السفير ملحم مسعود يكتب – أمواج اللاجئين تغرق اليونان

السفير ملحم مسعود، اليونان 6.12.2019
المشهد بائس … ويائس … عندما نتابع والعالم , يوميا منظر القوارب المطاطية على القنوات التلفزيونية تقترب من الشواطئ اليونانية قادمة من السواحل التركية وهي تعج بالعشرات من الأطفال والنساء والمرضى , تتجه بسرعة للوصول إلى اليابسة … وتتلقف الجماعات المتطوعة على الشاطئ اليوناني الأطفال , واخرى تساعد النساء في النزول لتبدا مرحلة الشقاء … بعد أن (ظنوا) انهم تجاوزوا المرحلة الأولى للعبور صوب ” الجنة ” االأوروبية … المانيا ودول الشمال الأوروبي .
هذه الموجات من المهاجرين … واللاجئين , خلقت واقع جديد وغير مسبوق على الساحة اليونانية سياسيا و إقتصاديا وإجتماعيا بشكل مباشر , ودول الإتحاد الأوروبي بشكل عام . لذا توافدت وفود وشخصيات اوروبية رفيعة المستوى معنية بملف الهجرة على العاصمة اليونانية للتشاور والإطلاع على حجم المأساة , كذلك نشطت منظمات أممية بالحالة التي تشغل الراي العام الأوروبي تنشط على الساحة اليونانية لمعرفة أبعاد الحالة وتداعياتها …
إن وصول المئات يوميا إلى الأراضي اليونانية وبإطراد , وبشكل غير شرعي يمثل سابقة غير مسبوقة منذ عام 2015 و2016 والتي تم حينها إستيعاب الكثيرين منهم في دول الشمال وخصوصا المانيا التي إستقبلت قرابة مليون لاجئ ومهاجر … نظرا لتواضع الإمكانيات والآليات لإستقبال وإستيعاب هذه الأعداد وإيوائها في اليونان .
اليوم المفروض إن التعامل مع هذه الحالة يكون حسب إتفاقيات وتفاهمات اوروبية … من جهة واوروبية تركية من جهة اخرى , لكن وعلى أرض الواقع فإن تداخل الازمات بينهما لم تحسم حتى الان ملف الهجرة . .. رغم الإتفاقية المعروفة التي تحمست لإبرامها ألمانيا قبل سواها من الدول , بان تلتزم تركيا بعودة وإستقبال كل لاجئ وصل إلى اليونان بعد 20 مارس 2016 . والآن بات من الواضح أن تركيا وبسلوكها هذا ترسل اكثر من رسالة بعد معركة إدلب الأخيرة تمنح لتركيا المبررات والغطاء في عدم إمكانية إستيعابهم على أراضيها … مشرعا لهم أبواب العبور إلى اوروبا .
ولتوضيح هذه ( الحالة ) وعلى سبيل المثال … لفهم مدى وحجم الأزمة التي تواجهها اليونان بشكل خاص :
اقامت اليونان قرابة 30 مخيم في السنوات الأخيرة لإستقبال وإيواء القادمين ( لاجئين … ومهاجرين ) في أنحاء اليونان , والمتواجدين اصلا في البلاد وربما اهمها واكبرها حجما مخيم ” موريا ” في جزيرة ( ليزفوس ) ليتسع ألفين شخص … اليوم في هذا المخيم أكثر من 12 الف نفس . تصوروا الفوضى … وكيف يكون عليه الحال من الخدمات الضرورية طبية وغيرها من ومعاملات وإجراءاتالتسجيل لكل الواصلين …وتامين الإحتياجات الضرورية الأخرى .… وتداعيات ذلك محليا . وحسب معلوماتنا في هذا الصدد فإن السلطات اليونانية تعمل على إقامة المزيد من المخيمات .
الجدير بالذكر فإن الحدود الشرقية لليونان مع تركيا هي بمثابة سلسلة أو ارخبيل من الجزر اليونانية , في بحر إيجة معظمها مأهول مثل جزيرة (ليزفوس ) وهي ثالث أكبر جزر اليونان مساحة , والتي تبعد عن الشواطئ التركية بأقل من 10 كيلومترات , وربما المكان المفضل لوصول ” الوافدين ” كذلك جزيرة ( ساموس ) وهي على مرمى حجر من الشواطئ التركية حيث اقرب نقطة بينها وبين الساحل التركي لا يتعدى أكثر من 1200 متر وتعتبر الجزر اليونانية الأماكن المفضلة للعبور إلى البر الأوروبي …وهي جزر سياحية بإمتياز , مما أدت كثافة الواصلين للأراضي الأوروبية على هذه الجزر وغيرها إلى تداعيات عديدة على حركة السياحة ومجتمعات سكانها .
الهجرة نحو اوروبا ورقة هامة في التوجهات السياسية لتركيا على الطاولة التركية في ظل كل هذه التطورات في شرق البحر الأبيض , والمازق التركي في سوريا … وتدهور الإقتصاد وإرتفاع الأصوات المعارضة للنظام … الورقة التي يريد أردوغان ان يفاوض ويقايد بها .
هذه مقدمة وبعض العناوين التي سوف نتابعها على الموقع … لأن قضية الهجرة واللجوء وابعادها وتداعيتها من الأهمية لنا … لأكثر من سبب … وللعنصر الفلسطيني فيها نصيب .
وللحديث بقية
* السفير ملحم مسعود من أسرة مركز الناطور للدراسات



