إسرائيل اليوم: حلف الاقليات

إسرائيل اليوم 12/12/2024، يهودا بلنغا: حلف الاقليات
سوريا 2024 هي ظل شاحب للدولة التي تلقاها بشار الأسد من أبيه، حافظ، في حزيران 2000. تحت قيادة الابن، تحولت سوريا من قوة عظمى إقليمية لملعب لقوى إقليمية – تركيا، ايران وإسرائيل؛ وخارجية – الولايات المتحدة، روسيا والصين، الذين يلعبون فيها كما يشاءون. لكن اكثر مما اصبحت سوريا ساحة صراعات بين قوى اقوى منها – عادت مئة سنة الى الوراء، الى الفترة التي كانت فيها أراضيها منقسمة ومنشقة.
عمليا، لم يسبق ان كان كيان سوري مستقل في منطقة الشرق الأوسط. سوريا اليوم كانت أرضا اقليمةتسيطر عليها امبراطوريات اجنبية، تبنت منها هويات وثقافات مختلفة ومتنوعة. مثلا، في القرون الماضية كان سكان حلب ذوي توجه لجنوب تركيا (وقبلها للامبراطوريةالعثمانية)، بينما سكان دمشق كانوا مرتبطين ببلاد إسرائيل وشرق الاردن.
كما ان التقسيم الطائفي أدى الى انشقاق المجال. الأقليات، الدروز، الاكراد والعلويين – اقاموا جيوبا منعزلة وتمترسوا لخلايا جغرافية بعيدة، أساسا بسبب الخوف من الاضطهادات الدينية، الامر الذي ابرز عمق الشرخ والانقسام، مثلما ابرز الرغبة في إدارة نمط حياة مستقل. هكذا جعل هذا صعبا على الحكومات السورية المختلفة بلورة السكان في جبلة واحدة.
لا غرو انه منذ نالت سوريا الاستقلال في 1946، وحتى صعود حافظ الاسد الى الحكم في تشرين الثاني 1970 وقع فيها 15 انقلابا ومحاولة انقلاب. القاعدة كانت واضحة: الطريق الى الحكم في الدولة تمر بالجيش. انعدام الاستقرار السياسي ولد لها لقب “الدولة التي لا يمكن حكمها”. وعليه، فحقيقة انه على مدى 54 سنة نجحت عائلة الأسد في ان تقود وتتصدر سوريا هي انجاز بحد ذاته.
الحقيقة هي أنه لا يمكن المقارنة بين الاب والابن، ومع ذلك – بقيت سوريا دولة للقومية فيها دور واضح، والدين يوجد خلف الكواليس. نظام الأسد، في سعيه الدائم للشرعية، سعى لان يعطي لنفسه ولسوريا صورة من يحترم عموم الطوائف، فيما يكون لكل انسان، ولا يهم ما هو اصله، مكانه في الدولة.
كل هذا انقلب في 8 كانون الأول. نظام الأسد انهار كمبنى من ورق ومعه انهارت مؤسسات الدولة، خاصة النسغ الذي يجمع السكان. بدلا من دولة قومية وفوق طائفية، ظهرت في ليل ثوار من طيف واسع من المنظمات، هويات، اسياد وايديولوجيات. من بينهم جميعا يبرز الإسلاميون بقيادة تحرير الشام، من مصنع القاعدة.
لهذه النقطة توجد أهمية هائلة، إذ منذ الاجتياح الأمريكي للعراق في 2003 وبعده اسقاط أنظمة الطغيان في اطار الربيع العربي، حصلنا على الفوضى التي أدت الى “الشتاء الإسلامي”. بعد 20 سنة من اسقاط نظام الرعب لصدام حسين، لا يزال العراق يحاول إعادة بناء نفسه. بعد 13 سنة من مقتل معمر القذافي في قنوات المجاري، وفقط مؤخرا خرجت ليبيا من حرب أهلية مضرجة بالدماء.
صورة الوضع كما ترتسم الان لا تبشر بالخير لسوريا أيضا. ثوار مسلحون وملتحون يرفعون رموز داعش والقاعدة يدخلون المراكز السكانية الكبرى ويفرضون النظام. في هذا الوقت، فان اغلاق الحسابات مع رجال النظام القديم محدود، لكن انعدام الوحدة في أوساط معسكر المعارضة يشكل مصدر قلق. ومرة أخرى، مثلما في الجولة السابقة من الحرب – عمليا، مثلما علمنا تاريخ المنطقة، فان اول من سيعانون سيكونون الأقليات.
لكن في نقطة الانكسار تكمن أيضا الفرصة. إسرائيل ينبغي لها ويمكنها أن تستخدم الانعزالية في صالح مصالحها. ان تقيم العلاقات مع أبناء الأقليات، الدروز خلف الحدود والاكراد في شمال سوريا وتعيد إقامة حلف المحيط، أي، ان تطور تحالفات استراتيجية مع العناصر الذين هم عرضة للتهديد الأكبر، الذين يحتاجون الى الدعم ويمكنهم أن يساعدونا ضد العدو المشترك المحتمل.
لقد شكل الأسد عنوانا لإسرائيل ووفر استقرارا في منطقة متهالكة. صحيح انه كان شريكا كبيرا في محورالشر الإيراني لكن رحيله المفاجيء يمكنه أن يؤدي الى صعود عناصر إرهابية ليست مدينة لاحد غير الرب الذي باسمه يقاتلون. الوضع الحالي، ثمة من سيستغلون الفوضى في صالح الإسلام المتطرف – وثمة من يمكنهم أن يرسموا عبرها واقعا إقليميا جديدا.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook