عيسى قراقع: بائع الذرة في ساحة المهد

عيسى قراقع 29-12-2025: بائع الذرة في ساحة المهد

في ساحة المهد في بيت لحم،
حيث ولد الضوء ذات ليل فقير،
ولجا المحاصرون الى دفء المغارة،
وسال دم كثير على كف المسيح،
يقف بائع الذرة أمام عربته،
قدر الماء يغلي بين يديه،
ينادي: ايها الحجيج تعالوا،
الذرة طازجة وساخنة هذه السنة،
لا تصدقوا أن اليسوع تناول عشاءه الاخير،
تعالوا، دمنا ينتشل الفضاء في غزة
والحمامات عدن للشجرة وللهديل
في ساحة المهد،
ليل الميلاد يلبس صوف الصلوات،
وبائع الذرة يشعل نارا صغيرة،
كي لا يموت المعنى من البرد
حبات الذرة تتقافز تحت النار،
تضحك ثم تسكت،
يتقدم الاطفال بفرح وحذر شديد،
يحملون حلما وصليبا من حديد،
هل اختلط الملح بالماء وبرقصة الشهيد؟
البخور يصعد من الكنيسة،
ودخان الذرة يصعد من العربة،
صلاتان في هواء واحد:
واحدة تقول: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام،
وأخرى تقول: ارحموا الجوع من الخطايا، وارفعوا يدي من تحت الحطام.
في غزة لا بخور ولا شموع،
الجسد يحترق،
رائحة خبز لم يكتمل،
وصلاة بلا سقف،
وبطانيات من هواء وقصف.
بائع الذرة من مخيم الدهيشة،
لاجئ وجريح واسير،
على صدره مفتاح وباب وذاكرة،
مشى حافيا من الناصرة حتى حوش النجاجرة،
سار فوق الشوك حول حقول الذرة،
حمل خيمته من مذبحة إلى مذبحة،
نام تحت غيمة او جميزة،
عاش حياته على الرصيف،
بائع الذرة لا يعرف السياسة،
لكنه يعرف أن التجويع صار عقيدة وابادة.
يقول بائع الذرة:
انا من مدينة تقف فوق البحر،
بلاغة الحجر العتيق وحنجرة الكتابة،
وجدت وثيقة من لحمي وعظامي،
جسر لعبور ايام القيامة في غزة،
مر الغزاة من هنا، وانا بقيت مكاني.
بائع الذرة يعرف أن المسيح لو مر الآن لسال عن القدس والمطران كبوتشي وفيصل الحسيني،
قبل أن يبارك الساحة،
في عيد الميلاد لا يحمل بائع الذرة هدية للمسيح،
بل يشبهه أكثر مما يظنون،
يوزع الدفء حبة حبة،
وبلا معجزة.
السياح يلتقطون صورة الصلب والخشبة،
لا يرون من بقي تحت الركام،
او أسيرا يتدلى من رقبته حبل مشنقة،
وبائع الذرة يسأل الراهب: هل تجوز المغفرة لمن تواطأ وزود القتلة بالأسلحة؟
الميلاد يجدد فينا معنى الوجود،
ويبتكر الازمنة،
والصلوات ليست طقوسا فقط،
بل صرخات شعب تتفجر من حجارة الامكنة.
بائع الذرة يتنقل من شارع النجمة حتى شارع المدبسة،
هنا سكن الروائي جبرا إبراهيم جبرا،
رمانة وتينة وبئر قديم، ولوز يدل على بيتنا،
عيون الحصى تعرفنا،
وهنا كنيسة الاب انطونيو ابو اليتامى،
زيتونة مباركة تمشط شعرها، وتتزين بقصيدة لخليل توما على جبل في بيت جالا،
هنا بيت الفدائي انطوان داود يطل على جهة القلب من بعدنا،
هنا مدينة لا تقدر أن تعيش دون سماء والهة ، واجراس تدق أبوابنا.
بائع الذرة يرى النساء التلحميات يرضعن حليب الاغاني في حقل الرعاة كي نصغي إلى ارواحنا،
نامت مريم تحت نخلتها، فمن يهز السرير لتستيقظ جدتنا؟
في عيد الميلاد مد بائع الذرة لي بكوز ساخن،
فمددت قلبي إليه وإلى غزة،
خذوا من نارنا ما يكفي لنصمد الليلة،
ولكي نصدق أن الحياة لا تزال ممكنة.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook



