#شوؤن عربية

معهد INSS الاسرائيلي – جنوب لبنان، ارض الجيوش الثلاثة

معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي (INSS) – بقلم  اساف اوريون  – 3/7/2019

في اطار التفاهمات فان الركن الاساسي في سياسة الامم المتحدة والمجتمع الدولي بالنسبة للبنان هو مسؤولية حكومة لبنان السيادية عما يجري على اراضيه. والتطلع الى أن تقوم بتنفيذ التزاماتها من خلال حوار “استراتيجية الدفاع القومي” وبواسطة نشر جيشها ونشاطها. العمود الداعم لذلك هو تعزيز الجيش اللبناني كمؤسسة ورمز للوحدة المصطنعة في لبنان. هذان العمودان يقفان على آمال عبثية، افتراضات كاذبة وواقع متخيل، وبناء على ذلك لا يوجد أي احتمال لأن تدفع قدما بالاهداف المعلنة (دولة لبنان السيادية التي تسيطر على اراضيها وسلاحها) أو الظاهرة (شراء الهدوء وتقليل الاخطار).

في السنة الماضية حدثت عدة احداث كشفت بصورة بارزة الفجوة بين الواقع على الارض وبين ظهورها في تقارير الامم المتحدة وفي خطوط السياسة. القصة الرئيسية مصدرها عملية الجيش الاسرائيلي “درع الشمال” التي كشفت الانفاق الهجومية التي حفرها حزب الله خلال سنوات من الاراضي اللبنانية الى داخل اراضي اسرائيل كاعداد لهجوم بري واسع ومفاجيء اثناء الحرب. الجيش الاسرائيلي عثر على ستة انفاق اخترقت الخط الازرق نحو اراضي اسرائيل، قام بتحييدها واستدعى قوة اليونفيل لزيارتها، ويبدو ايضا أنه نقل اليها المعلومات فيما يتعلق بمواقع الدخول اليها في الجانب اللبناني. قوة اليونفيل صادقت على وجود خمسة انفاق منها (واحد تم تدميره قبل قيامهم بزيارته)، واختراق ثلاثة انفاق للخط الازرق وبداية أحدها في مصنع للباطون في قرية كيلا بعد أن تدفق منه الباطون الذي تم ضخه من الجانب الاسرائيلي. منذ كانون الاول 2018 وحتى كتابة هذه السطور لم تحظ الامم المتحدة بالوصول مباشرة الى أي فتحة من فتحات الانفاق، وتوسلها للحكومة اللبنانية والجيش اللبناني ووجه بالمعارضة بذريعة أن الامر يتعلق بـ “اراضي خاصة”. الاجابة السلبية تميز ايضا رد الحكومة اللبنانية على الدعوات المتكررة للامم المتحدة لفحص تفاصيل الاحداث التي هوجمت فيها دوريات الامم المتحدة من قبل حزب الله، وهي احداث منذ قرار مجلس الامن 2373 في صيف 2017، مفصلة في ملحق خاص في تقارير السكرتير العام للامم المتحدة. ابراج مراقبة لمنظمة بيئية، كما يبدو، باسم “اخضر بدون حدود” توجد على قرب يثير الشك لمسارات الانفاق التي تم الكشف عنها. ومثلما تعترف شخصيات في الامم المتحدة في غرف مغلقة فان الامر يتعلق بمواقع عملياتية لحزب الله.  ولكن ايضا الوصول اليها محدود بسبب أنها تقع على “اراضي خاصة”. مؤخرا ايضا وردت تقارير عن ظهور طائرات بدون طيار في لبنان التي عدد منها اخترق سماء اسرائيل هي تعبير آخر لجهود جمع المعلومات المتواصلة والمتطورة لحزب الله.

احداث السنة الماضية رفعت الى السطح الواقع كما هو. على الصعيد العسكري، في جنوب لبنان يعمل في نفس ثلاثة جيوش في عالمين متوازيين: جيش حزب الله (“الاصفر”)، يبني منذ سنوات بمساعدة ايران بنى تحتية عسكرية هجومية في جنوب لبنان من خلال خرق منهجي لتعهدات الحكومةاللبنانية في اطار القرار 1701؛ النشاطات العسكرية المحظورة تتم تغطيتها بغطاء مدني ويتم اخفاءها في مناطق مأهولة وفي ممتلكات “خاصة”، فوق وتحت الارض. العشرة آلاف جندي في قوة اليونفيل، “الجيش الازرق”، صحيح أنهم زادوا في السنتين الاخيرتين عدد الدوريات وحجم التقارير عنها، لكن هذا الامر بدون نتائج، باستثناء المضايقات التي ذكرت. الجيش اللبناني (الاحمر) الذي عليه تطبيق سيادة الدولة بمساعدة اليونفيل باعتباره القوة المسلحة الوحيدة في المنطقة، هو شريك فعال لاخفاء نشاطات حزب الله عن عيون الامم المتحدة وتقييد نشاطات اليونفيل. قدرته على الوصول ومعرفته للوضع. في موازاة المساعدات التي يحصل عليها من الغرب، يحرص الجيش اللبناني على المماطلة في تطبيق تطلعات الغرب لنشر قوات اخرى في جنوب الدولة. في حين أن الامم المتحدة تتحدث عن آلاف الدوريات في المنطقة بدون نتائج، فقد ثبت انه لاسرائيل توجد صورة استخبارية موثوقة ومفصلة ايضا عن المشاريع السرية لجيش حزب الله. الوقائع التي كشفتها اسرائيل على الطبيعي تضع ما تكرره الامم المتحدة عن “غياب البينات” بشأن خروقات في لبنان في هيئة مضحكة. على المستوى السياسي تتضح الفجوة الكبيرة بين دعوات المجتمع الدولي للحكومة اللبنانية وبين الحقيقة البسيطة أن هذه الحكومة، سواء كرهينة أو شريكة من تلقاء ذاتها، تلعب دور نشط في اخفاء جيش حزب الله، من خلال تمكينه من القيام بنشاطاته، سواء ضد اسرائيل أو ضد قوات الامم المتحدة. بعد سيطرة ايران وحزب الله على السياسة في لبنان، الحكومة اللبنانية لم تعد الحل، بل جزء من المشكلة، والأمل المعلق عليها هو أمل كاذب عن وعي.

بالاجمال، في لبنان نشأ بالتدريج التهديد العسكري الاخطر على أمن اسرائيل الآن: نظام نيران متطور ومكثف لايران على الحدود الشمالية، والمخفي داخل منطقة مأهولة وتحظى برعاية سياسية وغطاء انكار دولي. الحدود حقا هي هادئة منذ الحرب، لكن احتمالية الاندلاع  متزايدة حيث يوجد في الخلفية انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والخطوات المضادة لايران على الصعيد العسكري والنووي، الحرب المستمرة بين اسرائيل وايران في سوريا والضغط الاقتصادي المتزايد على ايران وعلى حزب الله ولبنان. فتائل مدوية اكثر تؤدي الى قنبلة لها قوة شديدة، من شأنها أن تنفجر رغم نية الطرفين في الامتناع عن الحرب. اذا انفجرت ستجد اسرائيل وحزب الله انفسهما في قتال ذاتي، فتاك ومدمر. في حين ان الامم المتحدة ستجبر على المواجهة مع صعوبتين رئيستين، احداها ستكون ازمة ثقة خطيرة في اطارها سيرفع وبمرة واحدة الغطاء عن تقاريرها المتهاونة في جنوب لبنان. والاخطر ستكون تواجد عشرات آلاف جنود الامم المتحدة في منطقة من مناطق الاطلاق المكتظة جدا في العالم، التي ستتحول بين عشية وضحاها الى ساحة حرب دموية وستجبي خسائر فادحة ايضا من قوة اليونفيل.

بعد 13 سنة على المحاولات المتراكمة يمكن لاسرائيل أن تفهم محدودية الظروف الحالية وتحديد سياستها وفقا لذلك. الفكرة المنظمة لسياسة اسرائيل في هذا الوقت يجب أن تكون زيادة الضغط الاقتصادي والسياسي على حزب الله، ضعضعة الرعاية السياسية والاخفاء التي تقف في اساس نهجها، وفي المقابل، استنفاد الفرص لاستقرار تدريجي بعيد المدى للواقع الامني في لبنان. حسب اقوال دبلوماسيين غربيين في الامم المتحدة “على الاغلب من الاسهل العمل في العواصم الغربية على العمل في نيويورك”. لذلك، من الصحيح العمل بصورة موازية ازاء مؤسسات الامم المتحدة والحكومات في الولايات المتحدة واوروبا.

امام قوة اليونفيل والامم المتحدة على اسرائيل أن تعترف بالدور الايجابي للارتباط وتقليص الاحتكاك على طول الخط الازرق. وفي موازاة ذلك، بعد أن تم تشخيص بصورة واضحة السقف الاسمنتي لامكانية عمله، يجب تقليص المساعدات الاقتصادية والسياسية للبنان وحزب الله، وتقليل الخطر على قواتها المتزايدة في وضع الحرب. وكما كتب هنا في السابق، يجب العمل على تقليص نظام قوات الامم المتحدة بالتدريج. وفي المرحلة الاولى الربع وحتى الثلث، والبدء في تقليص مشابه في ميزانيتها السنوية التي تبلغ نصف مليار دولار. يجب تقليص عدد الموظفين المحليين الذين تشغلهم قوة اليونفيل في جنوب لبنان والمشايع المدنية التي تمولها، بصفتها المساعدة المباشرة للسكان المؤيدين لحزب الله. على الاقل يجب التوقف عن توجيه موارد دولية الى القرى التي توجد فيها مضايقة لقوة اليونفيل، أي النشاطات العسكرية لحزب الله. يجب الطلب من الامم المتحدة الابلاغ ليس فقط عن حجم الدوريات على الارض التي عددها يمكن أن يؤثر والذي من شأنه أن يعطي انطباع ايجابي ولكن نتيجته صفر، بل عن مساراتها طوال الوقت. هناك اساس معقول للافتراض بأن الدوريات يتم منعها بصورة متسقة عن الوصول الى مناطق نشاطات حزب الله. ونشر رسمي للامم المتحدة عن ذلك سيساعد في تقشير طبقة اخرى من الاخفاء لحزب الله. اضافة الى احداث المضايقات في تقارير السكرتير العام كل اربعة اشهر، يجب الطلب من الامم المتحدة نشر وضع المتابعة والعلاج لحكومة لبنان بعد الاحداث السابقة. متابعة مشابهة قام بها الجيش الاسرائيلي في السنوات السابقة اظهرت صورة متسقة من التراجع المنهجي لحكومة لبنان، من خلال خرق واضح لواجباتها كدولة تستضيف قوة اليونفيل. مؤخرا يجب على اسرائيل السعي الى أن يطلب مجلس الامن بصورة ملحة من حكومة لبنان بأن تتحمل المسؤولية وأن تفي بالتزاماتها، لا سيما بالنسبة للمطالبة بالعثور على نقاط دخول الانفاق التي تخترق نحو اسرائيل – وتقلص الاعتماد الذي تمنحه لها، والقائم على آمال عبثية ومخالفة للوقائع. إن مبرر “الاراضي الخاصة” يجب استبعاده تماما بعد أن ثبت بأنها تستخدم كغطاء لاخفاء خروقات وممتلكات عسكرية لحزب الله.

امام الامم المتحدة ودول غربية يجب على اسرائيل أن تدفع قدما بعناصر سياسية اضافية. أولا، مطلوب تحديد وملاءمة للسياسة امام الجيش اللبناني، الذي شبيها بلبنان كله، يمكن الافتراض بأنه لا يتميز بالوحدة والوحدة السياسية. لذلك، سواء الاقوال التي تسمع في اسرائيل والتي تقول إن “الجيش اللبناني يتعاون مع حزب الله”، أو سياسة الغرب التي تقول بأنه “يجب تعزيز الجيش اللبناني” فيها عيب التعميم. ونحن بحاجة الى مقاربة تميز وتفرق. بلا شك، توجد في الجيش اللبناني اجزاء مصابة بالتعاون مع حزب الله، وكما يبدو اجزاء اخرى ليست كذلك، اجزاء ستكون عدوة، بالتأكيد لاسرائيل، في كل حرب، وأجزاء ستكون مفيدة اذا بقيت موجودة بعد الحرب. بعد أن تبين بأن نزول الجيش اللبناني من الجنوب لم يأت على حساب حزب الله، فانه يجب التخفيف من الحماسة الدولية من زيادة قواته في جنوب الليطاني. ان استمرار المساعدة المقدمة للجيش اللبناني يجب تقديمها للوحدات التي لا تعرض للخطر اسرائيل مثل محاربة الارهاب وحماية الحدود، واشتراطها بالأداء والقيام بواجبها. ثانيا، في اطار شبكة الضغط الاقتصادي على ايران وشركائها وبعد اتخاذ خطوات اولية ازاء المقربين من رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، يجب العمل وفرض عقوبات على شركاء حزب الله في لبنان: اجزاء الجيش اللبناني التي تخدم حزب الله (المخابرات العسكرية اللبنانية وقادة الوحدات في الجنوب)، زعماء محليين محسوبين على المنظمة، وكذلك المنظمة الوهمية المغطاة بصورة البيئة “اخضر بدون حدود” ومصادر تمويل. ثالثا، يجب استنفاد الامكانيات الكامنة الايجابية حتى لو كانت هشة، في محادثات حول ترسيم الحدود البحرية وتقسيم موارد الغاز التي ستبدأ قريبا. في نظرة جريئة وطبقا لدرجة التقدم في المحادثات المذكورة آنفا يجب حتى تحدي لبنان وحزب الله في طرح سلام يتضمن مطالبة بنزع السلاح الثقيل واخضاع قواته للحكومة. رغم عدم وجود احتمالية في أن خطوة كهذه ستؤدي الى سلام على الحدود الشمالية، إلا أنه توجد فيها امكانية كامنة غير قليلة لتعظيم التوتر السياسي في لبنان حول سلاح حزب الله وكشف حقيقة كونه يشكل خطر كبير على الامن في لبنان وليس مثل ادعائه كعامل مدافع.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى