ترجمات عبرية

هآرتس: يتطور في الضفة الغربية واقع ينبع من سياسة هدفها تثبيت حقائق الضم على الأرض

هآرتس 24/12/2025، جاكي خوري: يتطور في الضفة الغربية واقع ينبع من سياسة هدفها تثبيت حقائق الضم على الأرض

ما يتطور في هذه الأيام في الضفة الغربية ليس مجرد “جولة احتكاك” أخرى: ليس حدث موسمي يرتبط بقطف الزيتون في الخريف، أو اندلاع معين لعنف يمكن استيعابه او تصنيفه كمشكلة محلية. هذا واقع آخر، اخطر بكثير: واقع ينبع من سياسة. هذه السياسة واضحة ومستمرة. هدفها تثبيت حقائق على الأرض، بحيث ان الضم في الضفة لن يبقى بمثابة تصريح سياسي مستقبلي، بل فعل يومي في الحاضر.

الحجة القديمة للمؤسسة الامنية الإسرائيلية، التي تقول بان أي موجة عنف كهذه هي مسالة مؤقتة تنشأ أساسا في فترات “حساسة” مثل موسم قطف الزيتون، فقدت مصداقيتها. فقد انتهى موسم قطف الزيتون منذ فترة ولم يزد العنف الا حدة منذ ذلك الحين. الهجمات على الرعاة الفلسطينيين والمزارعين والعائلات في القرى والمدنيين العزل، لا هوادة فيها. فالمهاجمون لا يكتفون باستخدام الهراوات والحجارة فقط، بل هو يستخدمون أيضا السلاح وغاز الفلفل وأدوات تدمير الممتلكات واشعار النار. الناس يصابون، والاغنام تذبح والأشجار تقتلع. يسمح الحاق الأذى بكل ما يعتبر فلسطيني.

احداث الأيام الأخيرة تجسد جيدا خطر العنف: في ليلة الاثنين – الثلاثاء اقتحم خمسة إسرائيليين بيت عائلة في قرية السموع في جنوب جبل الخليل، واصابوا أم وأولادها الثلاثة وحتى انهم قاموا بالاعتداء على اغنام العائلة. المس بحيوانات الفلسطينيين هو أيضا منذ فترة طويلة لم يعد استثناء، بل هو نموذج متكرر. أيضا اطلاق النار من قبل مستوطن على الفلسطينيين قرب مستوطنة عناتوت في مساء يوم الاثنين، الذي انتهى بإصابة عدة اشخاص بإصابة بالغة، يعكس واقع متسع اكثر – سلاح عسكري يستخدم ضد مدنيين فلسطينيين بسهولة كبيرة، واحيانا في يد مستوطنين وليس جنود. الرواية الإسرائيلية الرسمية دائما تعتبر ذلك “مواجهة” و”رشق حجارة”، الامر الذي يبرر النتيجة.

هنا بالضبط تكمن المشكلة: المحاولة الدائمة في المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي لتصنيف اعمال العنف كاعمال صادرة عن “حفنة صغيرة” و”شباب التلال” و”شباب متعصبون”، الذين لا يمثلون المستوطنين، هو تضليل، ليس لانه لا يوجد متطرفون، بل لان هذا التطرف يعمل في داخل غلاف من السياسة. هو يحظى بغض نظر ممنهج من المؤسسة السياسية – الأمنية، واحيانا حتى بدعم خفي.

اذا كان هناك ردع في الضفة الغربية فانه يستخدم فقط ضد الفلسطينيين. المستوطنون العنيفون لا يشعرون انه يمثل تهديد حقيقي لهم. يتواجد الجيش والشرطة وأجهزة الامن على الأرض، لكن وجودهم لا يحمي الفلسطينيين. بل العكس، ففي أحيان كثيرة يعطي المهاجمين الشعور بالحصانة. عندما يحمل فلسطيني سلاح فانه يصبح هدف مباشر، وعندما يهاجم مستوطن مسلح الفلسطينيين فانه يتم تجاهل الحادث أو التحقيق فيه بشكل سطحي أو اغلاقه بدون توجيه اتهامات. هذه ليست فوضى، بل تمييز واضح بين الذين يحميهم النظام وبين الذين يتم تركهم مكشوفين تماما.

في ظل هذا الواقع فان السلطة الفلسطينية أصبحت عامل هامشي. فشرطتها وقوات امنها عاجزة، بل خائفة أحيانا، من الاقتراب من مناطق النزاع. وتفشل المحاولات المحلية في تشكيل لجان مراقبة قروية بسبب الاعتقالات والعنف العسكري، وبشكل رئيسي لعدم وجود آلية فعالة للتعامل مع المستوطنين المسلحين الذين يتمتعون بالحصانة. والرسالة الموجهة للفلسطينيين واضحة: لا احد يحميكم.

الى جانب العنف تتقدم أيضا سياسة الحكومة الرسمية. مصادقة الكابنت على تسوية 19 بؤرة استيطانية جديدة – بعد شرعنة عشرات البؤر الاستيطانية في السنوات الأخيرة – واستثمار عشرات مليارات الشواقل في البنى التحتية في الضفة الغربية ليست خطوات تقنية، بل هي جوانب أخرى من نفس العملية. هكذا ينفذون الضم الفعلي بدون الإعلان عن ذلك رسميا، وبالحجة الثابتة التي تصعب مواجهتها، “الأمن”.

هنا يدخل البعد الدولي الى الصورة. في السابق كان يتم الاعتقاد ان هذا سيكون مفيد وسيوفر الحماية للفلسطينيين، لكن هو الاخر فشل في تحقيق النتائج المامولة. فليس الأمم المتحدة (بمؤسساتها) أو محكمة العدل الدولية أو أوروبا المتنورة، وليس حتى الصين القوية، تساعد سكان الضفة الغربية. ولا فائدة من الوثوق بالدول العربية. هل لا تصدقون؟ اسألوا الفلسطينيين في غزة.

بقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فاذا كان مصمم على اقناع نفسه بعدم وجود ضم في الضفة الغربية، وانه حقق السلام في الشرق الأوسط، الذي لم يشهده العالم منذ ثلاثة آلاف سنة، فيجب عليه النظر الى ما يحدث على ارض الواقع. ليشاهد الأفعال وليس التصريحات. صحيح ان الحرب في غزة توقفت، ولكن سكانها سيبقون يعانون من تبعاتها المدمرة لسنوات طويلة قادمة. لكن حرب أخرى تندلع في الضفة الغربية، اقل شدة ولكنها لا تقل تدميرا. لن يستطيع دعاة السلام تجاهل هذه الحقيقة، ولن يتمكنوا من وصف الضفة الغربية بانها منطقة مستقرة.

السلام لا يبنى على أساس العنف اليومي، الطرد التدريجي وحرمان مجموعة سكانية كاملة من الحماية. هذه هي الحقيقة. وفي الضفة الغربية هذه الحقيقة، منذ فترة طويلة، لا يمكن اخفاءها.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى