ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: لا تلوموا المؤسسة الإسرائيلية

إسرائيل اليوم 31/7/2022، بقلم أيال زيسر 

يبدو أن الطريق ضاقت على أحد ما في شرطة إسرائيل؛ ففي الأسابيع الأخيرة نُبشر المرة تلو الأخرى بنجاح الشرطة في القضاء على الجريمة في الوسط العربي، وتقليص التجارة بالسلاح الناري، بل وخفض كبير، حتى 30 في المئة، لأفعال القتل في البلدات العربية.

غير أن الحبر الذي كتبت به بلاغات الشرطة لم يجف؛ فإذا بنا نبشر في الأسبوع الماضي بسلسلة أخرى من حالات القتل الجديدة – في البلدة الدرزية عسفيا، ودير الأسد، وكذا في اللد – حيث قتلت رباب أبو صيام بالنار أمام عيون بناتها، وهي معلمة ابنة 30 وصفتها الشرطة بأنها “على درجة التهديد الأعلى” عقب تهديد زوجها السابق على حياتها. رباب هي القتيلة السابعة في الوسط العربي منذ بداية السنة، وأغلب الظن على خلفية ما يسمى عندنا “شرف العائلة”. وبالإجمال، قتل في نصف السنة الأخيرة 63 مواطناً عربياً.

سارع زعماء الجمهور العربي لإلقاء المسؤولية في أعمال القتل هذه على كاهل الشرطة، مثلما أيضاً على باقي مؤسسات الدولة، بدعوى أن هذه لا تفعل ما يكفي كي توفر الأمن للسكان العرب، ولا تحارب منظمات الجريمة في المجتمع العربي، المسؤولة بزعمهم عن قسم كبير من أعمال العنف والقتل.

لكن في أقوال شجب لأعمال القتل – وفي الغالب مجرد شجب كأن أحداً ما هبط من القمر هو الذي نفذها، مثلما أيضاً في الاتهامات التي توجه إلى الشرطة – يبرز نقص الدعوة إلى حساب النفس وإصلاح الذات داخل المجتمع العربي، الذي يخرج من أوساطه القتلة الذين يحظون غير مرة من محيطهم بالإسناد وعلى الأقل بموافقة صامتة على أفعالهم.

سهل ومريح وشعبي أيضاً اتهام المؤسسة الإسرائيلية بالمسؤولية عن العنف، بل ووضع نظريات مؤامرة بموجبها تتآمر الشرطة والشاباك أيضاً مع عائلات الجريمة، وفي هذا الإطار يتركونها تعمل دون عراقيل في البلدات العربية على ألا يقفوا ضد الدولة ومؤسساتها.

لكن ليست عائلات الجريمة هي التي تقف خلف قتل سبع نساء عربيات، والعشرات ممن سبقنهن. بل إن أقرباءهن هم الذين قتلوا النساء لاعتبارات الدفاع عن “شرف العائلة” وفي الغالب نالوا إسناداً من أبناء عائلاتهم والعشائر التي جاءوا منها، وبالتأكيد لم يشجبهم أحد ولم يجعلهم منبوذين.

كثيرون وطيبون، مثل وزير الأمن الداخلي، يدعون بأن سبب العنف في الوسط العربي هو الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون العرب، وأن الاستثمار في البنى التحتية والتعليم وخلق أماكن عمل سيمنع الجريمة. وبالتوازي، يطرح الادعاء أيضاً بأن استمرار النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني يشجع أيضاً ميول التطرف والعنف.

لكن الحقيقة أن العنف في المجتمع العربي ليس شاذاً في مجتمعات عربية في المجال المحيط بنا، التي تعد فيها أعمال قتل على شرف العائلة أو كجزء من النزاع بين العشائر، ظاهرة منتشرة وسائدة.

المجتمعات العربية لا تزال تقليدية، خصوصاً في المناطق القروية، والعائلة والحمولة هما أساس الهوية والانتماء للفرد وللعائلة النووية. الولاء للعائلة قبل كل شيء، والمجتمع والدولة هما أطر مصطنعة تستمد قوتها من القبيلة، من العائلة أو من الحمولة.

لا يزال السلوك وفقاً لمعايير وقيم الماضي، في الوقت الذي يعبر فيه التقدم والحداثة عن نفسه في جوانب خارجية مثل الملبس، أو استخدام التكنولوجيا المتطورة، لكن ليس في الجوهر – لا في الولاء ولا في الهوية ولا في عالم القيم ونمط السلوك عما هو مسموح وما هو محظور. وهكذا، فإن مشادة عابرة بين رجلين قد تتدهور ببساطة إلى صراع بين الحمائل، وإن حسابات قديمة قبل سنين قد تؤدي إلى نشوب عنف مفاجئ ومضرج بالدماء.

الأسهل على السياسيين العرب مهاجمة الشرطة من توجيه إصبع اتهام إلى ما يجري في المجتمع العربي. وبعامة، فإن تغيير الوضع لن يحصل بين ليلة وضحاها، لكن التنكر لطريق العنف ومن يقف خلفه لن يقرب الخطوة الأولى. زيادة حوكمة الدولة وسيادة قيم احترام قوانينها هما خطوة ضرورية أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى