وسام يونس الاغا: غزة بين خفوت البنادق وصراخ الخيام، أزمة مشروع وغياب رؤية وطنية
وسام يونس الاغا 12-12-2025: غزة بين خفوت البنادق وصراخ الخيام، أزمة مشروع وغياب رؤية وطنية
لم يكن خفوت أصوات البنادق في غزة إيذانا بمرحلة جديدة من الهدوء بل كشفا لصوت آخر ظل خافتا طوال شهور الحرب صوت الناس وهم يواجهون واقعا أكثر قسوة مما تفرضه المدافع. فقد خف هدير الطائرات والصواريخ، لكن خيام النازحين ارتفع صراخها مع أول منخفض جوي وكأن الطبيعة نفسها أصبحت طرفا آخر يختبر صبر أهل القطاع وقدرتهم على الصمود.
المؤلم أن هذا المشهد الإنساني المتكرر كل شتاء لم يجد إلى اليوم من يتعامل معه باعتباره مسؤولية سياسية ووطنية حين أتواصل مع بعض أهلي واخوانى وأصدقائي يخبرونني كيف يستعدون للمنخفض بإمكانات بسيطة سواتر رملية حول الخيام و وبعض الشوارد الباليه أو النايلون لحمايه الخيام من تسريب للمياه وأغطية مهترئة محاولات لحماية الأطفال من البرد وحدهم يفعلون ما يستطيعون بينما تغيب الدولة وحكومتها وتغيب المؤسسات ويغيب الفعل المنظم.
البوم بعد أكثر من عامين من بدايه حرب السابع من أكتوبر الفلسطينيون دون مشروع عامان من الفراغ السياسي فخلال العامين الماضيين لم يقدم أي طرف فلسطيني مبادرة حقيقية للخروج من الأزمة لم يطرح مشروع وطني جامع ولم تبين رؤية سياسية تتجاوز حدود اللحظة.
كل ما ظهر كان بيانات وشعارات وتصريحات للاستهلاك الإعلامي كل ما كنا ننتظر مبادرات أو مقترحات ويتكوف او بوهلر او حتى ترامب نفسه بينما بقيت الحياة اليومية معلقة على كلمة من هذه الدولة أو تلك أو على تفاهمات تعقد بعيدا عن الإرادة الفلسطينية. وهنا أقول لقد غيبنا أنفسنا بانقسامنا واصطفافنا خلف أجندات تخطاء فى حساباتنا دوما . فمن يقرر هو فقط ترامب ونتنياهو فعندما يريد ترامب حقيقياً أن يدفع باتجاه اى شى يخص الفلسطينيين يأمر نتانياهو بطريقته الخاصة ويقبل الاخر.
هذا الفراغ لا يعبر عن ضعف سياسي فقط بل يكشف أزمة اعمق غياب نخبة قادرة على التفكير في المستقبل والأخطر أن الشعب نفسه لم يدعو إلى المشاركة ولم يفتح الباب لنقاش عام حول ما نريده نحن—فقط ما يريد الاخرون فرضه.
لقد اكتفينا بدور المتلقي وانتقلنا من موقع الفاعل إلى موقع المنفذ ثم من موقع المنفذ إلى موقع المنتظر و المفعول به حتى أصبحت مفردات مثل خطة او رؤية أو مشروع مجرد شعارات تحمل فراغا داخليا وتخدم أشخاص وليس شعب بأكمله وربما فقط تخدم غيرنا.
اليوم أقول إن الوصاية الإقليمية طريق بلا بوابة فلسطينية فلا يمكن فصل الأزمة عن الواقع السياسي الأوسع القرار الفلسطيني اليوم لا يصنع داخل البيت الفلسطيني بل يتأثر إلى حد كبير بطرفين إقليميين او اكثر متضادين كل منهما يحاول سحب المشهد باتجاه رؤيته ومصالحه ونتيجة هذه المعادلة أن القوى الفلسطينية فقدت حريتها فلم تعد تملك القدرة على المبادرة، ولا الجرأة على قول لا ولا حتى مساحة لصياغة بديل.
في ظل هذا الاستقطاب يصبح ادعاء أي طرف بأنه يمتلك خطة للمستقبل نوعا من الخداع كل من يزعم معرفة الطريق يكذب ومن يتظاهر بأنه يمسك بخيوط المستقبل يكذب أكثر الحقيقة أن الجميع يسير يوماً بيوم ويعول على الزمن لتغيير الواقع بدل أن يحاول تغييره. ويراهن على تغير فى المشهد الدولى او انقلاب فى الرأى العام العالمى أو حتى الرهان على من سيحكم العالم. بعد عشرون عاماً من الشباب الذين تغيرت أفكارهم اتجاه القضيه الفلسطينيه واتجاه إسرائيل واقول ماذا حتى لو هذا الرهان خسر أيضا. لان غياب الرؤية أخطر من الحرب فالحروب مهما طالت لها نهايات أما غياب الرؤية فيصنع حالة من التاكل الداخلي ويحول الشعب إلى مادة خام في مشاريع الآخرين الخطر الحقيقي اليوم ليس فقط في الخيام التي تغرق بالمطر بل في عقول السياسيين التي غمرها العجز ليس في الشتاء الذي يقترب كل يوم اكثر فأكثر بل في القيادات التي لا تملك شجاعة المبادرة ولا جرأة المراجعة.
غزة ليست بحاجة إلى هدنة عشر سنوات اضافية بقدر حاجتها إلى مشروع سياسي يوازي صمود أهلها مشروع يبنى على إرادة الناس لا على حسابات الخارج ويضع الأولوية للإنسان قبل التنظيم وللمستقبل قبل التكتيك.
اخيرا يجب استعادة البوصلة قبل فوات الأوان فلن يكتب للمشهد الفلسطيني أي تغيير حقيقي ما لم تبدأ القيادات الفلسطينية بمراجعة شاملة
مراجعة للمسار وللتحالفات وللأدوات ولشكل إدارة الصراع وأنها الصراع ذاخلنا قبل انهاء الصراع مع الاحتلال الشعب الذي صمد في وجه الحرب قادر على أن يصمد في وجه الفوضى السياسية لكنه يستحق قيادة تعيد له ثقته بأن الغد يمكن أن يكون أفضل مما يعيش الآن.ان الصمت الذي حل مكان البنادق لم يتحول بعد إلى مساحة تفكير بل إلى فراغ. والخيام التي تغرق ليست مجرد مأساة إنسانية بل مراة تعكس قصورا سياسيا لا يمكن تجاهله. وما لم يعاد بناء رؤية وطنية مستقلة ستظل المتغيرات الإقليمية تملي علينا حاضرناووربما ترسم مستقبلا لا مكان لنا فيه إلا كمتفرجين.



