أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – قطر … نسمات حضارية

السفير ملحم مسعود، اليونان ١٣-١٠-٢٠١٩

في قرية جبلية يونانية نائية تطل على البحر حيث إخترتها للعيش فيها  , كنت جالسا أجمع أوراقي واراجع أفكاري , للتركيز علىالخيارا والأولويات  بين المواضيع الذي اريد الكتابة فيها حول التطورات والأحداث التي داهمتنا هذه الأيام من شتى الإتجاهاتوصولا للجدل القائم حول إمكانية إجراء إنتخابات فلسطسنية تشريعية … او رئاسية ..الخ من عدمه . والحوار الراقي بين نبيل عمرو والدكتور حنا ناصر… حول الموضوع والمهمات , كذلك اوضاع   ” المؤسسات الفلسطينية الذي أشرت إلى اهميتها في مقالاتي الأخيرة , والدساتيروالتشريعاتوالمراسيم ومستقبل واهمية عمل المستشارين وهنا لا نتحدث عن ( تنابلة … السلطان ) وما آلت عليه أحوالهم … أخيرا … وما بين هذا وذاك ….

توقفت عند خبر ثقافي ( رياضي ) وكان بمثابة نسمة حضارية حقا شعرت بها وأبعادها وهي آتية  من بعيد … جعلتني اتوقف كثيرا وأنسى كل ما كنت أفكر فيه أو يشغلني ولو إلى حين , من تطورات شرق البحر الابيض , والاحمر , والأسود … من التداعيات والمكاسب  … إذا كانت هناك مكاسب  ( بالتاكيد هناك مكاسب .. وخسائر) في العملية العسكرية التركية في شمال سوريا … مرورا بهؤلاء البؤساء من المهاجرين عبر البحر …. واحوالهم في اليونان واوروبا المستنفرة .    

بعيدا عن السياسة وهمومها (كما ظننت ) كان الخبر كيف تعاملت الجماهير القطرية مع فوز الفتاة البحرينية سلوى عبد الناصر بالميدالية الذهبية في سباق 400 متر في ” مونديال العاب القوى ” في إستاد خليفة الدولي الباهر في الدوحة… التي يٌسدل الستار  عليها مساء اليوم ( الأحد ) عندما وقفت الجماهير القطرية إحتراماومتحلية بالروح الرياضيةأثناء عزف النشيد الوطني لدولة البحرين (الشقيقة )

كان الخبر لي بمثابة واحة وفرصة ثقافية حقا أرتاح فيها من التفكير في السياسة واخواتها , أبحث عنها دائما … وتوالت الأفكار في ذهني وتذكرت وراجعت طالما الشئ بالشئ يذكر , كيف قامت الألعاب الأولمبية اليونانية في بلدة  ” أولومبيا ” في شمال البولوبينيس اليونانية وكانت حينذاك مدينة للعبادة       و إبتدعفكرة الألعاب الاولمبية كما يقال هرقل وسُرقت نار شعلتها من الآلهة  كما تقول الأساطير اليونانية ... الخ.

ذكرتني سلوى عبد الناصر هذه الفتاة البحرينية وفوزها والتحية الحضارية من قبل الجماهير القطرية …. بحكمة … وفلسفة المتقاتلين والمتصارعين من دولالمدن اليونانية وحروب إسبارطة ضد أثينا … واثينا ضد كورنثوسوالأخيرة ضد إسبارطا وهلم جرا

في ذلك الزمن الغابر حيث كان يتوقف الإقتتال ويغمدون سيوفهم … متوجهين إلى الملاعب والمباريات الرياضية  في أولمبيا , حاملين معهم غصون الزيتون , واكاليل الغار (إرتبط إسم ورق الغار بالخير ومحاربة الشر ولايزال يرمز إلى العظمة … وكان يستخدم في زمن الإغريق سواء في الحروب أو المسابقات الرياضية ) لتكون الألعاب في الصيف عادة  , وبعد  موسم القطاف والحصاد فرصة لإلتقاط الأنفاس وبدأ  الحوارات الحكيمة , والتفاهمات بينهما في ظل سلام هذه الأجواء الرياضية  التي  إبتدعوها هؤلاء الحضاريين .

لم تكن  دولة قطر وجارتها البحرين على وفاقطول زمن … وكانت الخلافات والتجاذبات بينهما تتحرك مثل المد والجزر في مياه الخليج  حول هذه البلاد … وجاءت التطورات الخليجية الأخيرة  وكأنها لزوم ما لا يلزم … وسبق ان كتبت على هذا الموقع مقالي ( الخليج في خطر … وليس قطر ) وكنت أرى من خلال التطورات ما نحن عليه اليوم … أليمن … العراق … سوريا والخليج … حدث بلا حرج .

بدات رياح التوتر والتصعيد ضد قطر والقطيعة معها , وقرار حصار قطر ماساة حقيقية في خلاف الإخوة ليس لتداعيات هذا الحصاروغيره من الإجراءات على هذا البلد والتي تجاوزته سريعا وحسب . إنما على مناخ المنطقة وصعوبة الوصول إلى إمكانية الوئام وعودة الصفاء والتعاون بين الإخوة … وكم هم في حاجة للوحدة اليوم  … وتساءلت في مقالي …يومها من يحاصر من  ؟؟؟؟ 

ومضت الإمور من القطيعة , والتعقيد , والتحدي بين الإخوة ( الاعداء ) أبعد من كل التوقعات , يمكن وصفها بما قاله شاعرناتوفيق زياد :

تمشي وامشي والليالي بيننا

ستريك من يهوى ومن سيظفر  

في  ” أدبيات ” المُحاصرٍين وغيرهم  من الحاسدين نسمع عن وصف قطر بالدولة الصغيرة !!!

ماذا نقول إذا عن سنغافورة في آسيا أو لوكسمبرج في أوروبا …

إننا بفخر نراقب ونتابع الإنجازات والفعاليات الثقافية والحضارية والعلمية … الكبيرةالتي تقدمها قطر    (الصغيرة ) والتي تضع وتقدم إمكانيات ومساعدات لدول , وجهات , ومؤسسات بلمسة إنسانية وحضارية . وما هذه الأجواء والنشاطات التي تكاد ان تكون يومية سوى دورها الريادي والحضاري في منطقة الخليج , والعالم العربي … ومناطق أخرى وبكل هذا … كأن حالهم كما يقول ما قاله شاعرنا المتوكل الكناني في زمانه :

لسنا وإن أحسابنا كرمت  يوما على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا … تبني ونفعل مثلما فعلوا

نحن نتمنى كل الخير للخليج واهله , أمام خطورة التحديات التي أصبحت كبيرة ومعروفة … ونتمنى للثقافة والرياضة القطرية المزيد … وللفتاة البحرينية سلوى عبد الناصر التي عبرت المسافات وكسًرت الحواجز الرياضية وغير الرياضية في إستاد  خليفة الرياضي  , والتي تذكرني اليوم بلعبة (البنج بونج ) بين الصين والأمريكان … التي كانت فاتحة لآفاق من الإتصالات والتعاون والعلاقات بينهما مع عدم المقارنة , عما يجري اليوم  بين الإخوة .
هل تنجح سلوى عبد  الناصر ببطولتها وإستقبالها القطري الراقي والحضاري اليوم في إيصال الرسالة لأصحابها ؟؟؟

نحن نقول ما قاله شاعرنا :

وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه وأول الغيث قطر ثم ينسكب

* السفير ملحم مسعود من اسرة مركز الناطور للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى