أقلام وأراء

ابراهيم حيدر: سباق بين التفجير والتفاوض على خط ‘كاريش’… هل يستهدف ‘حزب الله’ المنصة الإسرائيلية؟

ابراهيم حيدر 11-06-2022

بعد تهديد الأمين العام لـ”حزب الله” باستهداف المنصة العائمة في حقل كاريش المتنازع عليه، سيتبين خلال الأسابيع المقبلة ما إذا كانت الأمور ذاهبة نحو التفجير، وما إذا كان لبنان الرسمي سيتمكن من اقناع المجتمع الدولي والأمم المتحدة وعبر التحرك لتشكيل قوة ضغط لوقف الحفر الإسرائيلي، بينما دخلت سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه ENERGEAN POWER المنطقة المتنازع عليها، على حدود الخط 29 للبدء باستخراج الغاز والنفط، ما يعني الانتقال إلى مرحلة جديدة لن يكون فيها لبنان قادراً على حفظ حقوقه وحماية ثرواته إلا بتوحيد موقفه بعيداً من الاستعراضات الشعبوية.

كل المؤشرات تفيد بأن المنطقة ذاهبة نحو التصعيد، فإذا تطورت الأوضاع نحو مواجهة بين “حزب الله” وإسرائيل لن تنجو منها المنطقة كلها. الواقع أن إسرائيل لم تكترث للتحذيرات السابقة التي أطلقها نصرالله وتهديده بمنع الباخرة التي ستبدأ في عمليات الحفر في المنطقة المتنازع عليها، فيما تطغى الخلافات على الموقف اللبناني الرسمي، خصوصاً حول خطوط الترسيم. قطع كلام نصرالله الطريق على إمكان التفاوض الجدي وتوجه لبنان نحو الأمم المتحدة حين قلّل من أهمّية تثبيت حقّ لبنان في الأمم المتحدة بالخط 29، وأن إسرائيل لا تعترف بالقوانين الدولية.

وتشير الوقائع على الأرض قبل وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، إلى أن الصدام يتقدم على التفاوض، إلا إذا تمكن لبنان من إعداد ورقة واضحة حول ملف الترسيم وحقوقه، وما إذا كان سيطالب عبر رئيس الجمهورية ميشال عون بتثبيت الخط 23 أي الحق بـ860 كيلومتراً مربعاً مع حقل قانا، وهذا يعني التخلي عن الخط 29 طالما لم يوقع تعديل المرسوم 6433، علماً أن هوكشتاين أرجأ زيارة سابقة كانت مقررة إلى بيروت وتل أبيب، بعد فشل التفاوض أو التوصل للتفاهم حول نقطة محددة للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية.

وصلت الباخرة إلى كاريش، ومن الآن وصاعداً سترصد ردود الفعل والتطورات على الأرض، وما إذا كانت المبادرة الأميركية الجديدة مع مجيء هوكشتاين ستنطلق من النقطة التي رست فيها السفينة، وهو الذي كان قدم عرضاً بخط متعرج بين الـ29 والـ23 ورفضه لبنان سابقاً. التطور اللافت أن نصرالله فصل بين وظيفتي الدولة اللبنانية و”حزب الله” على الرغم من أنه قال إن الحزب “لا يتدخّل لا بالخطوط ولا بالترسيم وليس طرفاً في التفاوض”، ما يعني أن مسؤولية الدولة هي التفاوض فيما الحزب يتولى قرار الحرب، ويحدده وفق حساباته الإقليمية، طالما أنّ “الهدف اليوم هو منع إسرائيل من استخراج الغاز من حقل كاريش”، ومعتبراً أنّ “هذه القضية الوطنية الكبيرة لا تقلّ أهمية عن تحرير الشريط الحدودي المحتل، ولا تقلّ المسؤولية فيها عن المسؤولية في تحريره”.

كلام نصرالله عن استهداف المنصة العائمة، ينطلق من حساباته ومشروعه، ويقفز فوق الدولة، وإن كان لا يزال تهديداً، إلا أنه يضع لبنان أمام مرحلة صعبة، قائلاً إن “قادة العدو يعرفون أنّ ما ستخسره إسرائيل في أيّ حرب يهدّدون فيها هو أكبر بكثير مما يمكن أن يخسره لبنان”، ومضيفاً أنّ “ارتكابهم حماقة من هذا النوع ستكون تداعياته ليس فقط استراتيجيّة بل وجوديّة” على إسرائيل، وإن كان استدرك بالقول: “نريد نفط لبنان ولا نريد الحرب لكنّنا لا نخشاها، وعلى الشركة اليونانية وإدارتها وأصحابها أن يعلموا أنّهم شركاء في الاعتداء الذي يحصل الآن على لبنان وهذا له تبعات، وأنّ عليها أن تسحب السفينة فوراً”.

السباق بين الحرب والتفاوض يسير على خطى متوازية، فهوكشتاين وضع شرطاً لعودته الى بيروت بتسلم كتاب رسمي واضح حول موقف لبنان، ما قد يبقي التفاوض قائماً، ويجنّب التصعيد، ولذلك قد يسعى الوسيط الأميركي إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه بالنسبة إلى عمليات الحفر الإسرائيلية، وعدم اختراق الخط 29.

لكن التطورات في المنطقة قد تنعكس أيضاً على ملف الحدود البحرية اللبنانية – الإسرائيلية، وهي قد تأخذ المنطقة إلى تصعيد عسكري بين إيران وإسرائيل جراء انسداد المفاوضات النووية، والأزمة القائمة بين الهيئة الدولية للطاقة الذرية وإيران حول الكاميرات في المفاعلات، فيما تشتد الضغوط والعقوبات على إيران، ومعها تلويحات بالحرب وبضربات عسكرية متبادلة مع إسرائيل. وتتحرك أيضاً أذرع إيران في المنطقة للضغط وتحسين الشروط، وهو ما نشهده في العراق خصوصاً أربيل بالهجمات على القنصلية الأميركية.

التحرك الوحيد الذي قام به لبنان سابقاً، هو الرسالة التي بعث بها إلى الأمم المتحدة في 28 نيسان (أبريل) الماضي، وأكد فيها باسم الحكومة أنه لا يمكن الادعاء أن هناك منطقة اقتصادية إسرائيلية خالصة مثبتة، بعكس ما ادعى الجانب الإسرائيلي بشأن ما يسمى “حقل كاريش”، ومؤكداً أن هذا الحقل هو منطقة متنازع عليها. لكن التنقيب الإسرائيلي أصبح أمراً واقعاً، وخسر لبنان إمكان أن ينتزع موقفاً دولياً يضمن حقوقه ويحمي ثرواته البحرية، وذلك بعدما توقفت مفاوضات الترسيم غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، واستحكام الخلاف حول الخطوط، فيما تُرك لـ”حزب الله” إعلان الموقف المناسب والتصرف بخلاف ما يمكن أن يكون عليه موقف الدولة اللبنانية.

لم يتحرك لبنان نحو الأمم المتحدة في شكل فاعل ولم يوقّع رئيس الجمهورية ميشال عون تعديل المرسوم 6433 والذي يفيد بأن حدود لبنان البحرية هي الخط 29 استناداً إلى خرائط الجيش اللبناني، وبذلك بدا لبنان الرسمي مفتقداً للغطاء القانوني والشرعية لأيّ ردّ، إن كان باعتراض السفينة أو الدفاع بأشكال مختلفة عن ثرواته، وهو أيضاً انتقل خلال مفاوضات الترسيم من طرح إلى آخر، قبل أن يسنده قانونياً ويوحد الموقف، ما أضعف حجته وساهم في وصول الأمور إلى هذه اللحظة الخطيرة والمصيرية.

حتى الآن يستمر التلكؤ اللبناني عن القيام بتحرك فاعل وتوحيد الموقف من الخطوط بلا حسابات ضيقة أو استدراج عروض إقليمية ودولية، لذا قد يصبح الميدان هو المقرر على الأرض ليس لحسابات لبنانية محضة، إنما أيضاً إقليمية. لذلك يستعد “حزب الله” لوقف الحفر بالقوة، يساعده في ذلك غياب الاتفاق وتعثر مفاوضات الترسيم. والاستنفار لدى “حزب الله” بلغ ذروته، فهل يمكن أن ينجو لبنان من مواجهة عسكرية قد تشعل المنطقة؟

 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى