د. سنية الحسيني 4-12-2025: لا شرعية لترامب في غزة ولا لـ «مجلس السلام»
في السابع عشر من تشرين الثاني الماضي، أقر مجلس الأمن الدولي، مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة الأميركية بشأن قطاع غزة.
ويؤسس القرار الذي يحمل رقم ٢٨٠٣ لإنشاء «مجلس السلام» بصفته إدارة انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، تضطلع بوضع الإطار وتنسيق التمويل، لإعادة تطوير غزة، وذلك إلى أن تُتمّ السلطة الفلسطينية برنامج إصلاحها على نحو مُرضٍ، وبما يمكّنها من استعادة السيطرة على غزة بشكل آمن وفعّال.
وحدد القرار رئاسة المجلس بالرئيس ترامب. ويربط القرار استئناف المساعدات الإنسانية بالتعاون مع مجلس السلام، ومن خلال المنظمات المتعاونة كالأمم المتحدة.
يأذن القرار للدول الأعضاء المشاركة في مجلس السلام بالدخول في الترتيبات اللازمة لتحقيق أهداف الخطة بما في ذلك تلك المتعلقة بالامتيازات والحصانات لأفراد القوة المنشأة، وإنشاء كيانات تشغيلية تتمتع، عند الاقتضاء، بشخصية قانونية دولية وسلطات تصرّفية لتنفيذ وظائفها، بما في ذلك لجنة فلسطينية غير سياسية من سكان القطاع، تتولى مسؤولية التسيير اليومي للخدمة المدنية والإدارة في غزة، تحت إشراف مجلس السلام.
ويأذن القرار لمجلس السلام بإنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة في غزة، وتحت قيادته، وتُسهم فيها قوات من الدول المشاركة، ومع قوة شرطة فلسطينية جديدة مُدرَّبة ومُدقَّق في أفرادها، للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية؛ واستقرار البيئة الأمنية في غزة عبر ضمان نزع السلاح في القطاع.
ووفق القرار، سيظل الحضور المدني والدولي لمجلس السلام مستمراً حتى نهاية العام ٢٠٢٧، ورهناً بأي إجراء لاحق من قِبل المجلس.
إن مجلس السلام، الذي أشير إليه في القرار الأممي رقم ٢٨٠٣ ليس هيئة دولية ذات شخصية قانونية، فقد تشكل المجلس بقرار فردي أميركي، وهو ليس إدارة انتقالية مفوضة ومحايدة، لأنه يعكس مصالح الولايات المتحدة وأهدافها، كما أنه ليس احتلالاً رسمياً، لأنه ينسق ويدعم وجود وأهداف احتلال آخر هو الاحتلال الإسرائيلي.
ويخلق وجود هذا المجلس منطقة قانونية رمادية، تتجاوز ما هو متعارف عليه قانونياً، وكأنه كيان فوق القانون، ويستمد مكانته وقوته من مكانة الولايات المتحدة وسطوتها، ويضعف فرص الفلسطينيين في إدارة بلدهم ورسم مستقبلها.
يطرح ذلك عدداً من الأسئلة على رأسها: هل السلطات الانتقالية تنسجم مع شروط الانتقال المشروع أم أنها تُعدّ شكلاً من فرض سلطة خارجية على مجتمع خاضع للاحتلال، على غرار تجربة العراق العام ٢٠٠٣؟ وهل يمكن لقوة احتلال أو دولة راعية له أن تمنح كياناً فوق محلي كمجلس السلام صلاحيات دستورية داخل أرض محتلة؟ وهل يعمل القرار على إعادة إنتاج سلطة الاحتلال بصيغة مؤسساتية جديدة؟ ويلفت ذلك النظر أيضاً لمخاطر بنيوية مثل إمكانية تكريس وصاية سياسية على فلسطين من قبل الولايات المتحدة من خلال احتكار القرار في غزة وتقسيم الشرعية الفلسطينية وتحويل غزة لنموذج أمني اقتصادي وفق تطلعات أميركية.
رغم إشارة القرار إلى القرارات الأممية ذات الصلة، إلا أن ذلك جاء دون تحديد، كما تباين فعلياً مع تلك القرارات أو تجاهل التأكيد على شروطها.
فلم يذكر المرجعيات القانونية المتعلقة بالقرار ٢٤٢ للعام ١٩٦٧. عندما تحدث القرار الحالي عن الدولة الفلسطينية، جاء ذلك بشكل مشروط بإصلاح السلطة الفلسطينية، وربط ذلك بالخطة الأميركية للعام ٢٠٢٠، بدلاً من ربط ذلك بالقرار الأممي ١٥١٥ للعام ٢٠٠٣، الذي أقرّ «خارطة الطريق» وأشار لحلّ الدولتين بصورة صريحة.
ولم يكرّر القرار بند رفض أي تقليص لأراضي غزة، الذي ورد في القرار ٢٧٣٥ للعام الماضي، والقرار ١٨٦٠ للعام ٢٠٠٩، الذي دعا لانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة.
وربط القرار الحالي تنسيق المساعدات والممرات الإنسانية بإشراف وتنسيق من قبل مجلس السلام، بينما ربطت القرارات الأممية السابقة تلك المهمة بآليات دولية وإنسانية، كما ورد في القرار ٢٧٢٠ للعام ٢٠٢٣.
كما استخدم القرار الحالي عبارة «اتخاذ جميع التدابير اللازمة» ضمن تحديد حدود وصلاحيات القوة الأمنية التابعة لمجلس السلام.
إن ذلك الوصف لا يستخدم في العادة في قرارات مجلس الأمن إلا للسماح باستخدام القوة تحت مظلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما حدث من قبل وفق القرار ١٠٣١ للعام ١٩٩٥ في البوسنة، والقرار ١٣٨٦ للعام ٢٠٠١ في أفغانستان، والقرار ١٥٤٦ للعام ٢٠٠٤ في العراق، والقرار ١٧٠١ للعام ٢٠٠٦ في لبنان.
أي أن هذا القرار يفوض القوة الأمنية المنبثقة عنه باستخدام القوة في غزة، دون تفويض من قبل الأمم المتحدة، وفق آلية العمل الجماعي، المنصوص عليها في الميثاق في الفصل السابع.
يعد اقتراح القرار إنشاء مجلس السلام برئاسة شخصية سياسية، كالرئيس ترامب ترتيباً غير مسبوق، يمس بفكرة الحياد، التي تعتمدها في العادة الأمم المتحدة بموجب اتفاقات السلام الدولية والعمليات المشابهة، خصوصاً أن الولايات المتحدة لا تعتبر طرفاً محايداً للفلسطينيين، بل على العكس هي حليف قوى لإسرائيل.
وأُنشئ القرار بالتنسيق مع إسرائيل، القوة المحتلة لغزة، لفرض إدارة في أرض محتلة دون موافقة الشعب الفلسطيني ودون صدور قرار أممي، بل جاء تحت غطاء قرار لوقف الحرب.
ولا يسمح القانون بإنشاء «إدارة في إقليم محتل» إلا عبر قرار أممي أو اتفاق دولي متعدد الأطراف أو موافقة واضحة من الشعب أو السلطة الشرعية للبلاد.
وحتى إن افترضنا مجازاً أن مجلس الأمن منح الشرعية لمجلس السلام من خلال قراره رقم ٢٨٠٣، إلا أن مجلس الأمن لا يمتلك سلطة إنشاء كيان لا يتوافق مع قواعد القانون الدولي، خصوصاً عندما تكون قواعد آمرة، وهو ما أكد عليه رأي محكمة العدل الدولية في قضية ناميبيا العام ١٩٧١حول سلطة مجلس الأمن وحدودها.
تستنبط فكرة مجلس السلام من كيانات السلام الدولية، والمقتبسة من نماذج «بناء السلام» التي تقوم بها الأمم المتحدة، لكن القرار الحالي يتعارض وجوهرها. ويمكن للأمم المتحدة من خلال قرارات تصدر عن مجلس الأمن إنشاء كيانات دولية وأممية تعمل على بناء السلام وإعادة الإعمار بعد النزاعات، ولا تمتلك صفة دائمة، أو شخصية قانونية كاملة كالدول والمنظمات.
وعيّنت الأمم المتحدة أو جهات دولية حكومات انتقالية أو إدارة دولية مؤقتة عبر قرار من مجلس الأمن أو موافقة الدول المعنيّة في عمليات سلام عديدة.
ومن تلك القرارات الأممية التي أنشئت كيانات مدنية وأمنية في القرار ١٢٤٤ للعام ١٩٩٩ الذي أنشأ في كوسوفو إدارة مدنية دولية (UNMIK) وقوة أمنية (KFOR)، والقرار ١٢٧٣ للعام ١٩٩٩ الذي منح في تيمور الشرقية لـ (UNTAET) سلطة تشريعية وتنفيذية كاملة.
وتختلف جميع تلك النماذج عن مجلس السلام، فجميعها تشكلت تحت قيادة أممية، ممثلة بالممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وصدر القرار بإنشائها عن منظمة دولية، وفق أهداف محددة، كلجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة، وبعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، كما أنها لا تخضع لسيطرة دولة واحدة.
في حين تأسس مجلس السلام بإرادة منفردة لدولة واحدة ويخضع حكمه لإرادتها، ولا يستند لتفويض أممي، ويعمل داخل أرض محتلة، تحت سيطرة دولة أخرى، ولذلك لا يتمتع ذلك المجلس بشخصية قانونية دولية مستقلة، ويقدم نموذجاً جديداً ككيان سياسي وظيفي مرتبط بالولايات المتحدة وإسرائيل.
يوصف المجلس حسب القرار ٢٨٠٣ بأنه هيئة انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، إلا أنه ليس بالضرورة أن أي قرار من مجلس الأمن يسمح بإنشاء كيان بشخصية قانونية.
وهناك العديد من الكيانات التي أُنشئت بموجب قرارات أممية لم تحصل على شخصية قانونية دولية كاملة، إلا إن استكملت شروطاً معينة.
تتحدد الشخصية القانونية في ميثاق أو وثيقة تفصل تفاصيلها، وقد تستنتج الشخصية القانونية أيضاً من الوظائف والاختصاصات التي تمنح للكيان.
لا يكفي مجرد وصف أو بيان سياسي يمنح الكيان صفة قانونية، بل يجب أن تتبلور تلك الشخصية وفق وظائف مستقلة وحقوق والتزامات واضحة، وآليات محاسبة ومساءلة، وحصانات وعلاقات تعكس الجانب العملي للعلاقة مع الكيان.
ويفتقر مجلس السلام إلى عناصر جوهرية محددة لإضفاء الشخصية القانونية الوظيفية الكاملة عليه.
ويمكن التمييز بين نوعين من الشخصية القانونية للكيانات المنشأة بقرارات دولية: الشخصية القانونية الشكلية والشخصية القانونية الوظيفية.
وتُكتسب الأولى بمجرد وصف سياسي أو لغوي يُمنح للكيان داخل قرار أو بيان دولي تكون صفة شكلية، بينما تتطلب الثانية توافر مجموعة من الشروط كوجود صك تأسيسي واضح، وبنية مؤسسية محددة، وقدرة على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، واستقلال وظيفي عن الدول، وحصانات وآليات مساءلة قانونية، وهي شروط لا تتوفر في مجلس السلام.
من منظور القانون الدولي العام، وقانون الاحتلال الحربي، والمحدد في اتفاقيات لاهاي للعام ١٩٠٧ وجنيف الرابعة للعام ١٩٤٩ والبروتوكول الملحق للعام ١٩٧٧، فإن مجلس السلام يُعتبر مخالفاً للقانون الدولي.
رغم إشارة القرار إلى حق تقرير المصير، يجعل ذلك القرار مشروطاً، وهو مبدأ أصيل، أشار إليه ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى، وشددت عليه المحاكم الدولية أيضاً، حيث اعتبرت محكمة العدل الدولية في حكمها الخاص بالجدار العازل للعام ٢٠٠٤ أن أي عمل يفرض على الشعب الفلسطيني ترتيبات سياسية دون إرادته يشكل انتهاكاً لمبدأ تقرير المصير.
وينتهك ذلك القرار المادة ٤٣ والمادة ٤٧ من اتفاقية لاهاي للعام ١٩٠٧، والمادة ٦٤ من اتفاقية جنيف الرابعة للعام ١٩٤٩، والتي تلزم قوة الاحتلال بأن تحترم القوانين القائمة في البلاد المحتلة، وعدم نقل السيادة أو إنشاء ترتيبات سياسية جديدة في ذلك الإقليم، وتحظر المادتان ٦٣ و٧٥ في البروتوكول الأول للعام ١٩٧٧ الملحق باتفاقيات جنيف الأربع للعام ١٩٤٩ فرض هياكل سياسية وإدارية على السكان المحتلين، وهو ما يتناقض مع حيثيات القرار الأميركي الذي ينص على تغيير جذري للنظام السياسي والإداري القائم، ما يوحي بإعادة هندسة النظام برمته. وتقر المادة الأولى من ذات البروتوكول بوجود حركات التحرر الوطنية كطرف في النزاع، ما يحرم إعادة صياغة تمثيل الشعب الفلسطيني السياسي تحت الاحتلال. وتحظر القاعدة ١٣٣ من قواعد القانون العرفي على قوة الاحتلال استخدام مؤسسات محلية مفروضة لإدارة السكان، ما يشير إلى عدم شرعية ما نص عليه القرار وفق ذلك السياق.
يحمل مجلس السلام نمطاً مؤسسياً مختلفاً عن الأنماط المتداولة والمعروفة، فله خصائص الكيان الدولي الانتقالي شكلياً، لكنه تأسس ويدار بشكل فردي برئاسة الولايات المتحدة، ولا ينسجم مع المعايير المعروفة للإدارة الدولية التي حدّدتها الأمم المتحدة.
وتتقاطع وتختلط في إطاره أشكال السيادة، ما يخل بطابعه المؤسسي المعروف، ويتسبب في مزيد من الإرباك في تصنيفه، فما بين سيطرة الولايات المتحدة، المتحكم الأساسي بالمجلس والقوة الأمنية المتعددة والقوة المحلية التابعة، وسلطة حكومة الاحتلال، بحكم الأمر الواقع، التي يتعاون معها المجلس بشكل رئيس، وسلطة دولية مقيدة بقرار المجلس في تقديم المساعدات الإنسانية، وفي ظل السيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، يبدو أن الأمر شديد الضبابية.
ويعمل المجلس وفق مستويات متعددة، ما يعيق تصنيفه، بوجود سلطة مدنية عليا فوق إقليمية، وأمنية منبثقة عنها، ومحلية تابعة لها، وهي تركيبة معقدة، تختلف عن تراتبية عمل الكيانات الدولية المتعارف عليها.
كما لا يمتلك المجلس آليات المراقبة والشفافية والمحاسبة المتعارف عليها، ما يعقد إمكانية تقييم عمله، خصوصاً في غياب مصدر شرعيته.
رغم عدم نجاح خطوات بناء المجلس والقوة الأمنية التابعة له حتى الآن، يقوم مجلس السلام على تنظيم قواعد تشريعية، ويعد ذلك مخالفة قانونية فاحشة.
فرغم منح عدد من الكيانات الدولية المؤقتة ولاية شبه دستورية تُجيز سنَّ قواعد تنظّم السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل مؤقت، وبناء مؤسسات، ووضع مسارٍ دستوري وانتخابي واضح، إلا أن ذلك طالما اقترن بقرارات من قبل مجلس الأمن وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما في حالتي كوسوفو وتيمور الشرقية. فيضع قانون الاحتلال حداً صارماً لأي هندسة دستورية تفرضها قوة الاحتلال أو أي جهة تعمل معها، ولا يجوز تعديل البنية القانونية إلا بالقدر الضروري أمنياً أو لتلبية التزامات القانون الدولي، مع إبقاء القوانين الجزائية المحلية نافذة، وأي محاولة لإعادة تشكيل نظام الحكم المحلي خارج هذه الضرورات يُعدّ تجاوزاً للقانون الناظم للاحتلال.
وتبقى حدود المسؤولية على الإقليم المحتل لدى قوة الاحتلال، في ظل حقّ تقرير المصير للشعب الواقع تحت الاحتلال، وهو حق غير قابل للانتقاص.
ونقلُ الهندسة المؤسسية إلى كيان غير أممي لا يحمل تفويضاً دولياً واضحاً كمجلس السلام، يتجاوز القانون.
ويمكن للفلسطينيين التحرك الفوري لإحباط المحاولات الأميركية الإسرائيلية بالتجاوز عن شرعيتهم، في ظل زخم دولي، تجسد بالاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية، وذلك من خلال رسم مسار واضح لتسريع إقرار الدستور والإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية، ضمن آلية انتخابات تحت مظلة دولية، ووفق نظام استفتاء الدستور أولاً، وانتخابي بعد ذلك، بمنصة الاستفتاء والانتخاب الرقمي الآمن، المرتبط بالهوية أو الرقم الوطني الفلسطيني، وتحت إشراف لجنة خبراء أمن سيبراني دولية، لإحباط محاولات الاحتلال بمنع التصويت في القدس أو غزة أو أي مكان تحت سيطرتها.



