أكرم عطا الله: ترامب من خداع حماس لخداع العرب

أكرم عطا الله 26-9-2025: ترامب من خداع حماس لخداع العرب
واحدة من أهم أسباب صفقة التهدئة والأسرى التي تمت بين حركة حماس وإسرائيل في كانون الثاني الماضي كانت أن دونالد ترامب أراد أن يكون الحدث الأوحد على وسائل الإعلام دون أن ينافسه أحد. فهو ملك الملوك، هذا ما يمكن إدراكه دون عناء، ليس فقط من مراقبة سلوك خال تماماً من الرصانة السياسية بل كان واضحاً منذ الولاية الأولى، صحيح حينها كان أكثر تواضعاً لفقدانه الثقة بنفسه وهو يخوض غمار السياسة بدون الحد الأدنى من مؤهلاتها، وبكاء ميلانيا ليلة الفوز خوفاً من هذا الفوز وخوفاً على أميركا وخوفاً على العالم الذي سيديره رجل هي أكثر من تعرفه عن قرب.
كان عنوان المقال السابق عن «ترامب واستراتيجية الجنون» وكانت مجرد محاولة للتحايل تجنباً للقول بشكل فج «أننا أمام رئيس مجنون» خوفاً من أن أحمّل الجريدة ما هي بغنى عنه، وخصوصاً بعد أن عرضت وسائل إعلام اسرائيلية قبل أشهر تقريراً عن أن إسرائيل تلاحق كل ما يُكتب أو يُقال عن ترامب في وسائل الإعلام الفلسطينية وتقوم بترجمته وإرساله للبيت الأبيض لتحريض الرئيس على الفلسطينيين، وقد كانت ضمن ما ترجمت أحد المقالات وقالت إن من كتب ذلك عن الرئيس ترامب كان وزيراً في السلطة الفلسطينية.
لا يمكن اعتبار ترامب من أسوياء السياسة، حيث أن المجانين لعبوا دوراً هائلاً في تغيير كتابة صفحات التاريخ، لكن لم يصل الأمر إلى الحد الذي كتب عنه آلان دونو في كتابه الشيّق «عالم التفاهة»، لكن يبدو أن العالم له أصيب بتلك السطحية التي أنتجها الشعب الأميركي ليتم تسطيح كل شيء، ترامب يصلح نموذجاً صارخاً لعالم دونو وأبعد من ذلك، حيث تنطبق على الرجل مواصفات عدم الاتزان العقلي، أو كما يقول علم النفس عن غير المتوقع سلوكهم.
سيظل الشغل الشاغل لوسائل الإعلام تلك موهبته الأولى ولا يريد أن يسقط من العناوين، مقدماً خطاباً أشبه بالفانتازيا في الأمم المتحدة، يخلط بين الخطاب الداخلي للأمة الأميركية وهو يتحدث عن إنجازات داخلية وتريليونات حصدها للاقتصاد الأميركي، ويهاجم الأمم المتحدة لأن مصعدها تعطل، وهذا دليل على عدم كفاءتها العامة، وخصوصاً أيضاً أن جهاز القراءة الخاص بها توقف عن العمل أثناء خطبته، وهذه تعبيرات فشل حي، فكيف تدير نفسها ومؤسساتها وكيف يمكن الثقة بقدرتها على إدارة المؤسسة؟
لم تعد تنطلي فكرة أن ترامب يملك سياسة مستقلة عن بنيامين نتنياهو الصديق «بطل الحرب» كما يصفه، ويمكن للمراقبين أن يشهدوا ببساطة أن الرجلين يشكلان توأماً سياسياً بكل التفاصيل، يتشاوران ويقرران ويطبخان ويرسمان السياسة، ويوزعان الدور بما يتطلبه أحياناً من أشكال مسرحية تستدعي بعض «الكومبارس» حين يتطلب الأمر. لكن الشكل النهائي للحرب هو تحقيق شروط نتنياهو وإنهاء الحرب بتحقيق النصر التام كما يريده للصديق «بطل الحرب».
في خطته لوقف الإبادة في غزة التي عرضها على العرب ما يشتمّ رائحة خديعة أعفى الزعيمان المصري عبد الفتاح السيسي والسعودي محمد بن سلمان نفسيهما من الاستماع لها من الكذب، وهما يدركان أنه للتو أمر ممثلته في مجلس الأمن باستخدام الفيتو لمنع وقف الحرب، وقدّم في اجتماعه مع الزعماء العرب بالإضافة للرئيس التركي خطة لإنهاء الحرب على غزة، صحيح أنها تتقاطع إلى حد ما في بعض جزئياتها مع الموقف العربي، سواء بإبعاد حماس أو بانسحاب إسرائيل من غزة، أو بتحمّل مسؤولية الخراب الذي صنعته حكومة وجيش ووحشية اسرائيل.
لم يكن لدى ترامب مشكلة بالاستجابة السريعة للموافقة على الشروط العربية، وأهمها عدم السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية أو أجزاء منها دون الرجوع لبنيامين نتنياهو، فتلك سهلة وأسهل أن يتنصل منها كما تنصل من مبادرته بوقف الحرب مطلع العام، عندما خدع الحركة لتحصل اسرائيل على أكبر عدد من الأسرى في المرحلة الأولى بل وأدان حركة حماس يومها، حيث يدرك ترامب ويدرك العرب مثله تماماً أن ضم أجزاء من الضفة الغربية هو برنامج هذه الحكومة التي تشكلت على أساسه كشرط ائتلافي، ووجدت إسرائيل في هذه الحرب الفرصة التي لن تتكرر لتنفيذ عملية الضم، وهو ما كان يهدد به رئيس وزراء إسرائيل كرد على الاعترافات الدولية بفلسطين دولة، وإن كان الأمر غير ذلك بل مجرد استغلال مكشوف.
إذا لم يلوّح العرب بممكنات القوة سيستمر ترامب في سياساته المخادعة، ولن يتوقف عن أن يكون شريكاً كاملاً لنتنياهو، والتجربة كانت أمامنا في تعامله مع كوريا والصين وروسيا ومع التعامل مع أوكرانيا وكل أوروبا والمنطقة العربية، فقد استعرضت الصين عسكرياً، أما كوريا الشمالية فيقدم الإعلام الأميركي رئيسها أنه أكثر جنوناً من ترامب ليخشاه الأخير، لأن لديه زراً نووياً كما قال، فترامب يحترم الأقوياء ويتعاطى باستخفاف مع الآخرين.
حتى كتابة المقال لم يلتقِ نتنياهو مع ترامب بعد ليشحنه كما يفعل، فقد وافق له على الضم في ولايته الأولى ولكن حين يلتقيه كما يقول نتنياهو متبجحاً «ستتناول المباحثات الفرص العظيمة التي جلبتها انتصاراتنا، والحاجة لاستكمال أهداف الحرب وإعادة الرهائن وهزيمة حماس وتوسيع دائرة السلام بعد انتصارنا التاريخي» هذا ما يفعله ترامب بما يلزم من وسائل الخداع.