هآرتس: هرتسوغ لا يملك صلاحية هذا العفو
هآرتس 1/12/2025، مردخاي كرمنتسر: هرتسوغ لا يملك صلاحية هذا العفو
طلب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من رئيس الدولة اسحق هرتسوغ منحه العفو يغير أنظمة العالم في كل ما يتعلق بصلاحيات الرئيس. حسب القانون رئيس الدولة لديه الصلاحية للعفو عن مجرمين وتخفيف عقوبتهم من خلال تخفيفها أو تغييرها. ولكن رئيس الحكومة يصمم على الادعاء بانه بريء من كل تهمة، أي أنه غير مذنب. لم يتم إعطاء الرئيس صلاحية العفو عمن لم يخطيء أبدا. العفو في ظل غياب أي تهمة أو جريمة هو مفارقة. اذا لم نكن نعيش في واقع تشويش معياري شديد وانعكاس الاحداث لكان يمكن ان ينتهي المقال هنا.
يصعب تصديق ما تراه العين في طلب العفو. لقد عودنا نتنياهو على عدم الصلة بين أقواله وبين الواقع والمنطق البسيط، لكن هذه الوثيقة التي يبدو فيها وكأنه يطلب العفو، تحطم حتى ارقامه القياسية السابقة. الحقيقة يجب ان تقال: من البداية وحتى الآن، لا يوجد مجال للخوض في جوهر الطلب. مطلوب رفضه بشكل مطلق، لانه ليس طلب من شخص يعترف بارتكاب جريمة، ولان صلاحية العفو غير مقصود بها ان تكون البديل عن عملية قضائية جارية أو عائق امامها.
في مستهل الطلب يتم ذكر الطالب الرئيسي – الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – حيث ان نتنياهو فقط ينضم الى طلبه. وخلافا لرفض رئيس الحكومة، فان طلب ترامب من هرتسوغ كان من تدبير نتنياهو نفسه، وهذا ما اشارت اليه بصراحة اقوال الرئيس الأمريكي وطلب نتنياهو. رئيس الحكومة، الذي هو رئيس السلطة التنفيذية في إسرائيل، يسعى بشكل مخجل الى تقويض سيادة إسرائيل واستقلالية سلطات انفاذ القانون فيها بدعوة دولة اجنبية للتدخل في إجراءات داخلية، وبهذا فهو يلوثها بشكل لا يمكن إصلاحه. فهل سيتمكن الرئيس هرتسوغ من تجاهل مناشدة الرئيس الأمريكي كليا وكأنها لم تكن، مثلما يجب عليه ان يفعل اذا واجهته مشكلة؟.
يصعب تخيل تقويض اكثر عمقا واخطر لسيادة القانون من وجود سلطة أخرى قادرة على احباط عملية قضائية جارية بمجرد إشارة، خصوصا عندما يتعلق الامر بسلطة سياسية وغير مهنية، التي اعتباراتها ليست فقط اعتبارات قانونية، ولا تخضع لانتقاد حقيقي. ما يفيد نتنياهو يفيد بالتأكيد الوزراء والمتهمين الاخرين في محاكمته، واذا تم تخويل الرئيس بمنح العفو من المسؤولية القانونية مثلما كانت الحال مع رجال الدين في حينه، فان محاربة الفساد الحكومي يمكن دفنها مع سيادة القانون. كان بإمكان الرئيس هرتسوغ، بل كان يجب عليه، ان يقدم معروف لنفسه، وسيكون هذا مفيد لنا جميعا، وأن يوضح مسبقا حدود سلطته. هذا بدلا من فتح الباب امام مناقشة طلب شخص بريء للعفو، الذي لا يعرف كيف سينجو منه.
المصدر التاريخي لمؤسسة العفو هو سلطة الملك، الحاكم القادر على كل شيء والذي كان أيضا رئيس السلطة القضائية، والذي لم تكن أي حدود لصلاحياته. وبالتاكيد يجب رفض هذا الرأي بشكل قاطع في إسرائيل القرن الواحد والعشرين، الذي بحسبه رئيس الدولة هو البديل لملك إنجلترا؛ إضافة الى ذلك فانه يتناقض مع صياغة قانون الأساس: رئيس الدولة. ان معنى العفو الفردي في دولة يحكمها القانون ينحصر في التعبير عن التغيرات التي تطرأ بعد الحكم على المجرم ومبررات التساهل. لا يوجد أي تشابه بين هذه السلطة وسلطة سحب البساط من تحت اقدام المحكمة التي تنظر في الاتهامات الموجهة للفرد. حتى توقيع وزير العدل، المطلوب لمنح العفو، يمكن أحيانا ان يمنع إجراءات عفو فاضحة. ولكن هذه ليست الحال عندما يكون يشغل الوزير ياريف لفين هذا المنصب.
لا توجد أي فائدة لنا في قضيتنا من العفو غير المالوف الذي اعطي لمسؤولي الشباك في قضية الخط 300. فمن تم العفو عنهم هناك لم يدعوا البراءة التامة؛ العفو اعطي قبل البدء في الإجراءات القانونية، بل وتم الحصول عليه عن طريق الابتزاز – التهديد بكشف جرائم مشابهة. وقد تعرض قرار حكم اغلبية الهيئة القضائية التي قررت عدم التدخل في قرار الرئيس، لانتقاد شديد.
نتنياهو لا يتراجع عن الاتهامات الخطيرة التي وجهها لجهاز انفاذ القانون، تلفيق قضايا ضده بهدف الإطاحة به. وأوضح في رسالته انه كان يكرر هذه الاقوال بلهجة لطيفة وناعمة. ان المصالحة التي يسعى اليها مبنية على ابطال التهم تماما، فهو بريء تماما، وقد تصرف الجهاز ضده بطريقة إجرامية. فهل يمكن أن يبعث نظام كهذا من جديد؟ من الواضح انه فور صدور العفو عنه سيعمل شركاءه الذين لا تربطهم به أي رابطة بالطبع، على اجبار جهاز انفاذ القانون على دفع ثمن ما كان من المفروض ان يفعله، ولن يكون هناك أي غفران عن ذلك.
طلب العفو يكشف رؤية المسؤولية لدى رئيس الحكومة. يتبين انه يوجد لنتنياهو رأي جيد جدا، موضوعي وخالي من التحيز بشأنه هو نفسه. انه مسؤول بشكل كامل عن الإنجازات التي يدعيها بالتفصيل والاطالة. من جهة أخرى، مثل المغناطيس المعكوس، يرفض نتنياهو تماما تحمل المسؤولية عن أي تقصير، أو أي شيء سلبي أو غير مرغوب فيه. ان تدهور العلاقة بين السلطات حسب رأيه هو شر دنيوي وليس من صنعه. ولا علاقة لتراجع ثقة الجمهور بجهاز انفاذ القانون بالتشهير به، مع أنه هو الذي قاده؛ ان الانقسام بين الناس هو من صنع الاخرين، وهو من اعظم مثيري الانقسام، ولا دور له فيه، كما ان طول الإجراءات في قضيته لا علاقة له به، مع انه يعارض أي جهد لتسريع المحاكمة.
أيضا طلب العفو لم يأت من اجل مصلحة شخصية له، لا سمح الله، الدافع له هو مواصلة المحاكمة الى ان تظهر براءته على الملأ. ولكن نتنياهو مستعد للتضحية بمصلحته الشخصية من اجل المصلحة العامة. حتى عندما يطلب العفو فهو ليس الا ضحية على مذبح الأمة، التي فقط من اجلها هو يعمل، وحتى ضد نفسه.
نتنياهو يحكم قبضته على رقاب مواطني إسرائيل، وهذا ابتزاز. لديه القدرة على تحويلنا الى مجتمع موحد ومتصالح وايصال إسرائيل الى بر الأمان السياسي والاقتصادي، شريطة ان يتم سحب سيف العدالة عن رقبته، وان يتلاشى رعب التحقيق الذي يكشف اكاذيبه. اذا فقط قمنا بمهاجمة رئيس الدولة وطلبنا منه العفو عن نتنياهو ونجحنا في ذلك فستنزل علينا جنة عدن.
الافتراضات الواقعية التي استندت اليها المحكمة، التي سمحت لنتنياهو بتولي رئاسة الحكومة رغم الاتهامات الموجهة اليه، تبين دائما أنها باطلة. لقد افترض القضاة، لسبب ما، انه يمكن ان يشغل منصب رئيس الحكومة بما يخدم مصالح الدولة ومواطنيها، بينما يكون في نفس الوقت متهم بعملية قانونية معقدة، التي لن تدوم الى الابد. بل هم اعتقدوا انه سيكون هناك نوع من تضارب المصالح الذي سيمنع نتنياهو من إدارة كل شؤون الدولة بما يخدم مصالحه الأساسية – أي الهرب من خطر العدالة.
في طلب العفو الذي قدمه لرئيس الدولة، باسم السعي الى رأب الصدوع، فان نتنياهو يقسم الشعب بين أعداء سلطة القانون وبين المدافعين عنها. رئيس الدولة، الذي وضع وحدة الشعب على راس سلم القيم الذي يوجه اعماله، وجد نفسه في مركز جدل عام. وبما انه جلب على نفسه هذه الكارثة فانه لن يتمكن من التخلص منها الا بخطوة تثير الانقسام بالضرورة. ونحن نأمل ان لا يكون هرتسوغ ملتزم بنتنياهو وأن لا يساعد في خطوة لا يمكن التكفير عنها وهي تلويث سيادة القانون.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook



