إسرائيل اليوم: قتل المدنيين حلال على أميركا حرام على إسرائيل

إسرائيل اليوم 19-12-2022م، بقلم: ايال زيسر: قتل المدنيين حلال على أميركا حرام على إسرائيل
مدينة الفلوجة غرب بغداد عرفت في ماضيها، في عهد المشناه والتلمود كمركز هائج بالحياة اليهودية، وعملت فيها مدرسة فومبتيتا (الاسم القديم للمدينة).
بعد أن احتل الأميركيون العراق في 2003 ومنحوا الحكم فيه لأبناء الطائفة الشيعية، أصبحت المدينة، التي معظم الـ 300 ألف من سكانها هم سُنة، مركز الاحتجاج والمقاومة لقوات الاحتلال الأميركية.
في ربيع 2004 اندلعت في المدينة انتفاضة في أثنائها هاجم المسلحون مواقع ودوريات الجيش الأميركي. رد هذا بحزم وتصميم. قُطع توريد المياه والكهرباء إلى المدينة. و»سوي» قسم كبير منها من خلال القصف الجوي الذي كان يستهدف ضرب وتصفية أعشاش المسلحين والمجالات المدينية التي عملوا منها.
أدت المعارك إلى فراغ المدينة من سكانها، وقبل ذلك إلى موت الآلاف منهم، القسم الكبير بالهجمات الجوية للطائرات الأميركية. كانت الفلوجة قطرة في بحر الحرب في العراق.
منذ غزا الأميركيون البلاد في العام 2003، وبالتأكيد بعد ظهور «داعش» والخروج للصراع ضده، قتل مئات آلاف العراقيين – بين نصف مليون ومليون – معظمهم بالطبع مدنيون، عشرات الآلاف منهم على أيدي القوات الأميركية في صراعها ضد صدام و»داعش».
للحرب ضد الإرهاب والطغيان يوجد، بالتالي، أمل. هكذا في العراق، هكذا أيضا في أفغانستان – التي منذ أن احتلها الأميركيون في 2001، بعد 11 أيلول قتل فيها نحو ربع مليون نسمة، 70 ألفا منهم مدنيون، أكثر من نصفهم في هجمات القوات الأميركية وحلفائهم.
في سورية أيضا يدفع المدنيون ثمن الحرب التي تعربد في بلادهم. ليست فقط تلك التي يديرها بشار الأسد ضد الشعب السوري بل أيضا ثمن حرب الولايات المتحدة – حرب عادلة لا مثيل لها – ضد «داعش».
حسب التقديرات، قتل أكثر من عشرين ألف مدني سوري في هجمات طائرات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، ضد أهداف «داعش».
حين يدور الحديث عن عشرات آلاف المصابين والقتلى، لا توجد بالطبع قدرة أو اهتمام بفحص كل حالة على حدة، ومن يحاول رغم هذا عمل ذلك تصده بفظاظة الإدارة الأميركية، التي تمنح الحماية والحصانة الكاملتين لمقاتليها في وجه التحقيقات الدولية وفي وجه المحكمة الدولية في لاهاي.
في حالة إسرائيل أيضا، فإن عدد المدنيين الفلسطينيين غير المشاركين ممن قتلوا بالخطأ بنار قواتنا في أثناء أحداث عنف في «المناطق» (خلافا للمسلحين، المشاغبين وراشقي الحجارة الساعين للصدام مع قوات الأمن) لا يزيد على أصابع كف اليد الواحدة.
لكن مقابل الحالات آنفة الذكر، فإن موظفي الخارجية الأميركية في واشنطن يسارعون دوما إلى الشجب، بل المطالبة بالتحقيق والمحاسبة لجنود الجيش الإسرائيلي في كل حالة على حدة.
وفضلا عن ذلك فإن للموظفين في واشنطن قدرة معروفة على إحصاء الأشجار – كل واحدة منها – لكن دون أن يروا الهدف. بمعنى، تجاهل حقيقة أنه في «المناطق» يجري كفاح فلسطيني مسلح، كفاح «إرهاب»، ضد جنود الجيش الإسرائيلي، مثلما ضد المدنيين الإسرائيليين الذين يسكنون في المنطقة أيضاً.
هل يتوقع الموظفون في واشنطن من إسرائيل تبني النهج الأميركي؟ الرواية المركبة ذاتها لنموذج الشيشان الذي استخدمه الروس في القرن الماضي في القوقاز وفي العقد الأخير في سورية ومؤخراً في أوكرانيا؟ بمعنى قصف المجال الذي يعمل فيه المسلحون وفقط بعد ألا يتبقى فيه مبنى واحد على حاله، دخول الجنود إليه؟
إن قتل المدنيين غير المشاركين مؤسف وأليم، ويجب عمل كل شيء لأجل منعه. لكن لا يدور الحديث عن تظاهرات للسود في مدن الولايات المتحدة والتي حيالها أيضا أيدي الشرطة رشيقة على الزناد. يدور الحديث عن حرب بكل معنى الكلمة – وفي الحرب مثلما في الحرب… غير أنه يتبين أن ما هو محظور على إسرائيل مباح للولايات المتحدة أو روسيا.
في نداءات المزايدة للتصرف برقة مع المتطرفين ومع الراديكاليين، أسقط الأميركيون نظام الشاه في إيران، ودفعوا حسني مبارك إلى نهايته، ويعملون، الآن، على تقويض استقرار الحكم في مصر وفي السعودية. أفلم يتعلم أحد في واشنطن من أخطاء الماضي.
وإذا كانت «الموظفية» في واشنطن لا تريد أن تساعد فلا تزعج على الأقل.