#شؤون فلسطينية

د. غانية ملحيس: من أزمة نموذج الحكم الذاتي الذي وصل مداه إلى تأسيس مشروع تغيير وطني جديد: مسودة للنقاش

د. غانية ملحيس 13-12-2025: من أزمة نموذج الحكم الذاتي الذي وصل مداه إلى تأسيس مشروع تغيير وطني جديد: مسودة للنقاش

الملخص التنفيذي

شهد الخطاب السياسي الفلسطيني خلال السنوات الماضية تركيزًا متزايدًا على نقد أداء السلطة الفلسطينية، غالبًا من زاوية سوء الإدارة والفساد، وضعف الكفاءة، وغياب التخطيط، وتآكل الشرعية. غير أن هذا النمط من النقد، على أهميته، بقي قاصرًا عن تشخيص جوهر الأزمة، إذ تعامل مع السلطة بوصفها مشكلة إدارية أو قيادية، لا بوصفها نتاجا لبنية سياسية صُمِّمت منذ البداية ضمن شروط استعمارية محددة.

استهدفت الورقة البحثية من خلال التحليل البنيوي تشخيص الواقع الفلسطيني للانتقال من التوصيف إلى التأسيس، وخلصت إلى أن الأزمة الفلسطينية الراهنة هي أزمة نموذج سياسي شامل يطال منظمة التحرير الفلسطينية، ونموذج الحكم الذاتي الذي بلغ حدوده التاريخية، ولم يعد قادرًا على حمل أي مشروع تحرري أو تمثيلي.

أولًا: طبيعة المأزق البنيوي

تُظهر الورقة أن نموذج الحكم الذاتي الفلسطيني لم يكن شكلًا إداريًا مؤقتًا، بل بنية سياسية واقتصادية وإدارية مقيدة سلفًا، تقوم على:

• غياب السيادة والسيطرة على الأرض والموارد

• احتكار إسرائيل للقرار الأمني

• التبعية الاقتصادية والارتهان المالي

• أداء وظائف أمنية وإدارية تخدم استقرار المنظومة الاستعمارية

وبذلك، لم يعد الحكم الذاتي مرحلة انتقالية نحو تقرير المصير، بل تحوّل إلى بديل عنه، وآلية أقل كلفة للاحتلال في إدارة الكثافة السكانية للشعب الفلسطيني تحت استعمار استيطاني إحلالي إلغائي.

ثانيًا: استحالة الإصلاح من داخل النموذج

يخلص التحليل إلى أن أي محاولة لإصلاح السلطة من داخل بنيتها الحالية محكومة بالفشل، للأسباب التالية:

• الخلل ليس في الأداء، بل في البنية والوظيفة

• البنية صُمِّمت لمنع التحرر لا لتيسيره

• الإصلاحات التقنية لا تغيّر طبيعة الدور، بل تعيد تدويره

• الدعم الدولي هو جزء من آليات الضبط الاستعماري

كما تبيّن الورقة أن السلطة ليست مجرد هيكل مؤسسي، بل شبكة مصالح تضم نخبًا سياسية وبيروقراطية وأمنية واقتصادية، أعادت البنية تشكيل مصالحها، ما يفسّر استمرار السلطة رغم عجزها البنيوي.

ثالثًا: أثر الحكم الذاتي على المجتمع الفلسطيني

تؤكد الورقة أن الحكم الذاتي لم يُعِد تشكيل النظام السياسي فحسب، بل أعاد تشكيل المجتمع ذاته، من خلال:

• إضعاف المناعة الاقتصادية والقدرة الذاتية للاقتصاد الوطني، وتعميق الارتهان الاقتصادي والمعيشي لإسرائيل والعون الدولي المشروط

• إفراغ المجتمع المدني من دوره السياسي، وتحويله إلى “اقتصاد مشاريع” ممول خارجيًا

• تفكيك الروابط الجمعية، وتعزيز الفردانية والاعتمادية

• إنتاج وعي سياسي جديد لدى الأجيال الشابة قائم على الإدارة لا التحرر

وتشدد الورقة على أن أي حديث عن إعادة بناء المشروع الوطني دون تحليل هذه التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يبقى ناقصًا.

رابعًا: غزة كنموذج موازٍ لفشل الحكم الذاتي

تقدّم الورقة تجربة حركة حماس في حكم قطاع غزة بوصفها برهانًا إضافيًا على فشل نموذج الحكم الذاتي، لا استثناءً عنه، بسبب استحالة الجمع بين الحكم والمقاومة في مواجهة استعمار استيطاني إحلالي.

فبرغم عدم انضمام حماس رسميًا إلى اتفاق أوسلو، خضع حكمها عمليًا لقيود الحكم الذاتي ذاتها، ما أدى إلى:

• حصار شامل

• حروب متكررة

• إدارة سكانية تحت الضغط

• تكريس الانقسام بوصفه وظيفة مُدارة إسرائيليًا وإقليميًا ودوليًا

وتخلص الورقة إلى أن الحكم الذاتي، بالنسبة للاستعمار، أداة أكثر جدوى وأقل كلفة من الاحتلال المباشر، إذ يسمح بالضبط ولا يمنع الإبادة البطيئة وتقويض شروط الحياة.

خامسا: طوفان الأقصى بوصفه انفجارًا بنيويًا

تقرأ الورقة عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 باعتبارها انفجارًا ناتجًا عن انسداد كامل في الأفق التحرري السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لا كمغامرة عسكرية معزولة عن السياق. وترى أن العملية:

• جاءت في لحظة استشعار خطر وجودي مع اكتمال ترتيبات إقليمية ودولية لتصفية القضية الفلسطينية وانبثاق شوق أوسط جديد يتجاوز كليا حقوق الشعب الفلسطيني.

• هدفت إلى كسر وهم الدولة المنيعة والجيش القادر على الحسم

• كشفت حدود الرهان على النظام الدولي والزمن

• أعادت طرح سؤال التحرر وتقرير المصير

ورغم الكلفة البشرية والمادية الهائلة، أحدث الطوفان وحرب الإبادة الجماعية تحولات جيوسياسية وجيواستراتيجية عميقة، محدودة الأثر في المدى القصير (1–3 سنوات)، لكنها ذات تأثيرات بنيوية تغييرية في المدى المتوسط (3–7 سنوات) والطويل (7–20 سنة).

سادسًا: الدور الإسرائيلي والإقليمي

تُظهر الورقة أن الأزمة الفلسطينية تُنتَج وتُدار عبر تفاعل معقّد بين:

• أدوات الضبط الإسرائيلية (الأمنية، الاقتصادية، القانونية)

• التأثير السياسي الدولي والتمويل المشروط

• أدوار إقليمية متباينة (مصر، الأردن، الخليج، إيران، تركيا)

• شبكة مصالح محلية مستفيدة من إدامة الواقع

وترى أن الانقسام الفلسطيني لم يكن خللًا عارضًا، بل بنية مُدارة للحفاظ على استقرار نموذج الحكم الذاتي ومنع تشكّل مشروع تحرري جامع.

سابعًا: نحو مشروع وطني بديل

تخلص الورقة إلى ضرورة الانتقال من إدارة الحكم الذاتي إلى إدارة مسار تحرر، عبر:

• إعادة تعريف وظيفة السلطة

• إعادة بناء المشروع الوطني بوصفه مشروع تقرير مصير

• بناء إطار تمثيلي جامع يعيد وصل الداخل بالشتات والقيادة بالشعب

• تطوير استراتيجية تحرر متعددة المسارات

• إنتاج خيال سياسي جديد يتجاوز ثنائيات الحلول الشكلية وإعادة التدوير

الخلاصة

لا تقدّم الورقة وصفة جاهزة، لكنها توفّر الأسس المعرفية والمفاهيمية والسياسية اللازمة لانبثاق مشروع تغييري حقيقي يصنعه الشعب الفلسطيني بنفسه.

وهي ليست دعوة لإعادة تدوير السلطة، ولا لانتظار انهيارها، بل محاولة لتحويل النقد البنيوي إلى أرضية تأسيسية لإعادة التفكير في السياسة الفلسطينية بوصفها فعل تحرر لا إدارة أزمة. بل دعوة لفتح نقاش وطني مفتوح يتجاوز السجالات المتقطعة، حول مستقبل الوجود الفلسطيني في ظل استعمار استيطاني إحلالي يسعى إلى الحسم لا التعايش.

الورقة الكاملة

من أزمة نموذج الحكم الذاتي الذي وصل مداه، إلى تأسيس مشروع تغيير وطني جديد: مسودة للنقاش

حين يكشف النقد حدود البنية

تشهد الساحة الفلسطينية اليوم واحدة من أكثر لحظاتها التاريخية تعقيدًا منذ تأسيس المشروع الوطني المعاصر. تجربة نصف قرن من الانعطافات السياسية بدات عام 1974 وتراكمت مفاعيلها وأفضت الى اتفاق أوسلو، وثلاثة عقود من الحكم الذاتي، وصولا إلى طوفان الأقصى وحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة ومخيمات الضفة الغربية، المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وخطة ترامب لعام 2025 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803، تُظهر أن النموذج السياسي الفلسطيني القائم على التسوية السياسية مع الاحتلال الاستيطاني الإحلالي، قد بلغ سقفه التاريخي.

الأزمة الفلسطينية لم تعد أزمة منظمة أو سلطة أو أداء فحسب، بل أزمة نهج وخيارات سياسية خاطئة، وبنى أعيد هيكلتها، وأخرى استحدثت وصُمِّمت لتقييد الفعل التحرري الفلسطيني لا لتمكينه.

هذه مسودة لفتح باب النقاش العام. ولتسهيل القراءة، يمكن تصور الأزمة الفلسطينية كبنية مترابطة من أربعة أبعاد: البنية السياسية الداخلية التي أعادت هندسة المنظمة وأنشأت السلطة، البنية الاقتصادية والاجتماعية التي ترسخ التبعية وتفكك المجتمع المدني، البنية الاستعمارية الإسرائيلية التي تفرض قيودا صارمة على كل الخيارات، والبنية الإقليمية والدولية التي تعيد إنتاج وتدوير الأزمة. وبالتوازي يظهر التضامن العالمي المتنامي مع حقوق الشعب الفلسطيني الذي وصل بعد طوفان الأقصى وحرب الإبادة الجماعية مدى غير مسبوق تاريخيا في اتساعه الجغرافي وأبعاده الاستراتيجية، وأصبح فاعلا جديدا مؤثرا في معادلات السياسة والقوة.

أمام هذا الانسداد التاريخي، تأتي هذه الورقة البحثية كمسودة أولية، لتقدّم تحليلاً بنيويًا متكاملاً يرتكز على النقاش الذي انخرط فيه عديد المفكرين والمثقفين وكتاب الرأي من فلسطينيين وعرب وأجانب، وتعيد ترتيب عناصر الأزمة الفلسطينية في مستوياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاستعمارية، وتطرح إطارا مفاهيميا يساعد على تنظيم النقاش الفلسطيني العام حول الخطوات للانتقال من التشخيص إلى التأسيس لمشروع وطني تحرري جديد.

فاللحظة الراهنة ليست لحظة ترميم لبنية منهارة، بل لحظة إعادة تأسيس. وكل مشروع تأسيسي يبدأ بإعادة طرح الأسئلة من جذورها.

لا تدّعي هذه الورقة امتلاك الحلول، لكنها تسعى إلى إعادة فتح الأسئلة الكبرى التي جرى تجاهلها لعقود، وإلى وضع النقاش الفلسطيني على أرضية مشتركة، تربط بين الواقع الفلسطيني والتحوّلات الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية، وتمنح المجتمع الفلسطيني – داخل الوطن وخارجه – مدخلا جديدا يساعد على التفكير الجماعي في مستقبل المشروع الوطني التحرري المستحق.

أولا: هل المشكلة في المنظمة والسلطة؟ أم في الخيارات وبنية نموذج الحكم الذاتي نفسه؟

تلاقت التحليلات رغم تباين زوايا المعالجات بين الكتاب حول النقاط الرئيسية التالية:

1.1 الخلل سياسي وبنيوي وليس سلوكيا فقط.

2.1 المنظمة أعيد هندستها والسلطة بُنيت لخدمة نموذج وظيفي، لا لتقود مشروع التحرر.

3.1 أزمة الشرعية ليست أزمة أداء فقط، بل أزمة وظيفة غائبة: عدم القدرة على توحيد وحماية الشعب أو تحرير الأرض.

4.1 السلطة، كما نشأت وتطورت، غير قابلة للإصلاح لأن وظيفتها الرئيسية، كما خُطّط لها، والتزمت بها، وتمارسها، هي:

• مصادرة صلاحيات المنظمة، والتفرد بالقرار الوطني، واحتكار الشرعية التمثيلية.

• إدارة السكان في مناطق 1967 دون سيطرة على الأرض والموارد.

• التنسيق الأمني،

• ضبط الفعل المقاوم،

• إدارة اقتصاد تابع،

• وتوفير غطاء إداري لسلطة الاحتلال.

5.1 استحالة الجمع بين المقاومة وبين الحكم الذاتي تحت استعمار استيطاني عنصري استبدالي إلغائي إحلالي.

• مع تراكم الأزمات وتفاقمها منذ حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة ومخيمات الضفة الغربية بعد السابع من تشرين الأول /أكتوبر2023، والتي ما تزال متواصلة منذ أكثر من عامين، رغم تراجع وتيرتها بعد إقرار خطة ترامب في 13/10/2025 وصدور قرار مجلس الأمن 2803 في 17/11/2025.

• بات جليا أن الحكم الذاتي الفلسطيني بلغ سقفه التاريخي، وأن استمرار ذات النموذج يعيد إنتاج المأزق ويعمقه ويضاعف الأخطار.

• النموذج القائم لم يُصمَّم ليقود مشروع تحرري، بل:

ليضبط مجتمعا يقع تحت استعمار استيطاني عنصري إلغائي إحلالي، وليُدير حياة الفلسطينيين تحت سقف سياسي واقتصادي وأمني محدَّد، لا يملك أدوات تجاوزه. ما يتوجب معه فتح النقاش الوطني حول الحلول والبدائل الممكنة لتجاوز المأزق الوجودي.

ثانيا: الإطار النظري: تعريف المفاهيم الأساسية لتحديد المرجعية ومعايير القياس

لعل أحد أهم الثغرات في الخطاب الفلسطيني المعاصر هو تباين المفاهيم وغياب التعريف الدقيق للمصطلحات، ما يربك التحليل، ويجعل أي مشروع بديل ضبابيا. وعليه، يحاول هذا المقال بلورة إطار مفاهيمي ناظم للحوار، بتحديد مفاهيم مركزية مثل: “التحرر”، “تقرير المصير”، “التعاقد الوطني”، “التمثيل”، و“المقاومة المؤسسية”.

1.2 التحرر:

استعادة السيطرة على الأرض، والقرار السياسي، والقدرة على صياغة المستقبل بعيدا عن الإكراه الاستعماري.

فهو ليس فقط إنهاء الاحتكاك المباشر مع الاحتلال العسكري، بل تفكيك بنية السيطرة الاستعمارية، وإعادة بناء القدرة الجمعية للفلسطينيين على ممارسة سيادتهم الكاملة على الأرض، والقرار، والموارد.

2.2 تقرير المصير:

هو الحق الجماعي في اختيار النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعكس الإرادة الحرة للشعب، وموقعه من العالم، وليس كحق قانوني مجرد، بل كقدرة فعلية على ممارسة هذا الحق ماديا وعلى الأرض.

3.2 التعاقد الوطني:

هو الإطار الذي يحدد العلاقة بين الشعب الفلسطيني وقواه السياسية والاجتماعية داخل الوطن المحتل وخارجه، ويحدد وظائف القيادة، ويعيد تعريف الشرعية بوصفها نتاجا للإرادة الشعبية لا نتاجا لواقع القوة أو الوصاية.

4.2 التمثيل:

وظيفة شرعية سياسية – اجتماعية تقوم على الارتباط العضوي بين القيادة والقاعدة الشعبية، وتمثيل الشعب بكل مكوناته ليس بوصفه مجتمع سكان، بل بوصفه جماعة سياسية لها مشروع تحرري. وهي تختلف جذريا عن التمثيل البيروقراطي أو الأمني الذي فرضته بنية الحكم الذاتي.

5.2 المقاومة المؤسسية:

تحويل المقاومة من فعل شعبي أو فصائلي متقطع، إلى منظومة منظمة تمتلك أدوات قرار “فكرية، سياسية، اقتصادية، قانونية، تنظيمية” بدل أن تكون أدوات لإدارة الوضع القائم، وهياكل مؤسسية مؤهلة وفعالة، وقدرة على الاستمرار.

إن تحديد هذه المفاهيم ضروري ليس فقط لفهم الواقع، بل لتأسيس مشروع وطني قادر على إنتاج منظومة مفاهيمية متماسكة تُخرج النقاش من ارتجالية الشعارات إلى تأسيس فكر فلسطيني جديد.

ثالثًا: تشخيص المأزق البنيوي في نموذج الحكم الذاتي

الحكم الذاتي كقيد بنيوي

نظريا، قد يبدو أن سلطة وطنية يمكن أن تعمل، أيضا، كمؤسسة مقاومة للاحتلال، لكن في الواقع الفلسطيني يتضح أن:

1.3 الفاعل المقاوم لا يستطيع أن يعمل داخل بنية سياسية تستمد شرعيتها من الاتفاقات المشروطة مع الاحتلال ورعاته. وبنية إدارية وأمنية تموّلها عائدات المقاصة التي يتحكم بها الاحتلال، والتمويل الدولي المشروط بالامتثال.

بينما المقاومة تحتاج إلى حرية القرار، حرية الحركة، الاستقلال المالي، والشرعية الشعبية المباشرة.

2.3 بنية الحكم الذاتي الفلسطيني منذ إنشائه كانت مشروطة بتجريم المقاومة ضد الاحتلال، وملزمة بالتنسيق الأمني مع وملاحقة المقاومين.

3.3 تجربة السلطة الفلسطينية بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000

٠ عندما حاولت السلطة التمرد بعد فشل مفاوضات المرحلة النهائية، تم اجتياح مناطق الحكم الذاتي عام 2002، وتصفية واعتقال كادرها المقاوم، ومحاصرة رئيسها عرفات، ثم اغتياله.

٠ ربط استمرار بقاء السلطة بإعادة تشكيل النظام السياسي المشروط بانتخابات رئاسية 2005، وفق برنامج سياسي معلن واضح الدور والمهام، وإعادة هيكلة الإدارة الفلسطينية: السياسية والأمنية والقضائية والاقتصادية والمالية تحت إشراف الرباعية الدولية.

4.3 تجربة حماس في حكم قطاع غزة تندرج فعليا في ذات الإطار،

٠ بالرغم من فشل استدراج حركة حماس- بعد فوزها بالأغلبية في الانتخابات التشريعية عام 2006، التي خاضتها تحت مظلة أوسلو – للانضمام رسميا لاتفاق أوسلو، رغم التزامها عمليا بقيوده.

٠ تم مقاطعة حكومة الوحدة الوطنية – التي ترأستها الحركة فور تشكلها – سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وماليا وإداريا، ما أدى إلى إفشالها.

٠ استئثار الحركة عام 2007 بحكم قطاع غزة – الذي كان قد تم تهيئته لاستكمال واقع الانفصال الجغرافي بانفصال سياسي عن الضفة الغربية، بانسحاب إسرائيل منه أحاديا دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية عام 2005، وإعادة انتشار قوات الاحتلال على حدوه، وتقييد حركة الدخول والخروج، بعد بضعة أشهر فقط من انتخاب الرئيس محمود عباس.

٠ لم تتعظ حركة حماس من فشل تجربة حركة فتح بالجمع بين السلطة والمقاومة باهظة الكلفة، ما عرّض قطاع غزة لحصار بري وبحري وجوي شامل، وخنق اقتصادي، ومقاطعة رسمية فلسطينية وعربية ودولية، وسمح لإسرائيل بالاستفراد به، فتوالت عليه الحروب، وشهد خلال الفترة 2008 – 2022 خمسة حروب مدمرة.

٠ تكريس واقع الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني وإدامته، بتوفير التمويل الضروري لمنع انهيار السلطتين، فمول النظام العربي والدولي السلطة في رام الله، وبالتوازي تم توفير التمويل للسلطة في غزة، عبر قطر، بطلب أمريكي وتسهيلات حكومات اسرائيل المتعاقبة، كما أوضح رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر في لقائه مع المذيع الأمريكي الشهير تاكر كارلسون في منتدى الدوحة كانون أول/ ديسمبر 2025.

٠ الحروب على غزة كانت تتوقف بتفاهمات أمنية. ما يؤكد أن الحكم الذاتي بالنسبة للاستعمار، آلية أكثر جدوى وأقل كلفة عسكريا وسياسيا واقتصاديا وأخلاقيا، للتعامل مع الكثافة السكانية للشعب الأصلي الخاضع للاستعمار، خصوصا أنه لا يغلق باب الإبادة الناعمة وتقويض مقومات استمرار الحياة، يدلل عليها تكرار حوادث غرق قوارب الفلسطينيين في البحر في السنوات السابقة على الطوفان.

5.3 انفجار طوفان الأقصى

٠ الانفجار لم يكن مفاجئا، إذ كانت مؤشراته ظاهرة للعيان، ما كان مفاجئا فقط هو موقع تفجره، إذ كان مخططا له أن يكون في وجه حماس، تماما كما يخطط له أن يحدث في وجه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

٠ الانفجار في غلاف غزة، داخل الدولة النووية المنيعة – التي هزمت الجيوش العربية في كل حروبها، ومن لم تهزمه في الميدان هزمته بالسياسة، فصار العرب طيعون إلى درجة التسابق بين دول تبعد آلاف الكيلومترات عن ساحة الصراع، للانخراط في اتفاقيات السلام الإبراهيمي -. المفاجأة الكبرى، أنه انفجر داخل إسرائيل، وأتى من الطرف الأصغر والأفقر والمحاصر من أهله وذويه والعالم أجمع.

٠ الانفجار، أغلب الظن، كان مبادرة من التيار المقاوم في حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بقيادة محمد الضيف ويحيى السنوار، وكلاهما صقل وعيه السياسي داخل السجون الإسرائيلية، وأدركا طبيعة الصراع الوجودي الذي يتعذر حسمه تفاوضيا بين نقيضين، واستعدا ما أمكنهم للحظة المواجهة، بإيمان يقيني بانعدام الآفاق أمام المشروع الاستعماري الصهيوني الإلغائي – الإحلالي، وإدراك معرفي أن هزيمته متعذرة في ظل الظروف الفلسطينية والعربية والاقليمية والدولية القائمة، وثقة بأنها ممكنة بالتدريج ، بالثبات والمقاومة وتوفير موجبات النصر، والمراكمة على الإنجازات الصغيرة، بإبقاء جذوة الصراع مشتعلة لتقويض قدرة إسرائيل على حسم الصراع لصالحها، عبر رفع كلفة الاحتلال بشريا وماديا وسياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وأخلاقيا لتقويض المرتكزات الرئيسة التي قامت عليها:

٠ توفير ملاذ آمن ليهود إسرائيل،

٠ بناء اقتصاد قوي ومتقدم وقادر على تأمين مستوى معيشي مرتفع لمستوطنيه، يضاهي أو يفوق المتاح في مواطنهم الأصلية، لاستبقائهم في موطنهم الجديد ومنع عودتهم إلى بلادهم،

٠ تقوية نفوذ اليهود في مواطنهم الأصلية، عبر الدعم والتنظيم والتشبيك لزيادة تأثيرهم في صنع القرار الداخلي في بلادهم، وتأمين الدعم لإسرائيل، وعرقلة اندماجهم في أوطانهم الأصلية، بزيادة جاذبية إسرائيل الاستقطابية كملاذ وكداعمة وحامية لامتيازاتهم في مواطنهم، والإبقاء عليهم كاحتياطي استراتيجي ورافد بشري عندما تحتاجهم.

٠ إثبات كفاءة إسرائيل” سرعة وكلفة” في القيام بدورها الوظيفي في حماية المصالح الحيويّة الأمريكية والغربية في المنطقة العربية الإسلامية الممتدة.

وعندما استشعروا الخطر الوجودي مع اكتمال الترتيبات الإقليمية والدولية لانبثاق الشرق أوسط الجديد في خريف 2023، وحسم الصراع عربيا وإقليميا ودوليا بتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني. بادروا بعملية طوفان الأقصى، وفي تقديرهم أن تكلفة تأجيلها تفوق تكلفة القيام بها بأضعاف مضاعفة، وتفاقم المعاناة، وترفع أعباء المقاومة والصمود، وتهدد الحاضر والمستقبل الفلسطيني، وتبعد الشعب عقودا عن بلوغ حقوقه المشروعة في الحياة والحرية والكرامة والعودة وتقرير المصير.

تدلل أقوال يحيى السنوار المسجلة في بداية الطوفان، بأن العملية مغامرة محسوبة:

٠ فإما أن تنجح في إنهاء الحصار الخانق وحشد التأييد الدولي لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967.

٠ وإما أن ترفع غطاء الشرعية الدولية عن الكيان الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري الإلغائي الإحلالي، وتكشف فاشيته. وتسقط في الوقت ذاته الأساطير المؤسسة، وأوهام الدولة المنيعة، والجيش كلي القدرة على توفير الأمن الفردي والجماعي لمستوطنيه. وتقوض ثقة اليهود بالحل الصهيوني، وترفع كلفة الاحتلال والاستيطان، وتضاعف أعباء التماهي بين اليهودية والصهيونية.

٠ قيادة المقاومة في الخارج – على الأرجح – لم تكن صاحبة القرار، لكنها واكبته – كما سبق أن فعلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، عندما فاجأتها انتفاضة الحجارة عام 1987، وسارعت إلى توظيفها، مدفوعة بخوف القيادة البديلة، وسعت للحصاد قبل أن ينضج الزرع، والتحقت بالتسوية السياسية الأمريكية في مدريد 1991، ثم تجاوزت وفد الداخل الفلسطيني الذي فوضته بالتفاوض في واشنطن، ثم التحقت بمسار تفاوضي مواز مباشر مع إسرائيل، خططته الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل بإحكام، لاستدراجها لشرك أوسلو، وإخراج إسرائيل من مأزق انتفاضة أطفال الحجارة التي أربكتها وحماتها وداعميها والنظام العربي والدولي، عندما عجزت عن وقفها.

٠ جاء اتفاق الحكم الذاتي الانتقالي عام 1993 مشروطا بوقف الانتفاضة، وإنهاء المقاومة، ونقل أعباء إدارة السكان من الاحتلال للسلطة الفلسطينية، ونقل أعباء إدارة الاحتلال للممولين العرب والدوليين، مع الإبقاء على السيطرة الكاملة للاحتلال على الأراضي والمياه والحدود وحركة الأشخاص والسلع، والإبقاء على حرية التمدد الاستيطاني جغرافيا وديموغرافيا.

٠ يجري العمل حاليا على تكرار التجربة في قطاع غزة، لكن هذه المرة عبر لجنة تكنوقراط تخضع لوصاية دولية، وتفويض لقيادة أمريكية مباشرة، وقوة عربية وإقليمية ودولية، تتولى مهمة تصفية المقاومة وتطويع وتفكيك الحاضنة الشعبية نيابة عن إسرائيل، التي عجزت عن إنجازها على مدار أكثر من عامين من الإبادة الجماعية والتدمير والتهجير، شاركت بها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، بالأفراد والعتاد والتمويل. وتواطأ فيها النظام العربي الرسمي، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، بالخذلان والصمت.

٠ لم ينجح رهان المقاومة على الطوفان لإنهاء الاحتلال، وتكبد الشعب الفلسطيني خسائر بشرية ومادية هائلة توازي وربما تفوق نكبة العام 1948، ولم يبدد الخطر الوجودي، ويرى البعض أنه ربما فاقم الأخطار، وهذا صحيح في المدى القصير.

٠ لكن من المنظور الجيوسياسي والجيواستراتيجي، أحدث الطوفان وتداعياته تحولات جيوسياسية وجير استراتيجية غير مسبوقة، سيكون لها تداعيات في معادلات السياسة والقوة لعقود طويلة قادمة.

6.3 كشف الطوفان وتداعياته للشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه:

٠ استحالة الحكم الذاتي تحت استعمار استيطاني عنصري إلغائي إحلالي،

٠ أسقط أوهام إمكانية تقاسم الوطن بين الشعب الأصلي ونقيضه الاستيطاني العنصري الإحلالي فائق القوة التدميرية،

٠ أظهر عبثية الرهان على عدالة النظام الدولي، وعلى الزمن لبلوغ حقوقه الوطنية المشروعة.

رابعا: تجارب الحكم الذاتي وفرادة الحالة الفلسطينية

لتعميق الفهم لأزمة الحكم الذاتي في الحالة الفلسطينية، من المفيد وضع التجربة الفلسطينية في إطار مقارن مع نماذج دولية عاشت تحت أنظمة استعمارية، استخدمت الحكم الذاتي كأداة للضبط، أو كمرحلة تفاوضية انتقالية.

هذه المقارنة ليست بهدف القياس المباشر، بقدر ما تهدف إلى إبراز فرادة الحالة الفلسطينية، لأنها تختلف جوهريا عن التجارب التي يُستشهد بها عادة، كجنوب أفريقيا وناميبيا وكردستان وآيرلندا الشمالية، التي يتم استخدامها لتسويق فكرة الحكم الذاتي فلسطينيا.

1.4 جنوب أفريقيا وناميبيا: استعمار استيطاني استغلالي هيمني، وليس إحلالي

في جنوب أفريقيا وناميبيا كان الحكم الذاتي (البانتوستانات) جزءًا من بنية استعمارية استيطانية استغلالية هيمنية، تعتمد على السيطرة على الموارد وإبقاء السكان الأصليين قوة عمل خاضعة، ومنع تشكّل سيادة سياسية حقيقية،
خلق كيانات “شبه مستقلة” تستخدم كغطاء لاستمرار السيطرة الاستعمارية.

النظام الاستعماري هناك، على قمعه ووحشيته، لم يكن مشروع إحلال أو اقتلاع شامل للسكان الأصليين، بل مشروعا استيطانيًا يقوم على استدامة استغلالهم.

2.4 كردستان العراق: هيمنة سياسية بلا مشروع اقتلاع

الحكم الذاتي في كردستان العراق نشأ داخل نموذج هيمنة مركزية مارستها الدولة العراقية وحكوماتها المتعاقبة بقصد منع الاستقلال السياسي للكرد،
الهدف كان السيطرة السياسية وليس اقتلاع السكان أو إحلال مستوطنين محلهم.

3.4 آيرلندا الشمالية: استعمار سياسي بلا استيطان إحلالي

الصراع هناك كان سياسيا وهوياتيا، أفضى إلى تسوية سياسية (اتفاقية الجمعة العظيمة) لأن الاستعمار لم يكن قائما على نفي وجود السكان.

الفرادة الفلسطينية

٠ المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري استبدالي: إلغائي – إحلالي، يسعى إلى احتكار الأرض ونفي الوجود الفلسطيني وإحلال المستوطنين اليهود مكانه.

٠ الحكم الذاتي هنا ليس أداة إدارة سكان في اقتصاد استعماري فقط، بل أداة لضبط مجتمع يُستهدف أصلا بالإزاحة.

٠ بنية الاستعمار لا تتيح أي مساحة لتسوية سياسية أو تقاسم أرض أو سلطة، لأنها بنية عنصرية استبدالية إلغائية إحلالية، تسعى للحسم لا للتعايش.

٠أدوات التحرر في التجارب الدولية الأخرى غير قابلة للنقل الميكانيكي فلسطينيا.

٠ الحدود النظرية للتجارب المقارنة واضحة، ويمكن الاستفادة منها جزئيا فقط فيما يتعلق بآليات التنظيم والتمثيل.

٠ الخلل في نموذج الحكم الذاتي الفلسطيني بنيوي في أصل النموذج الذي يرتبط عضويا بالنظام الاستعماري الاستيطاني العنصري الإحلالي. أي أن السلطة لم تُخلق لتكون دولة على أي جزء من الارض، بل لتكون وكيلا وجهازا وسيطا بين الاحتلال والمجتمع، ريثما يتم اقتلاع الفلسطينيين. حكم بلا سيادة (Autonomy without Sovereignty).

خامسا: التفاعلات الداخلية – السلطة كمنظومة والسلطة كفاعلين

1.5 تفاعل النخب داخل البنية

• كيف تتفاعل النخب داخل هذه البنية؟

• من المستفيد من بقاء النموذج؟

• كيف أعادت البنية تشكيل مصالح الفاعلين السياسيين؟

2.5 السلطة كبنية مصالح

• فهم السلطة كمنظومة لا يلغي ضرورة فهمها كبنية مصالح.

• السلطة تولّد نخبة مرتبطة ببقاء النموذج.

• خلق مسار اجتماعي اقتصادي يجعل بعض الفئات تستفيد من الوضع القائم.

• إنتاج طبقة سياسية بيروقراطية – أمنية تستمد قوتها من الوظيفة لا من الشرعية.

• عدد موظفي السلطة يقارب 200.000 موظف/ أمنيين ومدنيين/.

3.5 العلاقة بين السلطة والمقاومة

• رغم استحالة الدمج بنيويا بين السلطة والمقاومة، لكن الواقع أكثر تركيبا:

• المقاومة ليست كتلة واحدة.

• بعض الفصائل تتعايش مع السلطة أو تستفيد منها، وتشكل تشابكات مصلحية معقدة تتراوح بين الاحتواء، التساكن، والتنافس.

• الحاضنة الشعبية نفسها تأثرت ببنية الحكم الذاتي.

• السلطة تمارس ضبطا للمقاومة، لكنها تعتمد على وجودها في شرعيتها الضمنية. أي أن العلاقة ليست فصلا تاما، بل تداخلات حساسة معقدة.

4.5 الارتباط بين بنية السلطة وبنية المجتمع

تحت الحكم الذاتي الممتد لأكثر من ثلاثين عاما:

• تفكّك الاقتصاد الذاتي المقاوم وتحول إلى اقتصاد تبعية.

• تحول مؤسسات المجتمع المدني الشعبية إلى تنظيمات غير حكومية، منفصلة عن القاعدة الشعبية، تستوعب المعارضة النخبوية، وتربطها مصلحيا بمشاريع ممولة من الخارج، ما يبقيها في بنية الحكم الذاتي المطواع.

•. طغيان ثقافة الاعتماد على الرواتب والأمن وتفوقها على ثقافة التحرر.

• تشكل وعي الجيل الشاب داخل عالم مادي بلا أفق سياسي تحرري.

• الأزمة بنيوية شاملة، وليست سياسية فقط، بل قيمية – اجتماعية – اقتصادية – ثقافية.

• السلوك لا يُفسَّر فقط بالبنية، بل أيضا بالفاعلين الذين أعادت البنية تشكيل مصالحهم. وهذا يوضح:

• لماذا تحافظ الطبقة السياسية الفلسطينية والنخب في السلطة والمعارضة، على استمرار النظام رغم عجزه،

• لماذا تتكيف بنية الامتيازات مع غياب المشروع الوطني،

• كيف تتشكل شبكات حماية حول إبقاء الوضع على ما هو عليه.

• لم تتفكك السلطة رغم عجزها البنيوي، لأن منظومة المصالح داخلها – وليس فقط الاحتلال – هي جزء من استمرارها.

سادسا: التأثير الإسرائيلي – وظيفة الاحتلال في إنتاج الأزمة

1.6 دور الفاعل الإسرائيلي خلال 1994–2025:

• تحوّل من إدارة الصراع إلى الضمّ الزاحف.

• أعاد تعريف وظيفة السلطة بما يضمن الاستقرار الأمني.

• استخدم الاقتصاد (المقاصة، التصاريح، الأسواق) كأداة ضغط.

• صمّم خرائط الحركة الجغرافية لمنع وعرقلة التواصل السكاني والإسكاني، ولفصل غزة عن الضفة.

• جعل من السلطة جهازا وظيفيا يخفف تكاليف السيطرة الاستعمارية ويحد من الحاجة للتدخل المباشر. ومن موسسات المجتمع المدني رديفا.

2.6 الاحتلال كفاعل حاكم وليس “بنية خلفية” يحدد سقف أي مشروع حكم ذاتي من خلال:

• التنسيق الأمني.

• التحكم المالي.

• الهيمنة على الاقتصاد والتجارة.

• السيطرة على الحركة.

• إدارة الجغرافيا عبر التفتيت.

3.6 أهمية فهم الدور الإسرائيلي

• الاحتلال ليس مجرد “بنية خلفية”، بل عنصر حاكم وفعال يفرض قيودا على كل خطوة فلسطينية.

• أي محاولة لتجاوز أزمات السلطة يجب أن تأخذ في الاعتبار هذه السيطرة المباشرة على الجغرافيا، السياسة، الاقتصاد، والأمن.

سابعا: التأثيرات الإقليمية – الأدوار العربية والإقليمية وإعادة تشكيل الحقل الفلسطيني.

1.7 مصر

• الفاعل المركزي في إدارة غزة وضبط الحدود.

• تلعب دور الوسيط السياسي والأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

2.7 الأردن

• تداخل ديموغرافي، واجتماعي، واقتصادي، وثقافي.

• شريك أساسي في أمن الضفة.

• يمتلك دورا مهما في مستقبل القدس والسياسات المتعلقة بها.

3.7 دول الخليج

• تموّل سلطتي الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة وتؤثر في خياراتهما السياسية عبر علاقات اقتصادية – سياسية.

• تمثل عنصر ضغط وإعادة تشكيل للسياسات الفلسطينية داخليا وخارجيا.

4.7 إيران

• تشكّل محورا موازيا داعمًا لفصائل المقاومة.

• تأثيرها سياسي وعسكري، يؤثرعلى توازن القوى داخل المشهد الفلسطيني.

5.7 تركيا

• فاعل سياسي – إعلامي أكثر منه تنظيمي.

• حضوره متنام ينعكس في المزاج الشعبي والدعم الإعلامي، لكنه أقل تأثيرًا على الأرض مباشرة.

6.7 أهمية الاعتراف بالتأثير الإقليمي

• تجاهل التأثير العربي والإقليمي يجعل التحليل الفلسطيني منغلقا على ذاته وقاصرا.

ثامنا: التأثير الدولي – الدور الأمريكي والأوروبي في إعادة إنتاج الأزمة الفلسطينية

1.8 الولايات المتحدة الأمريكية

• الفاعل المركزي في صياغة سياسات السلام والأمن في فلسطين وإسرائيل وعموم المنطقة منذ عقود.

• تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دورا مباشرا في حماية ودعم إسرائيل سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بما يضمن استمرار الهيمنة الإسرائيلية وتقويض أي مشروع فلسطيني للتحرر.

• تشكل إطارا دوليا ضاغطا على السلطة والفصائل الفلسطينية، لإجبارها على الامتثال للشروط الاسرائيلية والأمريكية.

• خطة ترامب لإدارة غزة لعام 2025 نموذجا صارخا لهذه السياسة. الخطة التي أُعلنت في 29/9/2025، وتم اعتمادها كمشروع لادارة قطاع غزة بمؤتمر شرم الشيخ في 13/10/2025، تهدف إلى إعادة هندسة القطاع تحت الإشراف المباشر للولايات المتحدة الأمريكية، عبر إنشاء “مجلس سلام” (Board of Peace) يرأسه دونالد ترامب، وقوة أمنية دولية (ISF) للإشراف على الأمن ” تصفية المقاومة ” والإعمار “إعادة هندسة الجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد والثقافة “، وتفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية سياسيا وجغرافيا، وتحوّل القطاع إلى كيان خاضع للإشراف الدولي، مع تقليص سلطة الفاعلين الفلسطينيين التقليديين.

2.8 الاتحاد الأوروبي والدول الغربية

• قدم الاتحاد الدعم المالي والتنموي للسلطة الفلسطينية، مشروطا بالامتثال للشروط الإسرائيلية والأمريكية والدولية المعادية للحقوق الوطنية الفلسطينية، والمؤيدة لاختزالها في حقوق مدنية وإغاثية. التمويل الأوروبي والغربي لعب دورا في تخفيف وطأة الممارسات الاحتلالية، والتكيف مع الاحتلال، ومنع الانفجار، وتبني سياسات “إدارية” وليست سيادية.

• ساهمت برامج المساعدات الأوروبية في تعزيز البيروقراطية، وفي التحويل البنيوي للمجتمع المدني، وزيادة الاعتماد الفلسطيني على الخارج، وإضعاف استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وتقويض المناعة المجتمعية.

• لعبت المساعدات الأوروبية دورا في تسيير عمليات الوساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل.

• تنامي الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية، رغم أهميته السياسية والدبلوماسية، ذو طابع رمزي، مدفوعا بالضغوط الشعبي المتنامية لتغيير السياسات الأوروبية الداعمة لإسرائيل التي ترتكب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة وعلى امتداد فلسطين الانتدابية، غايته احتواء الغضب الشعبي ومنع خروجه عن السيطرة. وهو اعتراف ناقص معلق ومشروط بامتثال النظام السياسي الفلسطيني للشروط الأمريكية والغربية والإسرائيلية، بدلا من تشجيع التحرر وتقرير المصير.

3.8 قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 الصادر في 17/11/2025

• يوفر غطاء شرعيا لخطة ترامب،

• يمنح تفويضا دوليا مباشرا لمجلس السلام الذي سيشكله ترامب للتحكم في إدارة قطاع غزة وإعادة هندسته، ويذكر ذلك تفويض عصبة الأمم عام 1920 لبريطانيا لإدارة فلسطين بصك الانتداب الذي مثل خارطة طريق لاعادة هندسة فلسطين وإحلال إسرائيل محلها، واستبدال شعبها العربي بالمستوطنين الصهاينة الأجانب.

• القرار لا يحمل إسرائيل أي مسؤولية عن حرب الإبادة الجماعية والتدمير والتجويع، ولا يلزمها بتحمل تكاليف إعادة الإعمار، كما جرى مع ألمانيا، وكما يتكرر مع روسيا.

• يكفل لإسرائيل استمرار السيطرة مع تقليل كلفتها الميدانية والسياسية.

• يسعى لإنجاز ما عجزت عنه إسرائيل ميدانيا خلال أكثر من سنتين من حرب الإبادة، ويوفر آلية أمنية خارجية لتجريد المقاومة من السلاح.

• يفكك أي إمكانية فلسطينية للتنظيم والإدارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستقلة.

• يكرس الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، ويقوض مقومات الدولة الفلسطينية ويمنع قيامها.

• ينقذ اسرائيل من مآزقها، ويمكنها من تحقيق أهدافها الاستراتيجية، ويعفيها من المساءلة والمحاسبة على جريمة الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

4.8 أهمية فهم تأثير النظام الدولي.

• يهدف نظام الحداثة الغربي المادي العنصري المهيمن إلى تحويل القضية الوطنية الفلسطينية إلى ملف أمني وإغاثي، مع تثبيت نموذج الحكم الذاتي كأداة لإدارة الأزمات، وإدامة السيطرة الإسرائيلية.

• المأزق البنيوي الفلسطيني ليس محليا فحسب، بل هو نتاج هندسة استعمارية مستمرة، مع تدخلات عربية وإقليمية ودولية.

تاسعا: التضامن العالمي بوصفه فاعلا جيوسياسيا وجيو استراتيجيا جديدا

• مثّل طوفان الأقصى والحرب الإبادية التي أعقبته أكبر انفجار للوعي العالمي في القرن الحادي والعشرين.

• أطلق موجة تضامن شعبي عالمية، تعدّ الأكبر منذ حرب فيتنام، وربما أكبر حركة تضامن إنسانية في التاريخ الحديث.

1.9 خصائص غير مسبوقة للتضامن العالمي

• أكبر انتشار جغرافي: من أمريكا إلى أوروبا إلى آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية، وأستراليا.

• انتقال التضامن من النخب إلى الجمهور العريض.

• قيادة الجيل الشاب في الغرب لحركة التضامن.

• تقاطعية القضايا: ربط فلسطين بقضايا العنصرية، الاستعمار، العدالة، الحريات، حقوق الشعوب الأصلية. حقوق الإنسان، المناخ، البيئة.

• توفر أدوات التأثير المباشر: الضغط الاقتصادي، مقاطعة الشركات، تعطيل الجامعات، إسقاط سياسيين وصعود آخرين، وإعادة تعريف “المقبول أخلاقيا”.

• ظهور معيار جديد: أصبح الموقف من فلسطين معيارا للشرعية الأخلاقية.

• بروز مناطق نفوذ جديدة تتعامل مع فلسطين بوصفها رمزا عالميا لمقاومة الهيمنة الاستعمارية.

2.9 التأثيرات الجيوسياسية للتضامن العالمي

• سقوط الشرعية الأخلاقية للغرب وفقدان الثقة في سرديته.

الولايات المتحدة الأمريكية

• تراجع مكانتها الأخلاقية، وتزايد الشك الدولي بقدرتها على قيادة العالم.

• ضغوط داخلية غير مسبوقة من الشباب الأميركي والمنظمات المدنية.

• تحول فلسطين إلى نقطة صدع في السياسة الأمريكية، مؤثرة في الانتخابات وصناعة القرار.

أوروبا

• انقسام حاد بين حكومات منحازة لإسرائيل وشعوب غاضبة.

• اتساع الشرخ داخل الاتحاد الأوروبي حول تعريف “حقوق الإنسان”.

• انكشاف البنية العنصرية في التعامل مع الفلسطيني مقابل الأوكراني.

النظام الدولي

صعود الجنوب العالمي

• تنامي دور دول الجنوب (جنوب إفريقيا، الجزائر، البرازيل، ماليزيا) في المحافل الدولية.

• شكّل دور جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية نقطة تحول في نفاذ القانون الدولي، وامتد التأثير الى المحكمة الجنائية الدولية، وطال أيضا أجهزة القضاء في العديد من دول العالم.

• تعزيزالتعاون بين دول الجنوب حول ملفات الاستعمار والتمييز.

• انتقال فلسطين من “قضية إقليمية” إلى رمز عالمي للعدالة الإنسانية.

• تسارع تشكّل نظام متعدد الأقطاب

• تقوية المحور الصيني-الروسي-الآسيوي.

• تحوّل القضية الفلسطينية إلى محور جامع يعيد صوغ هوية سياسية عالمية جديدة خارج الهيمنة الأميركية.

3.9 تحول من “الرأي العام” إلى “الكتلة الجيو – أخلاقية”

٠ لم تكن حركة التضامن مجرد رأي عام، بل تشكّلت ككتلة عالمية فاعلة تؤثر في السياسات الحكومية، والانتخابات، وقرارات المحاكم الدولية، وسياسات الشركات الكبرى، وتوجهات الجامعات والمؤسسات المدنية، والتمويل والاستثمار العالمي.

أصبحت الشركات الكبرى بما في ذلك شركات التكنولوجيا، جزءا من الجغرافيا السياسية، وبدأت حساباتها، تحت ضغط حركة التضامن، تتغيّر. هذه الظاهرة تخلق فاعلا جديدا في العلاقات الدولية: الرأي العام المنظَّم من خلال السوق.

4.9 الآثار الاستراتيجية للتضامن العالمي

أولا: على المدى القريب (1 – 3 سنوات)

• الضغط السياسي المباشر

• زيادة القيود على صادرات السلاح لإسرائيل في دول أوروبية.

• تصاعد المبادرات القانونية لمقاضاة مسؤولين إسرائيليين في محاكم محلية.

• توتر العلاقات بين الحكومات الغربية وشعوبها.

خسائر اقتصادية لإسرائيل:

• توسع المقاطعة التجارية والأكاديمية والثقافية لإسرائيل.

• تراجع جاذبية إسرائيل للاستثمارالأجنبي.

• ارتفاع تكاليف صورتها الدولية (Brand Damage).

• انكشاف العنصرية والفاشية الإسرائيلية.

• انكشاف هشاشة الردع الإسرائيلي.

• توسع النقاش العالمي حول “فشل إسرائيل الاستراتيجي”.

• تشوّه صورة إسرائيل كدولة قوية ونموذج تكنولوجي وأمني.

ثانيا: على المدى المتوسط (3 – 7 سنوات)

• إعادة تشكيل تحالفات دولية جديدة.

• تعميق التحالفات بين دول الجنوب المناهضة للهيمنة.

• احتمال توسع تحركات شبيهة ببريكس، مع جعل فلسطين رمزا في خطاب التضامن الدولي.

تحولات في السياسات الغربية تجاه إسرائيل

• تبدّل سياسات الأحزاب التقليدية تحت ضغط قواعدها الشبابية.

• صعود سياسيين جدد يحملون مواقف أكثر نقدا لإسرائيل.

• تراجع تأثير اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في بعض الدول.

تطور أدوات القانون الدولي

• توسع استخدام سابقة جنوب إفريقيا، كآلية لتوظيف القضاء الدولي في قضايا الشعوب المضطهدة.

• صعود نموذج قانوني جديد قائم على المساءلة الشعبية لا الحكومية.

ثالثا: على المدى البعيد (7–20 عامًا)

تأثيرات بنيوية على النظام العالمي

• تحول النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب بشكل كامل.

• تراجع القدرة الأميركية على فرض أولوياتها.

• استقرار دور الجنوب العالمي كفاعل في قضايا التحرر.

• إعادة تعريف القضية الفلسطينية دوليا.

• تحوّل فلسطين إلى عنصر ثابت في الخطاب الأخلاقي العالمي، مشابه لمكانة جنوب أفريقيا في حقبة الأبارتهايد.

• تعزيز سردية التحرر الوطني، بوصفها جزءا من الصراع العالمي ضد العنصرية والاستعمار.

إمكانات تغيير جذري في شكل الصراع

• ازدياد عزلة إسرائيل الدولية.

• احتمال عقوبات في بعض السيناريوهات.

• تحول الموقف الشعبي العالمي إلى عنصر ضغط محوري في تحديد مستقبل التسوية أو المواجهة.

5.9 أصبحت فلسطين، لأول مرة في التاريخ الحديث، عنصرا مؤثرا في صياغة النظام الدولي، لا مجرد ضحية أو قضية إنسانية.

لقد أطلق طوفان الأقصى وحرب الإبادة في قطاع غزة عملية تاريخية معقدة أعادت تشكيل الوعي العالمي والعلاقات الدولية. ومثّلت حركة التضامن العالمي فاعلا استراتيجيا جديدا يتجاوز الحدود القومية والمؤسسات التقليدية، ويؤثر مباشرة في السياسات، والاقتصادات، والشرعيات، وحتى معادلات القوة الجديدة بما فيها القوة العسكرية.

إن التحولات الجيوسياسية والجيواستراتيجية التي فجّرها هذا الحدث تؤشر إلى مستقبل عالمي مختلف. يتراجع فيها دور إسرائيل في صياغة النظام الدولي، وتتقدم فلسطين كفاعل موثر.

هذا التشخيص البنيوي، وبلوغ نموذج الحكم الذاتي الفلسطيني حدوده التاريخية. وخطورة استمرار الوضع القائم في مرحلة مفصلية يعاد فيها تشكيل النظام الإقليمي والعالمي، وتتوفر فيها فرص هائلة لتصويب اعوجاج مسار التاريخ الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي، بفضل الصمود الأسطوري لقطاع غزة، يؤكد تعاظم الحاجة الفلسطينية لفكر سياسي تأسيسي جديد، بإعادة بناء المفاهيم، وإعادة تعريف الشرعية والتمثيل، وصياغة أدوات العمل الوطني، وتطوير مشروع تحرري جديد قادر على مواجهة التحديات، والانتقال من الإصلاح الجزئي إلى التغيير البنيوي الشامل.

عاشرا: نحو نموذج فلسطيني جديد للتحرر

1.10 بعد ترتيب عناصر الأزمة بنيويا ومجتمعيا وإقليميا ودوليا، يصبح واضحا أن:

• أزمة المنظمة والسلطة ليست أزمة أداء فقط، بل أزمة نموذج سياسي أوسع.

• الحكم الذاتي الفلسطيني وصل إلى سقفه التاريخي.

• المشروع الوطني يحتاج إلى مشروع جديد، متماشيا مع حق الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة وتقرير المصير، قائما على قاعدة شعبية ومؤسساتية.

• التغيير لن يكون نخبويا ولا سلطويا، بل مجتمعيا تراكميا.

• التحرر لا يتحقق بإعادة التدوير، بل عبر بناء فكر سياسي فلسطيني جديد يربط الداخل والخارج الفلسطيني، والقيادة بالمجتمع وبالمقاومة، ضمن مشروع وطني تحرري واضح.

2.10 كيف يولد المشروع؟

• لن يأتي المشروع من النخب الحاكمة، بل من:

• مبادرات مجتمعية واسعة داخل الوطن المحتل وخارجه.

• شبكات مدنية مستقلة.

• تراكم الفعل المقاوم، الشعبي والمؤسسي.

3.10 القوى القادرة على إطلاقه

• مجموعات شبابية،

• نخب فكرية ومثقفون عضويون وباحثون منتمون وناشطون سياسيون،

• قوى مجتمع مدني، تنظيمات، أحزاب، اتحادات شعبية ونقابات مهنية.

• فصائل مقاومة قادرة على تطوير دور سياسي – مدني مواز.

4.10 من داخل النظام أم من خارجه؟

الأرجح هو:

• تأتي المبادرات غالبا من خارج البنية الرسمية، لكنها ليست ضدها بالكامل.

• التغيير يكون تراكميا وليس انقلابيا، ويعتمد على إعادة إنتاج التمثيل.

حادي عشر: من يقود التغيير؟ – الحامل الاجتماعي للمشروع الوطني الجديد

القاعدة الاجتماعية للتغيير تشمل:

• الجيل الشاب داخل الوطن وخارجه، طلبة وعمال وفلاحون ونشطاء ونقابيون

• الفلسطينيون في مواطن اللجوء والشتات،

• الفئات المتضررة من اقتصاد التبعية، ومن الفساد وسوء الإدارة وغياب العدالة،

• قطاعات من الطبقة الوسطى،

• المؤسسات المجتمعية المستقلة.

تمتلك هذه الفئات الطاقة التاريخية للتغيير، لكنها لم تنظم بعد.

ثاني عشر: أسئلة مفتوحة

تُظهر المسودة أن الأزمة الفلسطينية الراهنة هي أزمة نموذج سياسي شامل، حيث:

لم تعد منظمة التحرير الحاملة للمشروع الوطني التحرري.

وسلطة الحكم الذاتي بُنيت ضمن بنية استعمارية استيطانية إحلالية تمنع التحرر وإنتاج السيادة. وقد كشف العقد الأخير، وصولا إلى طوفان الأقصى وحرب الإبادة والتطهير العرقي، أن نموذج الحكم الذاتي قد بلغ سقفه التاريخي.

ويُظهر التشخيص البنيوي للأزمة، الحاجة إلى فتح مسار فكري جديد، يعيد تعريف الشرعية والتمثيل، ويُميّز بوضوح بين إدارة الحياة اليومية والمشروع التحرري، ويربط المقاومة بالمجتمع ضمن رؤية وطنية تتجاوز حدود الحكم الذاتي. ويجيب على الأسئلة المركزية وأهمها:

كيف تم إعادة هندسة منظمة التحرير الفلسطينية وتجريدها من قدرتها على أن تكون الحامل المؤهل لقيادة المشروع الوطني التحرري، وما هي مستلزمات إعادة بنائها، وما هي القاعدة الاجتماعية التي يمكنها إنجاز هذه المهمة التاريخية؟

إذا كان نموذج الحكم الذاتي قد بلغ سقفه التاريخي، فما هو الإطار الذي يمكن أن يحلّ محله؟ وكيف يمكن بناء نموذج تحرري واقعي وقابل للتطبيق في ظل بنية استعمارية إحلالية؟

كيف يمكن إعادة تعريف الشرعية الفلسطينية؟ هل تكون عبر الانتخابات؟ عبر التمثيل الشعبي المباشر؟ عبر التعاقد الوطني الجديد؟ وما هي العلاقة بين الشرعية والمقاومة والمؤسسات؟

ما شكل القيادة المطلوبة لمرحلة انتقالية؟ وهل يمكن أن يولد مشروع التغيير من داخل البنية القائمة أم من خارجها؟ ومن هم الفاعلون القادرون على حمله: الشباب، الحركات الاجتماعية، الفصائل، الشتات، فلسطينيي العام 1948أم مزيج جديد لم يتبلور بعد؟

كيف يمكن الفصل بين الوظيفة الإدارية اليومية للفلسطينيين وبين المشروع التحرري؟ وهل يمكن بناء مؤسسات تخدم المجتمع دون أن تكون رهينة لشروط الاحتلال؟

ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الفلسطينيون داخل مناطق 1948؟

ما هو الدور الذي يمكن ان يؤديه الفلسطينيون في الشتات؟ وكيف يمكن إعادة دمجهم في المشروع الوطني كقوة سياسية – اجتماعية حاسمة، لا مجرد امتداد سكاني؟

كيف يمكن صياغة مقاومة مؤسسية تتجاوز العمل الفصائلي المتقطع، وتستند إلى أدوات سياسية وقانونية واقتصادية وتنظيمية مستدامة؟

ما موقع يهود إسرائيل المناهضين للصهيونية والعنصرية في أي مشروع وطني تحرري جديد؟

ما موقع العرب والإقليم والعالم في المشروع؟ وكيف يمكن تحويل التدخلات الخارجية من قيود إلى أدوات ضغط لصالح الحقوق الوطنية الفلسطينية؟

وأخيرا: ما معنى التحرر اليوم؟ هل هو دولة؟ مشروع تقرير مصير؟ إعادة بناء جماعة سياسية موحدة؟ وما الأسس الأخلاقية والقيمية لمشروع تحرري فلسطيني معاصر؟

هذه الأسئلة فاتحة للنقاش حول المشروع الوطني التحرري المستحق، وإذا كان الحكم الذاتي قد وُلد من اتفاق سياسي مغلق، فإن المشروع الوطني التحرري الفلسطيني الجديد يجب أن يولد من نقاش مفتوح، ومن مشاركة واسعة، ومن رغبة جماعية في إعادة تعريف المستقبل الفلسطيني بأيدي الفلسطينيين أنفسهم. هذه المسودة ليست إجابة، إنها دعوة إلى التفكير المشترك.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى