أقلام وأراء

شجاع الصفدي: لقد قررت حماس أن تحارب (41)

شجاع الصفدي 10-12-2025: لقد قررت حماس أن تحارب (41)

يجب التمييز بين التأثير في الوعي، وبين السيطرة على الوعي، وعندما نضع تجربة حماس في غزة تحت المجهر، سنجد أن حماس نجحت في السيطرة على الوعي على مدار أربعة عقود من السعي التدريجي والانسياب الخفي للتغلغل داخل وعي المجتمع.

لا يمكن إغفال أن حماس نجحت في تأليب الرأي العام ضد السلطة وحركة فتح ما قبل سيطرتها على غزة، حيث اتبعت نهجا إعلاميا وتعبويا صوّر السلطة الفلسطينية للجمهور على أنها أداة بيد الاحتلال، وإن شئنا الدقة، فالسلطة شريكة في نجاح حماس في أهدافها، حيث عززت ما تروّجه حماس بطريقة تعاملها مع المواطنين ما بين ١٩٩٤ إلى ٢٠٠٧ ، بحيث أصبحت الناس جاهزة لتقبل سيطرة حماس ووجودها كسلطة بديلة، و هذا ما حدث.

بعد ٢٠٠٧ لم تتوقف حماس عن التعبئة والتحشيد والتأطير، لا يمكن إنكار جهدها الجبار في خلق واقع متغير يتأثر فيه المجتمع بسطوة حماس الفكرية.

انتشرت لغتهم في الخطاب والتحدث، ألقابهم المفضلة، حتى تسمية المواليد بأسماء معينة صارت سمة مجتمعية، يصعب أن تميزها إن كانت رياءً للحاكم ، أم غياب للإدراك.

قرابة أربعة عقود اجتهدت حماس على برمجة العقول، وفي الوقت الذي غابت فتح عن القاعدة الجماهيرية، وعن النشأ واستيعاب الأجيال الصاعدة، ولم يكن تجديد الدماء من أولوياتها، كانت حماس توصل الليل بالنهار في المساجد والمدارس والمخيمات الصيفية ومراكز التحفيظ والعيادات والجمعيات الخيرية، وكل مؤسسة ذات طابع تواصلي مع الجمهور ، وهذه المدة الزمنية غير الهيّنة جعلت للحركة جذور لا يمكن خلعها ببساطة أو استئصالها كما يظن البعض من أصحاب الخيال الواسع.

حماس ذات بنية متجذرة في المجتمع بطريقة كارثية لخصومها، هذه حقيقة لا يمكن التهرب منها ، ومن يريد منافسة حماس وتحييدها سياسيا واجتماعيا عليه أن يدرك أولا مدى عمق سيطرتها على الوعي، وإن لم يفعل فهو خاسر سلفا .

ولتدرك أن ما أقوله ليس مبالغة، اسأل نفسك: ماذا تفعل فتح كمنافس سياسي لاحتضان الجمهور وتصويب الوعي أو إخراج المجتمع من السيطرة الفكرية الشاملة؟

فعليا ، لا شيء، فتح غائبة تماما عن الجمهور، حتى من يساند السلطة وفتح في الرأي والموقف، يفعل ذلك نكاية في حماس وليس لفعله تأثير يذكر على القاعدة الراسخة للسيطرة الحمساوية على المجتمع.

قد يظن البعض أنني أشطح كثيرا وأن حماس خسرت شعبيتها بعد نكبة أكتوبر وما حلّ بغزة بعدها، لكن المتابع بروية و دون خلفية حزبية مسبقة، يدرك أن حماس ما زالت تحظى بتأييد يمكن وصفه “بالتعاطفي”، رغم كل النتائج الكارثية ، مجتمعنا ما زال يعيش غفلة البطولة والشعارات التي تأقلمت معها الأجيال نتيجة التعبئة الفكرية على مدار عقود.

من لا يرى ذلك من خصوم حماس فهو متحامق أو مستهتر على أقل تقدير ، ويفضل أن يغطي عينيه بمنظار يريه فقط ما يتمنى.

من يريد أن يكون له باع في غزة في المرحلة المقبلة ، عليه أن يفهم التقلبات العاطفية للشعب هنا، ووجود سلطة جديدة تتفاعل مع الجمهور وتحرص على رضاه ومصالحه ، هو أول خطوة للتصحيح و تقليل حدة السيطرة الفكرية المتجذرة .

لست بصدد طرح وقائع أو نماذج مجتمعية تثبت مدى تلك السيطرة ، لكن بالتأكيد من يعيش في غزة وخارج العباءة للتنظيمية يعي تماما ما أقول.

وفي حال لم تحدث حلول جذرية تفرض سلطة حاكمة في غزة كخطوة أولى، لا يمكن على الإطلاق انتظار تغيير منهجي في الفكر المسيطر على الجمهور.

خلال الأشهر الثلاثة القادمة، يقف مستقبل غزة ، ويتحدد الاتجاه، إما البدء بتجديد بنيوي تدريجي على جميع الصُعد ، أو الغوص عميقا في التماهي مع رؤية حماس و عودة الزخم الشعبي والتكيف و التعايش مع الركام وتزيين ذلك بزخارف متعددة ترسخ سيطرة أعمق على الوعي.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى