أوروبي إزاء الخطة الإسرائيلية ضم مستوطنات الضفة الغربية ومنطقة غور الأردن الاستراتيجية , وهي القضية التي تفرض نفسها اليوم … على كل زائر نبيه... والذي لم يذكرها أو يشير إليها بشل أو بآخر  رئيس الوزراء اليوناني , وكان نتنياهو قد اشاد بعلاقات إسرائيل واليونان وابدى تفاؤلا بالنسبة للعلاقات مع اليونان وقبرص وشراكتهما لنقل الغاز …

كما أن رئيس الوزراء اليوناني إستهدف من زيارته لإسرائيل تحقيق عدة مآرب أبرزها تنشيط القطاع السياحي في بلاده الذي تضرر كثيرا بسبب إغلاقات جائحة كورونا  , وإسرائيل من جانبها  تنظر للزيارة بإعتبارها فرصة لتخفيف المعارضة الأوروبية لخطتها التي تستهدف ضم أجزاء من الضفة الغربية . وكما هو معروف فإن الإتحاد الأوروبي يبحث فرض إجراءات عقابية على إسرائيل ردا على خطة الضم التي يتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في الأول من يوليو … وهذا يتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء في الإتحاد وعددها 27 دولة. وتعتمد إسرائيل على حلفاء أوروبيين مثل النمسا والمجر اللتين رفضتا الشهر الماضي تأييد قرار ضد خطة الضم . وها هي تبذل جهودها مع اليونان وقبرص لتهدئة موقف ورد الاتحاد الأوروبي . وتفيد وكالات الانباء ان إسرائيل طلبت من اليونان دعمها على مستوى الإتحاد الأوروبي من أجل لهجة    ( معقولة ) عند مناقشتة … والتعامل مع خطة السلام وما تشمله من إجراءات. ..

وخلال ايام يصل الرئيس القبرصي إلى إسرائيل يرافقه خمسة وزراء لإستكمال عملية ( تطويع)  الموقف اليوناني القبرصى .

كما جرت محادثات تناولت  ملف الطاقة وما سماه رئيس الوزراء اليوناني “السلوك العدواني لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط … واثار مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحوادث الأخيرة للسلوكيات التركية غير القانونية والاستفزازية على حدود اليونان البحرية والجوية والبرية”. واضاف “ نعتبر هذا النشاط تهديدا للسلام والاستقرار الاقليميين

كما تحدث عن “الآثار المزعزعة للاستقرار التي تسببت بها تركيا فيما يتعلق بعلاقتها مع ليبيا موضحا أن الاتفاقية لاغية وباطلة تمامًا فيما يتعلق بترسيم المناطق البحرية بين البلدين”، في اشارة الى الاتفاق الذي وقعته انقرة مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج ..

وكما هو معروف فإن اليونان وقبرص وتركيا تتصارع منذ سنوات على احتياطات غاز شرق البحر المتوسط. وفي نهاية 2019 وقعت ليبيا وتركيا على اتفاقية تحدد المجال الاقتصادي المشترك وتقاسما جزء كبيرا من شرق بحر ( إيجه ) بين البلدين. وترى الاتفاقية أن المنطقة البحرية شرقي جزيرة كريت تقع تحت السيطرة التركية لكن بالتحديد عبر هذه المنطقة يراد مد أنبوب الغازالمشروع  المزمع  عمله “إيست ـ ميد”واليونان تعتمد في ذلك على القانون الدولي ويعتقدون أن الدول التي لها كلمتها في المنطقة تقف إلى جانبهم .

وكما سبق وكتبنا على هذا الموقع فإن اليونان وقبرص وإسرائيل تهدف للتوصل إلى قرار نهائي بشأن تفاصيل الاستثمار في هذا المشروع وإكماله بحلول 2025. وكان وزراء الطاقة في الدول الثلاث قد وقًعوا على الإتفاق في مراسم أقيمت في أثينا مطلع هذاالعام بحضور زعماء البلاد الثلاثة , على أن يمتد الخط من إسرائيل عبر المياه الإقليمية القبرصية مرورا بجزيرة كريت إلى البر اليوناني الرئيسي وصولا لشبكة الغاز الأوروبية عبر إيطاليا

ومن المتوقع أن تستفيد دول في جنوب شرق أوروبا من إمدادات الغاز من هذا المشروع ,وتفيد تقارير أن أنبوب الغاز “سيكون أطول أنبوب في العالم تحت الماء 1872 كم.وسيتيح نقل ما بين 9 و11 مليار متر مكعب سنويا , وكما يقول البعض أن الأمر لا يتعلق بمنافسة الطاقة الروسية بل بمثابة خط إضافي …  كما لمًحت بعض الجهات المشاركة إلى حصول حركة في الجانب الشرقي للبحر المتوسط .  

وتقدر كلفة المشروع بقرابة 6 مليار يورو … تسعى الدول الموقعة على إقامة هذا المشروع توفيرها من الإتحاد الأوروبي … بينما الدراسات الأولية لا تبدي أن هناكجدوى للمشروع , لا سيما خطوط جديدة تعبُر أوروبا تقيمها روسيا مع تحالفات تركية.

أخيرا … هل كانت زيارة رئيس الوزراء اليوناني إلى إسرائيل في مكانها وزمانها ؟؟؟ نترك هذا للزمن .

وهنا ناتي على المكاملة الهاتفية التي أجراها  بالأمس ( الخميس ) رئيس الوزراء اليوناني بعد عودته من إسرائيل مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية , والتي ربما جاءت في مكانها وزمانها … وتقديري إنها بمثابة  (عودة الروح ) مع الإعتذار لتوفيق الحكيم , وأعني البدا بمراجعة وعودة  روح ومضمون العلاقات التاريخية اليونانية الفلسطينية وعلينا على اي حال ان نبني عليها ...

وشدد رئيس الوزراء اليوناني في مكالمته على توثيق عرى العلاقات الثنائية , وعبًر فيها عن مواقف اليونان الثابتة من القضية الفلسطينية وحل الدولتين , ضمن سياسات الإتحاد الأوروبي , وقرارات الأمم المتحدة . وأهمية إستقرار منطقة شرق البحر الأبيض واشار إلى مخاطر التداخلات و التصعيد  التركي في المنطقة كما أشاد بدور الحضور الفلسطيني الفاعل والإيجابي في المجتمع اليوناني على مدارالعقود الماضية . ووجه الدعوة لرئيس الوزراء الفلسطيني لزيارة اليونان حال ما تسمح له الظروف …  كما جاء في وكالات الأنباء وصفحات التواصل الإجتماعي وكان لها ألأثر الجيد لدي الأوساط العربية واليونانية  .

وبمناسبة تقدير رئيس الوزراء اليوناني للحضور الفلسطيني في اليونان خلال مكالمته مع رئيس وزرائنا … ادعوا مجتمعنا الفلسطيني في اليونان مراجعة هذا الحضور لعودة الروح فيه … وسنعود إلى هذا الموضوع يوما .

في السياسة تحضرني دائما بعض مما قاله طرفة بن العبد :

ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً * ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ
ويأتيكَ بالأنباءِ من لم تَبعْ له * بَتاتاً ولم تَضْربْ له وقتَ مَوْعدِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى