دراسات وتقارير خاصة بالمركزشؤون مكافحة الاٍرهاب

اللواء محمود الناطور يكتب – تنظيم القاعدة: استراتيجية جديدة وقوة متنامية – الحلقة التاسعة

بن لادن لم يغفل عن حزب التحرير الإسلامي

 استطاع حزب التحرير ان يشكل انتشارا دوليا منافسا للتنظيم الدولي للاخوان المسلمين ، ورغم ان الحزب كان حتى بداية التسعينيات يركز عمله في دائرة الشرق الاوسط خاصة في سوريا ، العراق ، مصر، تركيا ، لبنان ، الاردن وفلسطين ، الا انه انتشر في اوروبا وخاصة في فرنسا (بدعم بريطاني) وفي دول جنوب شرق آسيا لا سيما ماليزيا واندونيسيا وتايلاند ، حيث تعتبر ماليزيا معقل رئيسي لنشاطات الحزب بالاضافة لدوره القوي في باكستان والبوسنة والشيشان .

ويعود الفضل في هذا الانتشار الدولي للحزب الى الشيخ عمر بكري محمد السوري الاصل الموجود حاليا في لبنان ، الذي تمكن من اقامة علاقات متينة مع الشيخ حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الاسلامية السودانية وعبرها مع الشيخ اسامه بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ومع الرئيس الشيشاني السابق دوداييف الذي كان عضوا قياديا بارزا في حزب التحرير الإسلامي . 

والشيخ عمر بكري محمد كان في البدايات تلميذا من تلاميذ الشيخ (خليل الميس) ابرز قادة حركة الطلائع التي شكلها الاخوان المسلمين في سوريا، وبعد ان تمكن الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد من هزيمة الاخوان المسلمين في معارك حمص وحماه وحلب ، هرب الشيخ عمر بكري الى لبنان ، ورغم انه تتلمذ على يد شيوخ الاخوان المسلمين ، الا انه مؤيد قوي لتيار “الصوفية النقشبندية” التي يدين بها غالبية اكراد العراق، وخلال وجوده في لبنان جرى استقطابه لحزب التحرير الإسلاميوبموجب ذلك تم تسهيل سفره الى بريطانيا عام 1985 حيث أسس هناك كلية للشريعة عام 1994 في حي توتنغهام مركز التنظيمات الاسلامية في شمال لندن . 

وفي لندن أسس الشيخ عمر بكري محمد تنظيم (المهاجرين) كواجهة حزبية للعمل في شرق آسيا واوروبا والبوسنة والشيشان وباكستان ، وقد ذكرت مصادر اعلامية بريطانية آنذاك ان تنظيم (المهاجرون) هو انشقاق عن حزب التحرير ، لكن ذلك غير صحيح ، والاصح هو ان تنظيم (المهاجرون) اصبح القيادة الدولية لحزب التحرير الإسلامي ، وكانت اولى نجاحاته في البوسنة حيث لعب مقاتلو حزب التحرير دورا أساسيا في القتال ضد القوات الصربية ، ثم كان الفوز الأكبر باستلام الرئيس دوداييف رئاسة دولة الشيشان الأمر الذي أسهم في نشر حزب التحرير داخل تركيا . 

وشملت فتوحات الشيخ عمر بكري محمد “جزر الموريشيوس” في المحيط الهندي ، حيث استطاع عبر علاقاته القوية مع “الشيخ فيصل” ابرز زعماء حزب الله هناك من شق ذلك الحزب وانضمام المنشقين لحزب التحرير الإسلامي وتنظيم (المهاجرين) وقد لفت ذلك اهتمام ايران التي انفتحت على الشيخ عمر بكري محمد كزعيم لحزب التحرير الإسلامي وعلى الشيخ حسن الترابي كزعيم من الاخوان المسلمين في خطوة لاحتواء النشاط الإسلامي السني ودعمه .

ونظرا لوجود تحالف امريكي بريطاني حينذاك (1994) ضد النفوذ الفرنسي في الجزائر فقد ساند حزب التحرير الحركات والتنظيمات الاسلامية في الجزائر وخاصة مليشيات الشيخ علي بلحاج ، وفي خطوة مهمة اخرى نجح الشيخ عمر بكري محمد من تنظيم اتصالات واقامة علاقة وطيدة مع الشيخ صاحب حسن الزعيم السلفي ذو النفوذ القوي بين المهاجرين الذين هربوا من الهند عند انفصال باكستان، ويشكلون حاليا غالبية سكان مدينة كراتشي ويزيد عددهم عن (12 مليون نسمة) . 

كما نسج علاقات جيدة مع الشيخ قاضي حسين احمد زعيم الجماعة الاسلامية الباكستانية، وقد استثمر الشيخ عمر بكري محمد مؤسسة “مسلم ايد” التي يتزعمها يوسف اسلام وهو الاسم الجديد للمطرب البريطاني (كات ستيفن) لاقامة مدرسة اسلامية تطورت الى كلية للشريعة ، واقام الشيخ عمر بكري محمد علاقات وطيدة كذلك مع الشيخ عبد الرحمن وليد زعيم حزب نهضة الامة الاندونيسي الذي يضم اكثر من (35 مليون عضو) حيث شكل ذلك هزيمة كبرى للاخوان المسلمين في اندونيسيا ثم تقدم نفوذ حزب التحرير الإسلامي باتجاه ماليزيا حيث علاقات الشيخ عمر بكري محمد مع عبد العزيز نكمات زعيم الحزب الإسلامي في ماليزيا الامر الذي اسهم في الانتشار داخل المسلمين في تايلاند ومع زعماء حركتي بولو ، وبرن المتشددتان ضد النظام التايلندي والمطالبتان باستقلال المنطقة الحدودية الاسلامية التي تضم عشرة ملايين مسلم . 

ان هذا الانتشار الواسع لحزب التحرير الإسلامي لم يغفل عنه الشيخ اسامه بن لادن ، الذي نسج علاقات معه من خلال دعم الشيخ عمر بكري محمد كما سبق ان دعم الشيخ حسن الترابي الزعيم الاخواني السوداني ، فقد كان الشيخ اسامه بن لادن في تلك المرحلة يسعى الى توحيد الحركات الاسلامية السنية محاولا تشكيل جبهة اسلامية عالمية بديلة كما ذكرنا سابقا ، ورغم كل هذه العلاقات الواسعة للشيخ عمر بكري محمد الا انه لم يستخدم نفوذه مطلقا للاخلال بنظام تواجده في بريطانيا التي اعتقلته وتم ترحيله الى لبنان. 

حامد كرزاي وحركة طالبان

عندما انطلقت حركة طالبان عام 1994 وهي حركة اسلامية قادها “طلاب الشريعة” الذين كانوا يحملون القرآن والسلاح ، وينتقلون من قرية الى اخرى للقضاء على عصابات امراء الحرب الذين انتعشوا بدعم من المخابرات المركزية الامريكية بعدما حصدوا ثروات هائلة من تجارة الهيروين وتبييض الاموال ، التف حولها غالبية قبيلة الباشتون اكبر القبائل الأفغانية ، وشهدت مدينة قندهار التي يزيد عدد سكانها عن (800 الف) نسمة هدوءا كان مفقودا لزمن ..

وكان طلاب الشريعة “طالبان” قد درسوا في مدارس دينية على الحدود الباكستانية بدعم من المملكة العربية السعودية والاستخبارات الباكستانية، واقيمت بعض تلك المدارس في بيشاور وكيتا وكراتشي ايضا، وكانت المدرسة “الحقانية” ابرز تلك المدارس واكثرها شهرة وتقع قرب طريق غراند ترانك شرق بيشاور ، حيث خرّجت عشرات آلاف الطلاب الافغان والباكستانيين بفضل مجانية التعليم مع تقديم السكن والطعام .

كان عبد الاحد كرزاي والد حامد كرزاي رئيس افغانستان الحالي من اكبر الداعمين لحركة طالبان في قندهار وقد كان عُمر حامد كرزاي عند انتصار حركة طالبان (36 عاما) وقد عمل والده في الجهاد ضد السوفييت، وعمل حامد كرزاي في الثمانينات اعلامي ومساعد في الخدمات الانسانية في فصيل المجاهدين الملكي التابع لـ”صبغة الله مجددي” ، وكان يتكلم الانجليزية بطلاقة ، ولديه علاقات مع العديد من الأمريكيين ، أمثال ماك وليامز وبيتر تومسون اللذان اعتبرا حامد كرزاي احد المتحدرين من السلالة الملكية، ووجداه جذابا وعقلانيا ومتحدثا وسياسيا محنكا ، وقد ادار اثنان من اخوة حامد كرزاي مطعمين في الولايات المتحدة الامريكية ، وأتاح له ارث الباشتون الملكي وسهولة تعامله مع الاجانب لعب دور الوسيط بين الفئات السياسية والقبلية في افغانستان بعد الانسحاب السوفييتي ، وعلى هذا الاساس تم تعيينه نائبا لوزير الخارجية في حكومة كابل التي ترأسها احمد مسعود عام 1993 والذي كان يعرف خلال الحرب بلقب “اسد بانشير”. 

في بداية عام 1994 تسلم رئيس جهاز الامن عند القائد الافغاني احمد مسعود رجل ذو حنكة  ودراية هو محمد فهيم الذي قدم تقريره بأن حامد كرزاي يعمل مع الاستخبارات الباكستانية ، وعليه تم القاء القبض على حامد كرزاي في منزله بالعاصمة كابل ، واقتيد للتحقيق معه حيث تعرض للضرب المبرح ونزف وجهه وتهشم، ولم ينقذه من خطر الموت تحت التعذيب الا احدى القذائف التي اطلقها مقاتلو القائد الافغاني حكمتيار بانتظام على وسط كابل التي اصابت صدفة مجمع الاستخبارات ، حيث كان يجري التحقيق مع كرزاي ، الذي تمكن خلال الفوضى التي عمت المكان من الهرب الى خارج المبنى ووصل الى محطة باصات المدينة ، حيث استقل الباص المتجه الى جلال أباد ، ولجأ هناك الى احد اصدقائه العاملين في برنامج الامم المتحدة، بعد ذلك تم نقله عبر خيبر باس الى باكستان وبقي هناك سبع سنوات . 

لقد تم استعراض علاقة عائلة كرزاي مع حركة طالبان لهدف بسيط وهو القاء الضوء عل الصلة التي كانت تجمع بين حامد كرزاي وحركة طالبان وهي الارتباط بالمخابرات الباكستانية ذات الارث الطويل في العمل المشترك مع السعودية في باكستانوافغانستان ، الا ان العلاقة بين زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر والشيخ اسامه بن لادن كانت سببا في الافتراق بين حامد كرزاي وحركة طالبان ، حيث اختار الملا محمد عمر والشيخ اسامه بن لادن الالتزام بمنهج الجهاد لاسقاط الحكومات الأفغانيةالموالية للادارة الامريكية ، وتحديدا بعد الاحتلال الامريكي لافغانستان ، في حين اختار حامد كرزاي ان يمثل الاحتلال الامريكي في رئاسة افغانستان، واختارت اسرته وعشيرته الوقوف الى جانب حركة طالبان بزعامة الملا محمد عمر .

 ومن غرائب الأمور ان تكون عائلة حامد كرزاي هي ايضا التي تحتضن ايضا الشيخ اسامه بن لادن وتحمي مجاهديه منذ ان سيطرت طالبان على الحكم في افغانستان ، مرورا بالاحتلال الامريكي وسقوط حكومة طالبان وحتى اعداد هذه الحلقة التي تزامنت مع اكتشاف التزوير في الانتخابات الرئاسية الأفغانية لصالح حامد كرزاي، وقرار اللجنة العليا للانتخابات اجراء جولة ثانية الا ان المرشح الرئاسي عبد الله عبد الله اعلن عدم رغبته في خوض الجولة الثانية احتجاجا على التزوير مما سيجعل حامد كرزاي رئيسا بلا شرعية ، في ظل سيطرة حركة طالبان على اكثر من ثلثي الاراضي الأفغانية، وتوالي هزائم القوات الامريكية وقوات حلف الناتو مما يشير الى خيبة امل الادارة الامريكية الجديدة برئاسة باراك اوباما في القضاء على تنظيم القاعدة في افغانستان كما وعد خلال حملته الانتخابية للرئاسة وبعدها .

خلفية تحالف بن لادن مع الظواهري

 اعتمد الشيخ اسامه بن لادن في ادارة تنظيمه العسكري على مقاتلين من جماعة الجهاد الاسلامي المصرية ، وقد اسهم ذلك في نشوء علاقات وطيدة مع قيادات تلك الجماعة ، وبالذات الدكتور ايمن الظواهري ، حيث تعود العلاقة بينهما الى ايام الجهاد الافغاني في الثمانينات لكنها توطدت في النصف الاول من التسعينات خلال اقامتهما  في السودان، لكنها اخذت بعدا عمليا مشتركا بعدما فشل مشروع الدكتور ايمن الظواهري في الانتقال الى الشيشان عام 1996، كونه لم يكن متحمسا للبقاء في افغانستان وراغبا في الجهاد ضد القوات الروسية .

فعندما قصد الدكتور ايمن الظواهري الى الشيشان كان قد رتب اموره مع الشيخ اسامه وعدد قليل من قيادة جماعته، وتم الاتفاق على ان يكون الظواهري ممثلا للشيخ اسامه مع الجماعات الجهادية الاسلامية في الشيشان، لكن ما حدث هو ان الدكتور الظواهري اعتقل مع اثنين من جماعته هما محمود الحناوي واحمد سلامه مبروك الملقب “ابو الفرج” ولم يتعرف رجال الامن الداغستانيون على هوية المعتقلين الثلاثة الذين كانوا يحملون جوازات سفر مزورة ، واستمر اعتقال الثلاثة لفترة تقرب من ستة اشهر ، حيث قام الشيخ اسامه بتقديم “فدية مالية” لبعض رجال الامن في الشيشان تم اطلاق سراحهم بموجبها ، فعاد الدكتور ايمن الظواهري الى افغانستان ، في حين انتقل احمد سلامه مبروك “ابو الفرج” الى اذربيجان حيث اعتقل هناك وسلم الى مصر عام 1998 ، اما محمود الحناوي فقد ذهب الى القوقاز ودخل الى الشيشان واستشهد هناك في شهر نيسان/ابريل من عام 2005. 

 بعد عودة الدكتور الظواهري الى افغانستان وثق تحالفه مع الشيخ اسامه وكان الداعم الاول لفكرة تأسيس “الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين” في 23/2/1998، وقبل الاعلان عن تأسس الجبهة الاسلامية العالمية اوفد الشيخ اسامه مبعوثين الى عدد من الدول العربية والاسلامية حاملين معهم دعوة للجماعات الجهادية للانضمام الى الجبهة ، وبعد تجاوب العديد من الجماعات الجهادية عقد الشيخ اسامه مؤتمرا صحفيا للاعلان عن الجبهة رسميا بحضور الدكتور الظواهري والقائد العسكري “ابو حفص المصري” في معسكر القاعدة الكائن في مدينة خوست جنوب شرقي افغانستان ثم وزع بيان التأسيس موقعا منه ومن الدكتور الظواهري والشيخ رفاعي طه المسؤول عن مجلس الشورى في الجماعة الاسلامية المصرية ، والشيخ مير حمزه من جمعية العلماء المسلمين في باكستان والشيخ فضل الرحمن زعيم حركة الجهاد في بنغلاديش .

لقد كانت ولادة الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين خلاصة مزاوجة فكرية بين الشيخ اسامه والدكتور الظواهري أساسها “استهداف العدو البعيد قبل العدو القريب” ومضمونها ان سقوط امريكا سيكون كفيلا بسقوط كل النظم العربية الموالية لها.

وبعد تأسيس الجبهة الاسلامية العالمية بحوالي عام بدأت المخابرات المركزية الامريكية تبذل محاولات حادة لخطف الشيخ اسامه حيث وضعت “وحدة بن لادن” في وكالة المخابرات المركزية الامريكية (C I A) خططا اولية كي يقوم رجال قبائل افغان بالقبض على الشيخ اسامه وتسليمه للمحاكمة في امريكا ، وقد حصلت الوحدة على مباركة الادارة مطلع عام 1998 ، اما وزارة العدل الامريكية فكانت تحضر ملفا ضد الشيخ اسامه بهدف احالته على المحاكمة ، ونجحت الوزارة في جمع هيئة محلفين كبرى وافقت على توجيه اتهامات الى الشيخ اسامه في محكمة بمدينة نيويورك وكانت التهمة التآمر لمهاجمة مقرات دفاعية امريكية ، ولم تصدر التهمة الا سرا في شهر (6/1998) لكنها طرحت الى العلن في شهر (11/1998) اما وزارة الخارجية الامريكية فقد بدأت تساعد الاطراف الافغانية المتصارعة على وقف القتال للاستفادة من مشروع بناء خط انابيب نفط يمر عبر الاراضي الافغانية بتمويل من شركة “يونوكول” في كاليفورنيا ، وبدأت وزارة الخارجية عبر وفد برئاسة بيل ريتشاردسون السفير الامريكي لدى الامم المتحدة بمفاوضة حركة طالبان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى