بشار مرشد: الصهيونية من مخلفات الحروب العالمية إلى مشروع الاحتلال والإحلال
بشار مرشد 7-12-2025: الصهيونية من مخلفات الحروب العالمية إلى مشروع الاحتلال والإحلال
مقدمة:
الصهيونية ليست مجرد فكرة سياسية عابرة، بل مشروع تاريخي وجيوسياسي يمتد جذوره إلى أعقاب الحروب العالمية الكبرى. هذا المشروع لم يقتصر على احتلال الأرض، بل تضمن سياسات ممنهجة تهدف إلى التهجير، التدمير، الترهيب، وقمع الأجيال الفلسطينية، لإعادة تشكيل التركيبة الديمغرافية والثقافية للشعب الفلسطيني.
ولعل من الضروري التمييز بين مفهومي الاحتلال والإحلال في هذا السياق: فالاحتلال هو سيطرة عسكرية وإدارية على أرض الغير، بينما الإحلال (أو الاستيطان الإحلالي) هو مشروع أعمق يهدف إلى استبدال السكان الأصليين (الشعب الفلسطيني) بسكان وافدين (المستوطنين)، وتغيير التركيبة الديموغرافية والجغرافية بشكل دائم.
هذا المشروع الاحتلالي والإحلالي يعكس العلاقة بين السياق الدولي الذي أعقب الحروب الكبرى، وبين الواقع الفلسطيني اليوم، حيث تصبح السياسات الاستيطانية والعنف المستمر أدوات عملية لتحقيق أهداف الاحتلال والإحلال.
جذور الصهيونية:
يمكن فهم الصهيونية كنتاج لتداعيات الحروب العالمية الأولى والثانية، حيث لعبت القوى الكبرى دورًا حاسمًا في رسم الخرائط السياسية والجغرافية وتوزيع النفوذ، فجاء وعد بلفور المشؤوم (1917) ليعطي الحركة الصهيونية غطاءً دوليًا لتحقيق أهدافها على أرض فلسطين. والحرب العالمية الثانية زادت الضغط الدولي لإنشاء كيان يهودي، وهو ما أدى إلى تأسيس إسرائيل عام 1948، كحدث أساسي في سلسلة عمليات التهجير والإحلال التي طالت الفلسطينيين.
من الاحتلال إلى الإحلال: السيطرة الديمغرافية والسياسية
الاحتلال العسكري والسيطرة الإدارية على الضفة وغزة بعد 1967 لم يكن مجرد استراتيجية اجتلال، بل جزء من مشروع أوسع لإحلال مستوطنين في الأرض الفلسطينية وفرض سيطرة ديمغرافية وسياسية مستمرة. التوسع الاستيطاني، هدم المنازل، ومصادرة الأراضي، لم يكن عشوائيًا، بل جاء كأداة شيطانية لإعادة تشكيل النسيج السكاني، وتحطيم القدرة المجتمعية الفلسطينية على الصمود.
سياسة الاحتلال الإجرامية دورة متكررة ومستمرة:
واحدة من أهم أدوات المشروع الصهيوني هي استهداف الأجيال الفلسطينية الجديدة في التدمير الممنهج ، والاجرام والترويع ،والاعتداءات على المدارس والمستشفيات والمنازل، والاعتقالات المستمرة، لا تهدف فقط إلى السيطرة على الأرض، بل إلى كسر النفسية الجمعية للشعب الفلسطيني، بحيث يورث كل جيل تجربة القمع والرعب.
هذا النمط يظهر كدورة تاريخية، حيث تُعاد سياسات التهجير والإرهاب الجماعي كل عشرين عامًا تقريبًا، لتثبيت السيطرة وإعادة فرض الواقع على كل جيل جديد.
مشروع للقوى الكبرى في خاصرة المنطقة:
الصهيونية ليست مجرد احتلال فقط ، بل مشروع زرع استراتيجي في قلب المنطقة، يهدف إلى السيطرة على المنطقة، والحفاظ على مصالح القوى الكبرى. حيث جاء إقامة الكيان الصهيوني وفق خطط دولية مسبقة، لتكون قاعدة أولية للنفوذ الدولي في المنطقة، وضمان استمرار هيمنة القوى العظمى على الخيرات والموارد والمسارات الحيوية.
بهذه الطريقة، تصبح إسرائيل أكثر من دولة محتلة؛ فهي أداة سياسية واستراتيجية لتحقيق أهداف دولية أوسع، بينما يبقى الفلسطينيون ضحايا هذا المخطط، متعرضين للتهجير، التدمير، والترهيب على مدار الأجيال.
البقاء الفلسطيني إرادة لا تُقهر:
تاريخيًا، كثير من المشاريع الاستعمارية والإحلالية أدت إلى فناء شعوب كاملة ومحو هويتها. في المقابل، يبقى الشعب الفلسطيني مثالًا نادرًا على الصمود، حيث تمكن على مدار عقود من مقاومة محاولات التهجير، والتدمير، والترهيب المتعمد.
هذا البقاء ليس مجرد صدفة، بل يعكس قوة الإرادة الجمعية، والتمسك بالهوية، والقدرة على الصمود رغم كل الضغوط. ومع كل دورة عنف وتدمير، يظهر أن المشروع الطاغي لم يفلح في القضاء على الشعب الفلسطيني، ما يجعله حالة فريدة في تاريخ النزاعات الاستعمارية العالمية.
خاتمة:
الشعب الفلسطيني ليس مجرد ضحية، بل رمز عالمي للصمود في وجه المشاريع الاستعمارية الكبرى. على الرغم من محاولات التهجير والإحلال المستمرة، يثبت التاريخ أن الإرادة الشعبية والتمسك بالهوية يمكن أن تتحدى أقوى المشاريع الطاغية. هذه المعجزة تجعل الفلسطينيين حالة نادرة في العالم الحديث، ويؤكد أن محاولات محو شعوب أو تقويض إرادتها مهما كانت ضخمة ومعقدة، لن تحقق غايتها طالما بقيت روح المقاومة والتشبث بالأرض والهوية حية.



