#شؤون مكافحة الاٍرهاب

إنجي مجدي: من واشنطن إلى أوروبا… هل تتجه موجة حظر “الإخوان” لمنعطف جديد؟

إنجي مجدي 28-11-2025: من واشنطن إلى أوروبا… هل تتجه موجة حظر “الإخوان” لمنعطف جديد؟

تتحرك موجة تصنيف جماعة “الإخوان” نحو منعطف دولي جديد مع تزايد القلق الغربي من نفوذها المتنامي داخل الجاليات المسلمة في أوروبا. وتراكم الأدلة حول الشبكات التنظيمية والتمويل الأجنبي والدور الأيديولوجي للجماعة دفع دولاً مثل النمسا وفرنسا إلى اتخاذ خطوات أكثر صرامة، بينما بدأت إيرلندا والاتحاد الأوروبي نفسه فتح نقاشات غير مسبوقة حول تأثير الإسلام السياسي في التماسك المجتمعي. والقرار الأميركي الأخير بتصنيف فروع للجماعة يعزز الضغوط على أوروبا، لكنه يصطدم بتعقيدات قانونية وسياسية داخل الاتحاد. والاتجاه العام يشير إلى تشدد متزايد، لكن الوصول إلى تصنيف أوروبي شامل لا يزال معلقاً بسبب غياب الإجماع بين الدول الـ27.

 

إنجي مجدي

قبل أقل من عقد ونصف العقد، كان قادة جماعة “الإخوان المسلمين” يجلسون على مقاعد الحكم في القاهرة وتونس ويقومون بأدوار سياسية نشطة وبارزة في أنحاء أخرى من العالم العربي، إذ كان التنظيم الذي نشأ سرياً في مصر عام 1928 يعيش أزهى عصوره من التمكن الرسمي من السلطة، بعد عقود من التمدد مجتمعياً عبر شبكة من المساجد والجمعيات الخيرية، غير أن الحكم الذي سعى إليه التنظيم طويلاً سرعان ما انهار مع سقوط حكم الجماعة في مصر ثم تونس، وما تلاهما من ضعف داخل هيكل التنظيم وتوالي حظره في كثير من الدول العربية وآخرها الأردن في وقت سابق من العام الحالي.

على النقيض، فإن التنظيم المصنف إرهابياً في مصر والسعودية والإمارات وغيرها من الدول، يتوسع نشاطه في أنحاء أوروبا. فبعيداً من السياسة الرسمية والانتخابات، يتبع التنظيم استراتيجية تأثير من خلال الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية والمنظمات الشبابية والطلابية المسلمة، بخاصة في الجامعات، فضلاً عن المدارس الإسلامية والمنتديات والمنظمات التي تتخذ طابعاً حقوقياً.

هل تحظر الدول الأوروبية جماعة “الإخوان”؟

تبدو ثمة بوادر يقظة أوروبية نحو التمكن المتزايد لجماعة “الإخوان” من الجاليات المسلمة في أنحاء أوروبا، وما تشكله من خطر مجتمعي متفاقم منذ مطلع العقد الحالي. وبدأت هذه اليقظة في النمسا عام 2021، عندما أدرجت التنظيم على لائحتها السوداء لـ”الجماعات المتطرفة المرتبطة بجرائم ذات دافع ديني” وسبق ذلك حظر رموز وشعارات جماعة “الإخوان المسلمين” ضمن حظر رموز التنظيمات المتطرفة عام 2019، بما في ذلك “حزب الله” و”الذئاب الرمادية التركية” و”داعش” و”القاعدة”.

وفي مايو (أيار) الماضي، حذر تقرير حكومي فرنسي من أن جماعة “الإخوان المسلمين” تهدد “التماسك الوطني”، موصياً باتخاذ إجراءات تحد من انتشار جماعات الإسلام السياسي داخل المجتمع الفرنسي. ويذكر التقرير الصادر عن مجلس الدفاع الفرنسي أن مشروع “الإخوان المسلمين” يهدف إلى العمل على المدى الطويل للحصول تدريجاً على تغييرات في القواعد المحلية أو الوطنية. ويسلط الضوء على العمل السري لجماعة “الإخوان” والازدواجية في الخطاب للتغلغل في المؤسسات والمجتمع، إذ ينتشر الإسلام السياسي أولاً على المستوى المحلي، ويقول إن انتشار الإسلاموية “من الأسفل” يشكل “ تهديداً على المدى القصير أو المتوسط”، وسلط التقرير الضوء أيضاً على الهيكل التنظيمي السري للجماعة في أوروبا.

وقبل شهر، دعا نواب في البرلمان الإيرلندي بقيادة السيناتورة شارون كيغان إلى التحقيق في شبكات “الإخوان المسلمين” التي تعمل داخل المؤسسات والمراكز الإسلامية في أنحاء البلاد، وحذرت كيغان من أن الحكومة سمحت للجماعة بالتوسع من دون رقابة وفشلت في الاعتراف بنفوذها الأيديولوجي أو التصدي له. وجاءت دعوة كيغان ضمن ضغوط محلية وأوروبية أوسع إلى تعزيز الإجراءات المضادة لأنشطة “الإخوان” عبر الجمعيات والمدارس في إيرلندا. وفي أبريل (نيسان) الماضي، أغلقت أجهزة الأمن المركز الثقافي الإسلامي في إيرلندا بسبب صلات قيادية بتيارات متشددة ومخالفات مالية.

وتعمل جماعة “الإخوان المسلمين” في إيرلندا من خلال منظمات معترف بها رسمياً كجزء من شبكتها العالمية، فشاركت جمعية المسلمين في إيرلندا في مؤتمر دولي عام 2020 لتنسيق مجالس “الإخوان المسلمين” عبر الدول الغربية، مما يدل على وجود روابط مؤسسية بين منظمات إسلامية- إيرلندية والحركة الأوسع. ووثق بحث أجري عام 2009 عضوية الجمعية في “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” الذي تغير اسمه في 2020 إلى “مجلس مسلمي أوروبا”، وهو الهيئة التي تمثل “الإخوان” عبر القارة، مما يبرز نمطاً من الارتباط الرسمي الذي استمر لأعوام.

وشهد المقر الرئيس للمفوضية الأوروبية في بروكسل الأحد الماضي تظاهرة عامة تدعو إلي إدراج جماعة “الإخوان” ضمن قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية. وعبر بيان بالفرنسية والإنجليزية، قال المنظمون إن “الإخوان” ليسوا حركة سياسية شرعية، بل “أيديولوجيا توسعية ومدمرة” تستغل الثغرات القانونية لتمويل أنشطتها والتغلغل داخل المؤسسات ونشر الانقسامات.

وكان من أبرز المتحدثين الأمين العام لمنظمة الحركة الدولية للسلام والتعايش نايجل غودريتش، وهي منظمة غير حكومية مقرها بروكسل، وأوضح للحشود أن النصوص التأسيسية لـ”الإخوان” تدعو إلى إقامة خلافة عالمية وتعد الجهاد واجباً، وهي “مبادئ تتعارض جذرياً مع قيم الديمقراطية الأوروبية المستمدة من عصر التنوير” وفق قوله. وتحدث غودريتش عما وصفه بـ”الاستيلاء الصامت” عبر المساجد والجامعات والمنظمات غير الحكومية والبرامج الممولة من الاتحاد الأوروبي. وإضافة إلى استشهاده بالتقرير الفرنسي الصادر في مايو الماضي، فإنه أشار إلى أبحاث حديثة تفيد بأن كيانات مرتبطة بالجماعة حصلت على عشرات ملايين اليوروهات من أموال الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك عبر برامج مثل “إيراسموس” وبرنامج “الحقوق والمساواة والمواطنة” والبرنامج الذي تبعه “أس أي آر في”.

الهيكل الأوروبي لجماعة “الإخوان المسلمين”

ويتصاعد التدقيق في أنشطة “الإخوان” عبر أوروبا، حيث استضاف البرلمان الأوروبي الأربعاء الماضي إطلاق تقرير لاذع بعنوان “كشف الإخوان المسلمين: الأخونة، الإسلاموفوبيا، والاتحاد الأوروبي” للباحثين فلورانس بيرجو-بلاكلر وتومازو فيرجيلي. وكشف التقرير الذي جرى إعداده بتكليف من النائب الأوروبي شارلي ويمرز الذي ينتمي لمجموعة المحافظين والإصلاحيين، عن كيف قامت كيانات مرتبطة بالجماعة مثل “مجلس المسلمين الأوروبي” و”منتدى المنظمات الشبابية والطلابية المسلمة في أوروبا”، بالتغلغل في منظمات غير حكومية وبرامج تعليمية وحتى مبادرات ممولة من الاتحاد الأوروبي لنشر أجندة ذات طابع ديني “تفوقي”. ونفت هذه المنظمات صلتها التنظيمية بـ”الإخوان” وأكدت أنها تنشط فقط في إطار قانوني مشروع.

وبالعودة لمارس (آذار) عام 2019، عندما استضاف الاتحاد الأوروبي مؤتمراً بعنوان “الإسلام السياسي بين الإصلاح والراديكالية” بهدف دعوة الدول الأوروبية إلى اتخاذ قرارات عملية لاقتلاع منابع الإرهاب ومعاقبة الدول التي تدعمه وتغذي خلاياه، سلط السياسي الألماني وعضو البرلمان الأوروبي السابق يورغن كلوت الضوء على مشكلة التمويل الخارجي للجماعات الإسلامية والمساجد في أوروبا، وأشار إلى أن غالبية الجاليات المسلمة في ألمانيا من أصول تركية، وتمول الدولة التركية الأئمة والمساجد وتحاول التأثير السياسي في المواطنين الألمان من ذوي الجذور التركية، وبعد محاولة الانقلاب التركية في يوليو (تموز) عام 2016، كانت هذه قضية مثار جدل في ألمانيا. وأوصى المؤتمر آنذاك بالدعم السياسي والاقتصادي للدول المعتدلة المعروفة بجهودها في نشر قيم التعايش والتسامح وتشجيع الحوار بين الأديان والحضارات.

كيف تمكن “الإخوان” من أوروبا؟

وفق دراسة نشرها الصندوق النمسوي لتوثيق التطرف ذي الدوافع الدينية عام 2021 بعنوان “الهيكل الأوروبي لجماعة الإخوان المسلمين”، فإن بداية عمل المنظمات التابعة لــ”الإخوان” في أنحاء أوروبا كانت بين الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وتوضح “خدمة الاستخبارات الجيوسياسية” أنه في غضون أعوام، ظهرت منظمات إسلامية قوية في أنحاء أوروبا، من بينها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا عام 1983 والجماعة الإسلامية في ألمانيا عام 1982 والرابطة الإسلامية البلجيكية للتفاهم بين الثقافات عام 1997 والرابطة الإسلامية البريطانية عام 1997 والجمعيات الإسلامية في فنلندا والنرويج والسويد وغيرها، بحسب قائمة نشرتها الإمارات عام 2014. وكان المحرك الرئيس لهذه التطورات سعيد رمضان، السكرتير السابق وصهر حسن البنا.

وعام 1961، أسس هاني رمضان أول مركز ثقافي تابع لـ”الإخوان المسلمين” في أوروبا، ولسنوات عدة كان طارق رمضان سفيرها غير الرسمي، وأدت أنشطته المثيرة للجدل إلى منعه من دخول الولايات المتحدة، ورفضت مؤسسات أكاديمية فرنسية عدة السماح له بإلقاء محاضرات. وبسبب اتهامات الاغتصاب التي وجهت إليه وتوقيفه من قبل الشرطة الفرنسية، تخلى رمضان عن عمله في كلية سانت أنتوني بـ”جامعة أكسفورد”، حيث تمول قطر كرسياً للدراسات الإسلامية المعاصرة.

ما هو تأثير قرار ترمب في تصنيف “الإخوان”؟

وعلى رغم كثير من الدراسات الموثوقة والتقارير الحكومية في عدد من الدول الأوروبية التي تحذر من خطورة الجماعة وتكشف عن أنشطتها، لا يبدو أن هناك حتى الآن تحركات حقيقية لحظر الجماعة، غير أن الولايات المتحدة أخذت بالفعل المبادرة الأسبوع الجاري عندما وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً جديداً، طالب فيه إدارته ببدء عملية تصنيف فروع لـ”الإخوان المسلمين” كـ”منظمات إرهابية أجنبية”. ونص الأمر التنفيذي على مراجعة فروع “الإخوان” في مصر والأردن ولبنان، وجاء بعد أيام قليلة من خطوة حاكم تكساس غريغ أبوت غير المسبوقة إعلان كل من “الإخوان المسلمين” و”مجلس العلاقات الأميركية–الإسلامية”، “منظمات إرهابية أجنبية” على مستوى الولاية، ومنعهما من شراء الأراضي في تكساس.

وتطرح الخطوة الأميركية تساؤلاً واقعياً، عما إذا كانت ستدفع إلى إجراءات جادة داخل الدول الأوروبية أو توحيد الجهود الأوروبية نحو خطوة مماثلة.

يعتقد مراقبون بأن التحرك الأوروبي تأخر كثيراً، وأصبحت هناك أجيال من المسلمين الذين ولدوا أو نشأوا في أوروبا، منفصلين عن مجتمعهم ويعيشون داخل دوائر إسلامية مغلقة من مدارس وجمعيات وحتى قنوات تلفزيونية موجهه للمسلمين فقط. ويلقي آخرون باللوم على تيارات داخل أوروبا بررت هذا، حتى إن التغطيات الإعلامية نفسها لحوادث العنف التي ينفذها شباب بتحريض من دعاة التطرف، تتجنب إلقاء اللوم على الإسلام الراديكالي المدفوع من جماعة “الإخوان المسلمين”.

وعندما كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال خطابه الشهير بمدينة ميلوز الشرقية في الـ18 من فبراير (شباط) عام 2020، عن حملة حكومته ضد ما وصفه بـ”الانفصالية الإسلامية” لحركات الإسلام السياسي التي لا تتوافق مع الحرية والمساواة، قوبل ذلك بانتقادات واسعة بطبيعة الحال من تركيا التي يمثل نظامها راعياً لـ”الإخوان المسلمين” في الخارج، وحتى مما يسمى “الدوائر التقدمية” التي تقول إن باريس تروج لنوع من العلمانية “المتطرفة”، على رغم أن ماكرون شدد على التمييز بين غالبية المسلمين الفرنسيين الذين يعيشون بسلام، وبين الأقلية المتطرفة التي تشكل تهديداً.

ويقول زميل معهد هدسون للأبحاث السياسية في واشنطن ماثيو بويسي إن شبكات واسعة من الإسلاميين المرتبطين بـ”الإخوان المسلمين” وغيرها من الجماعات الإسلامية، تحرص على دعوة المسلمين إلى الانعزال عن ثقافة البلدان المستضيفة. وتبرز الحالات الأكثر وضوحاً في الضواحي الفرنسية، حيث يقيد الإسلاميون الاختلاط بين المسلمين وغيرهم ويشجعون التطرف. ويصف أستاذ “السوربون” برنار روجيه هذه المناطق بأنها حاضنة لكراهية الديمقراطية والغرب واليهود وغيرها من الفئات، ويرى أن البيئة التي يخلقها “الإخوة السلفيون” كانت سبباً أكثر أهمية من التهميش أو البطالة في دفع الشباب نحو التطرف، إذ توفر منظومة مناسبة لتجنيد الجهاديين وخدمة الأهداف الإسلاموية الأخرى.

وفي حين تيقظت الأجهزة الأمنية في أوروبا لذلك الخطر منذ العقد الأول من القرن الـ21، فإن السياسيين بدأوا التنبه له بعد نحو عقدين من التحذيرات الأمنية، إذ قامت دعوات أوروبية خلال مطلع العقد الحالي إلى تشكيل جبهة مشتركة ضد “الإسلام السياسي” الذي تمثله جماعة “الإخوان المسلمين”. ففي أعقاب هجوم إرهابي كبير استهدف الأراضي النمسوية عام 2020كان الأول منذ 1985، دعا مستشار النمسا سيباستيان كورتس آنذاك القادة الأوروبيين إلى تشكيل جبهة مشتركة ضد “الإسلام السياسي”. وأعرب كورتس خلال مقابلة مع صحيفة “دي فيلت” الألمانية في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، عن آماله في أن “تدرك دول أوروبا كلها أخيراً مدى خطورة أيديولوجيا الإسلام السياسي على حريتنا وأسلوب الحياة الأوروبي”، مضيفاً أن “على الاتحاد الأوروبي التركيز بقوة أكبر على مشكلة الإسلام السياسي في المستقبل”.

ومع ذلك، وعلى رغم تحركات الولايات المتحدة نحو حظر “الإخوان”، لا يعتزم الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوة مماثلة حالياً،فيشير مسؤولون أوروبيون إلى أن جماعة “الإخوان”، خلافاً لحركة “حماس” أو الجناح العسكري لـ”حزب الله” المدرجين بالفعل على قائمة المنظمات الإرهابية، ليست كياناً هرمياً موحداً، كما أن جمعيتها ومؤسستها تعملان بصورة قانونية في عدد من الدول الأعضاء. ووفق مراقبين، فإن أية خطوة لإدراجها على قائمة الإرهاب تتطلب إجماعاً بين حكومات الدول الـ27، مما لم يتحقق حتى الآن.

ويشرح بويسي الأمر على نحو أوسع، فيشير إلي أن معظم التغييرات السياسية في أوروبا غير شاملة وتواجه مقاومة داخلية كبيرة. ويعزى تردد السياسيين في مواجهة “الإخوان المسلمين” والإسلاميين إلى أسباب عدة، أبرزها أن كثيراً من أنشطتهم لا تزال قانونية، إضافة إلى قوانين خطاب الكراهية التي تستخدم لاتهام أي ناقد بأنه “عنصري” أو “كاره للإسلام” أو داعم لليمين المتطرف. ويضيف أن أية دولة في الاتحاد أو “الناتو” لم تعتمد نهجاً شاملاً، ولا توجد أية وثيقة مركزية من الاتحاد الأوروبي ترشد الحكومات لكيفية التعامل مع المنظمات الإسلامية، مما يؤدي إلى اختلافات واسعة بين الدول.

ويستبعد مراقبون أن ينسخ الاتحاد الأوروبي التصنيف الأميركي لجماعة “الإخوان المسلمين” بصورة مباشرة بسبب الأطر القانونية الصارمة، لكنهم يعتقدون بأن تؤدي خطوة واشنطن إلى تشدد المواقف في عواصم مثل باريس وفيينا، فضمن تعليقات لموقع “ميديا لاين” الأميركي، أوضح الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب لدى مؤسسة “جيمس تاون” دانييل غاروفالو أن “الغرب يمتلك تقاليد قانونية ومؤسسية تجعل تصنيفات الإرهاب أكثر تعقيداً، فهناك الحاجة إلى الأدلة والإجراءات القانونية الواجبة وتقدير تأثير التصنيف في الحريات المدنية وحرية تكوين الجمعيات. وهذا أمر غير بسيط، بخاصة عند التعامل مع جماعات واسعة الانتشار لها شرعية جزئية داخل المجتمعات المسلمة في الغرب”.

ووفق غاروفالو، فإن الحلول القانونية السريعة وهمية، إذ إن هذا النوع من الشبكات شديد المرونة، ولا يكفي تصنيفهم كإرهابيين بالمعنى العسكري لتفكيك شبكة أيديولوجية ناعمة، بل هناك حاجة إلى مزيج من الأدوات التي تتعدد بين الرقابة المالية والتدقيق الإداري ومراجعات للجمعيات.

مكافحة الأيديولوجيا أولاً

بالنظر إلى الطبيعة السرية لعمل جماعة “الإخوان المسلمين”، جنباً إلى جنب مع البيئة القانونية الأوروبية، يميل المراقبون إلى خيار مكافحة أيديولوجيتهم، فيقول الزميل لدى “المركز الأوروبي للعدالة والقانون” يوسف عايض إنه تنبغي معالجة الأيديولوجيا أولاً من أجل تفكيك نفوذ جماعة “الإخوان المسلمين”. فعلى سبيل المثال، جرى حل “التجمع ضد الإسلاموفوبيا” في فرنسا عام 2020، لكنه عاد للظهور فوراً في بروكسل تحت اسم “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا”.

إضافة إلى ذلك، يقول عايض إن اتهام منتقدي أيديولوجيا “الإخوان” بالعنصرية أو الـ”إسلاموفوبيا” يشكل غطاء يحمي مشروعاً سياسياً–دينياً يضطهد المسلمين أنفسهم قبل غيرهم، فالحقيقة أن “الإخوان المسلمين” هم من يقومون بـ”قولبة” المسلمين وادعاء التحدث باسمهم. فالمسألة ليست حظر الإسلام، بل مقاومة تسييس الدين الإسلامي، مما يشكل تهديداً مباشراً لأسس الديمقراطية الغربية. ويوضح أن “الإخوان”، وفقاً لاستراتيجيتهم القائمة على النفوذ منخفض الظهور، لا يملكون أي هيكل سياسي أو ديني رسمي يعلن ارتباطه بالجماعة. لذلك، يجب التصدي لأيديولوجيا “الإخوان” نفسها، وللاتهامات المضللة بـالـ”إسلاموفوبيا” من أجل تفكيك نفوذهم.

وتعتمد استراتيجية انتشار “الإخوان” على السرية والسعي إلى اكتساب شرعية علنية واتهام الخصوم بما يسمى الـ”إسلاموفوبيا”، وبحسب التقرير الحكومي الفرنسي، يقوم التنظيم الذي ينضم إليه الأعضاء بعد اجتياز “عملية تهيئة من 10 مراحل” على هيكل مزدوج، أحدهما رسمي يلتزم الأطر القانونية، والآخر سري يتمحور حول “مجلس الشيوخ”. وفي ما يتعلق بازدواجية الخطاب، ينقل التقرير عن الرئيس السابق لـ”اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” (حالياً “مجلس المسلمين الأوروبي”) شكيب بن مخلوف قوله إن البيئة القانونية الأوروبية تتيح “تقديم نموذج المسلم المحترم الذي ينظر إليه على أنه نموذج إيجابي لنشر الإسلام، من دون لفت الانتباه إلى أننا نقوم بعملية أسلمة للغرب”.

ويرى ماثيو بويسي أن هناك مؤشرات قليلة على أن القادة الأوروبيين يغيرون نهجهم جذرياً، فبعدما استفاد حزب العمال البريطاني من أصوات الإسلامويين خلال انتخابات يوليو (تموز) عام 2024، فمن غير المرجح أن تواجه حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر جماعة “الإخوان” التي تنتشر جمعيتها بقوة. وقد يضطر ماكرون أيضاً إلى مسايرة اليسار في السياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط نظراً إلى أدائه الانتخابي القوي، على رغم تعيينه لرئيس وزراء محافظ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى