إسرائيل اليوم: ترامب ونتنياهو في لحظة الحقيقة
إسرائيل اليوم 30/12/2025، البروفيسور ابراهام بن تسفي: ترامب ونتنياهو في لحظة الحقيقة
بينما تكتب هذه السطور، لم تتضح بعد نتائج وتداعيات اللقاء السادس (في فترة ولاية ترامب الثانية كرئيس)، الذي انعقد امس في عزبة الرئيس في مار آلاغو.
ومع ذلك، فان تصريحات الرئيس في المؤتمر الصحفي الذي سبق اللقاء غلفت بطبقة سميكة من العسل بالنسبة لعلاقاته مع رئيس الوزراء الذي وصفه المرة تلو الاخرى كزعيم محبوب، قاد امته الى النصر في ظل التحديات التي تقف امامها. سؤاله البياني كيف لا يمكن العفو عن زعيم بمستوى نتنياهو أضاف فقط مزيدا من الزيت الى جملة المدائح والتمجيدات التي اغدقها ترامب على ضيفه.
ولكن لمعرفتنا لخطوات الزعيم الأمريكي سيكون من المبالغ به قبول ما يقوله ببساطته. فبعد كل شيء هذا رجل اعمال مميز يتوقع مقابلا لقاء كل بادرة طيبة، وبخاصة في مسألة العفو، الحرجة جدا لنتنياهو. فضلا عن ذلك، فانه رغم التأييد المؤكد الذي اعرب عنه الرئيس لمواقف إسرائيل الأساسية تقريبا في كل المواضيع التي طرحت في المؤتمر الصحفي لا يمكن التجاهل والطمس لبضعة مواضع خلاف، وان كان اخفاها وقزمها.
هذه من شأنها أن تطوف الى السطح في اثناء اللقاء وتعكر بقدر ما على الأقل أجواء الانسجام المريحة والصداقة الشجاعة التي ميزت روح الرسائل والتي لا بد طابت لاذني رئيس الوزراء.
المسألة التركية
هكذا مثلا الى جانب التعبير عن التزامه بنزع سلاح حماس كشرط ضروري للانتقال الى تنفيذ المرحلة الثانية من خطته، كرر ترامب رغبته في التقدم فورا نحو تنفيذ المرحلة الثانية في الخطة التي بادر اليها. بالقدر ذاته، وان لم يختلف بشكل معلن مع معارضة نتنياهو القاطعة لاشراك تركيا في قوة الاستقرار الدولية، لم يستبعد استبعادا تاما هذا الخيار بل ولم يتوقف عن مدح زعامة صديقه، رئيس تركيا اردوغان. الأمور ذاتها تنطبق على مطلب إسرائيل الأساس لعدم التقدم الى المرحلة الثانية من “خريطة الطريق” للتسوية قبل أن يعود جثمان المخطوف الأخير ران غوئيلي. رغم أن الرئيس اظهر عطفا وفهما للشرط الإسرائيلي، الذي يشكل جزء لا يتجزأ من المرحلة الأولى في خطته، فانه لم يعرض هذا كشرط ضروري للتقدم الى المرحلة الثانية بل اكتفى بقول عام عن تصميمه على مواصلة “عمل ما يمكن” لاجل اعادته.
في المسألة الإيرانية أيضا، وان كان ترامب شكاكا في أقواله عن تأييده لعملية عسكرية إسرائيلية ضد طهران اذا ما ترممت هذه عسكريا (فما بالك اذا ما رممت قدرتها النووية)، فانه لم يشطب بعد المسار الدبلوماسي مع زعيمها وفي كل الأحوال لا يبدو أنه سيؤيد البدء قريبا لجولة عسكرية أخرى بين إسرائيل وايران لاسناد (وربما أيضا بمشاركة أمريكية).
بعد كل شيء، يتجه لاعادة تشكيل محيط إقليمي مستقر يرى في حبلها السري نفسه كمسوي خبير لنزاعات طويلة ومفعمة بالعنف.
إضافة الى بؤر الاحتكاك المحتملة بين الشريكين في الطريق، والتي ابقيت في المؤتمر الصحفي في خلفية الأمور، ينبغي التشديد على الجداول الزمنية المختلفة للرجلين.
ترامب مستعجل، وهو معني بالتقدم بالسرعة القصوى ليس فقط الى المرحلة الثانية من رؤياه بل وان يصل أيضا الى درة التاج – المرحلة الثالثة من اعمار قطاع غزة وتحويله الى حديقة مزهرة مما يجسد للعالم اجمع حجم نجاحه (إضافة الى فرص الاستثمار المغرية الكامنة للمشروع العظيم).
بالمقابل نتنياهو لا يسارع على نحو خاص للوصول الى المرحلة التالية التي من شأنها أن تخلق شرخا في حكومته بل وربما الى تفكيكها. وذلك رغم المخاطر الكامنة في استمرار الجمود في كل ما يتعلق بقدرة حماس على تعزيز مكانتها وسيطرتها في القطاع.
وبالتالي فان السؤال المركزي هو هل يمكن تربيع الدائرة في المسائل الجوهرية موضع الخلاف. كيف السماح للرئيس بان يعلن قريبا عن نجاحه في دفع المسيرة الى الامام وذلك دون أن تصعد الولايات المتحدة وإسرائيل الى مسار مواجهة كل الروافع فيها توجد عمليا لدى السيد الأمريكي.
في ضوء تعقيدات المسائل التي على جدول الاعمال في جبهة غزة، دون الحديث عن العموم السوري واللبناني، فان احدى الإمكانيات الإبداعية كفيلة بان تعود الى إرث وزير الخارجية الأسطوري هنري كيسنجر والتي كانت اصيلة في جهوده، سواء في ساحة العلاقات مع الصين ام في الساحة المصرية بعد حرب يوم الغفران، في محاولة للفصل بين مسائل موضع خلاف، تأجيل التعقعيدات الأصعب الى سياق الطريق والتركيز على مسائل يمكن الوصول فيها الى توافق.
تفكيك المرحلة الثانية
في الحالة الراهنة يمكن تفكيك المرحلة الثانية الى بضع مراحل فرعية والتقدم بطريقة متدرجة من البعد الأقل شحنا وعبئا الى الجذر الجوهري الصلب للنزاع.
هل يمكن بدء المسيرة مثلا بتوافقات حول قوة الاستقرار الدولية والسماح بذلك باطلاق المسيرة في ظل تأجيل مواضيع إشكالية اكثر لمواصلة المساومة؟
الساعات والأيام القريبة القادمة ستثبت ذلك.



