محمد الجزار: باماكو تحت الحصار: لماذا يكافح جيش مالي لكسر الحصار الجهادي للعاصمة؟
محمد الجزار 23-11-2025: باماكو تحت الحصار: لماذا يكافح جيش مالي لكسر الحصار الجهادي للعاصمة؟
الأفكار الرئيسية للموضوع :
-تحليل أسباب وتداعيات حصار جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) لجنوب مالي .
– المعوقات التي تمنع جيش مالي عن فك الحصار ومكافحة الجماعات الإرهابية .
– تفسير الجرأة المتزايدة للجماعات الجهادية في حصار مالي وتصاعد دورها في منطقة الساحل .
مقدمة :
عندما أطاح الجيش بالحكومة المنتخبة في مالي عام ٢٠٢٠، وعد قائد الانقلاب العسكري الجنرال عاصمى جويتا بالقضاء علي الجماعات الارهابية في شمال البلاد , حيث كانت مالي تسعي للقضاء عليهم لما يقرب من عقد من الزمان , وذلك لأنه تنشط في مالي العديد من الجماعات الإرهابية , وعلي رأسها جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة ، تعرف محليا باسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) ، وهي الجماعة الأكثر عنفا , بناء علي جرأة هجماتها واتساع نطاقها , كما ترفض الجماعة سلطة الدولة ، وتسعى إلى فرض تفسيراتها الخاصة للإسلام والشريعة , وعلى الرغم من تعهد الحكومة العسكرية بتعزيز الأمن ، فقد سجل ارتفاع في أعمال العنف ضد المدنيين في مالي عام ٢٠٢٣ بنسبة تصل إلي ٣٨٪ , وفقًا لبيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح .
وفي ذات السياق أفادت منظمة مراقبة حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش” , أن الجماعات الإرهابية المسلحة نفذت ٣٢٦ هجوما ضد المدنيين بين ١ يناير و٣١ أكتوبر ٢٠٢٤، وأسفرت عن مقتل ٤٧٨ شخصا , وفي سبتمبر 2024 ، هاجمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مطار باماكو الدولي وثكنة عسكرية في العاصمة , وبعد سنوات من الهجمات المتصاعدة ، دخل تمرد مالي مرحلة جديدة , حيث انتشر العنف الآن في شمال ووسط مالي إلى جنوبها , كما أدى حصار جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لجنوب مالي منذ سبتمبر 2025 إلى قطع طرق التجارة ، وتجويع المدن ، واختبار مدى قدرة الدولة في مالي على السيطرة على هذا البلد غير الساحلي .
أولا : الأهداف الاستراتيجية لحصار مالي :
يعتقد الدكتور أولوولي أوجيوالي الباحث الأمني المتخصص في شؤون غرب ووسط أفريقيا ، وتركز أبحاثه علي الأمن في مالي وقضايا الإرهاب وتهريب الأسلحة , أن استراتيجية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الأخيرة خطيرة للغاية ، لأن هدفها استراتيجي واقتصادي ونفسي وسياسي , حيث يعد هذا الحصار أداة متعمدة للحكم القسري والحرب غير المتكافئة التي تمثل صراعا بين المقاتلين غير النظاميين وقوات الجيش ، مصمم لإضعاف الحكومة العسكرية ، وتحريض الجمهور ضدها ، وربما ترسيخ السيطرة.
كما أنه لم يتمكن الجيش المالي من طرد الإرهابيين لأن مناطق الحصار شاسعة ، وشبه قاحلة ، وتتقاطع فيها طرق غير خاضعة لسيطرة الحكومة ، مما يصعب عملية المراقبة , بجانب وقوع العديد من هذه المناطق بعيدا عن متناول الوجود الفعلي للدولة ، حيث أن تحركات الجيش تكون بطيئة ، بينما يختلط المتمردون بالمجتمعات المحلية والغابات بسهولة نسبية.
وفضلا عما سبق فإن التضاريس في تلك المناطق تتيح استخدام أساليب حرب العصابات , فالطرق الضيقة ، ومسارات الأدغال ، والأنهار الموسمية تشكل عوائق طبيعية أمام التحركات العسكرية الآلية , وهو ما يساعد المجموعات الإرهابية التي تستخدم الدراجات النارية في التحرك بسهولة , وتنفيذ عملياتها .
ثانيا : التداعيات الخطرة لحصار مالي :
لقد أدى حصار جنوب مالي الذي بدأ في سبتمبر 2025 ، إلى قطع الإمدادات الأساسية عن المنطقة مما خلف عواقب إنسانية واقتصادية وخيمة , حيث أوقفت مالي الدراسة في المدارس والجامعات مؤخرا بسبب النقص الحاد في الوقود الناجم عن الحصار, كما يبرز الحصار حقيقة أن الجيش المالي يعاني من سوء التجهيز، وإرهاق شديد ، وضعف استراتيجي في مواجهة التكتيكات الإرهابية المتطورة .
وكذلك لا يمثل الحصار حصارا عسكريا تقليديا يتضمن خنادق أو مواقع محصنة ، بل يشكل حصارا معقدا ، حيث يقطع الطرق التي تربط مالي بجيرانها الساحليين ، وخاصة السنغال وكوت ديفوار , التي تعد طرقها شرايين حيوية لاقتصاد مالي ، حيث تشكل ممرات للتجارة والوقود والإمدادات الإنسانية , كما أن قطعها لا يعزل المجتمعات فحسب ، بل يقوض أيضا ثقة الجمهور في قدرة الدولة على حكم وتأمين حدودها.
ثالثا : المعوقات التي تمنع جيش مالي عن فك الحصار :
إن عجز الجيش المالي عن رفع الحصار يرجع إلى خوضه صراعا غير نظامي وغير متكافئ مع جماعة متمردة متنقلة وراسخة الجذور , كما أن القوات المسلحة المالية مجهزة للحرب التقليدية ، لكنها تجر إلى معركة تتطلب مرونة وهيمنة استخباراتية , وقدرات عسكرية تساعدها على الاستجابة للمعارك السريعة.
ومن ناحية أخرى تزدهر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بفضل قدرتها على التنقل واللامركزية , حيث يتحرك مقاتلوها بخفة ، مستخدمين الدراجات النارية والأسلحة الصغيرة , ويمكنهم شن هجمات سريعة والتراجع إلى مناطق وعرة قبل أن تتمكن القوات الحكومية من الرد.
وكذلك يعاني جيش مالي أيضا من نقص اللوجستيات العملياتية , فضلا عن مالي إلى القدرات العسكرية , والتي لا تستطيع اكتسابها بسهولة في ظل العقوبات الحالية والعزلة الدولية المفروضة عليها .
وعلى الرغم من أن المجلس العسكري الحاكم للبلاد قد طلب المساعدة من خلال شراكته العسكرية مع مجموعة فاجنر الروسية المعروفة الآن باسم فيلق أفريقيا , إلا أن هذا التعاون لم يثمر إلا القليل .
وفي ذات الوقت فإنه عندما تفرض جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حصارات متعددة في وقت واحد في جنوب مالي ، يواجه الجيش مهمة مستحيلة , تجعل قواته مشتتة للغاية بحيث لا تستطيع شن هجوم مضاد منسق ومستدام , كما تواجه التعزيزات كمائن على طرق سيئة الصيانة ، أو تجد نفسها في مناطق غير معروفة لها .
رابعا : الجغرافيا والحوكمة واللامركزية الاستراتيجية :
إن الجغرافيا تفسر الشلل العسكري الموجود في مالي , وذلك يوضحه اتساع مناطق الحصار الشاسعة والبعيدة عن متناول اليد ، والتضاريس المليئة بالعقبات الطبيعية , ولطالما كافحت الدولة المالية لتوسيع حضورها خارج المراكز الحضرية كباماكو وسيجو , وفي المناطق الريفية ، غالبا ما ينظر إلى وصول الجيش ليس على أنه عودة للحكم ، بل كتدخل , وخاصة في ظل تزايد مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان , وكذلك فقد أدت سنوات الإهمال والفساد وممارسات مكافحة التمرد التعسفية إلى نفور السكان المحليين وتآكل شبكات الاستخبارات.
وتهدف عمليات الحصار التي تقوم بها الجماعات الجهادية إلى شل حركة باماكو , بعد أن كانت محصورة في صحاري شمال البلاد وسهولها الوسطى ، حيث تقدمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بثبات جنوبا على مدى السنوات القليلة الماضية ، ونفذت هجمات متفرقة بالقرب من العاصمة.
خامسا : ما الذي يفسر هذه الجرأة المتزايدة لجماعة مسلحة بأسلحة قليلة لا تتجاوز الدراجات النارية وبنادق الكلاشينكوف؟
يكمن الجواب في المنطق التنظيمي , فبخلاف الحركات التي تعتمد على هيكل قيادي واحد ، تعمل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كشبكة شديدة اللامركزية من خلايا شبه مستقلة , وهذا يسمح لها بالتكيف بسرعة مع الظروف المحلية ، واستغلال نقاط ضعف الدولة ، وتوسيع نفوذها دون استنزاف مواردها , حيث تستغل كل خلية المظالم المحلية لتجنيد عناصر جديدة واستمرار عملياتها , وهو ما يعزز قدرتها على التكيف , وهي أعظم نقاط قوة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وأشد نقاط ضعف الدولة المالية .
سادسا : مفارقة العسكرة :
على الرغم من زيادة الإنفاق العسكري ، وبناء تحالفات جديدة , وارتفاع حدة الخطاب الأمني ، إلا أن امتداد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الإقليمي وتطورها التكتيكي قد ازداد عمقا , حيث أنه كلما ازدادت عسكرة الدولة ، قل شعور مواطنيها بالأمن , وتعكس هذه المفارقة اتجاها أوسع نطاقا في منطقة الساحل , لأن جهود مكافحة التمرد غالبا ما تكون عسكرية ، دون معالجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والإدارية التي تدعم التمرد.
كما أن الفساد ، وعدم المساواة ، والتهميش المحلي من بين هذه الظروف التي تدعم التمرد , وهكذا تصبح الحملات العسكرية مجرد محاولات احتواء لا حل , وفي هذا السياق لا يعد حصار جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتوغلاتها مجرد مناورات عسكرية ، بل تصريحات سياسية حول من يسيطر حقًا على المناطق النائية في مالي .
سابعا : حرب تتجاوز القوة النارية :
إن الحصار في جنوب مالي يكشف عن حدود القوة العسكرية المتمركزة حول الدولة في حرب غير متكافئة , ويتطلب رفع الحصار نهائيا أكثر من مجرد انتصارات تكتيكية بل يتطلب إعادة النظر في الأمن , ويجب على الحكومة العسكرية التعاون مع جيرانها مثل السنغال وكوت ديفوار.
وأخيرا : يجب أن تترافق استعادة الأراضي مع إعادة بناء الثقة ، واستعادة الحكم الرشيد ، ومعالجة المظالم , وإلى ذلك الحين يبدو أنه حتي الآن تتفوق دراجات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين النارية وبنادقها الكلاشينكوف على دبابات المجلس العسكري في مالي وخطابه.
المؤلف : الدكتور أولوولي أوجيوالي , وهو باحث متخصص يشغل منصب المنسق الإقليمي في مكتب غرب إفريقيا التابع لمعهد الدراسات الأمنية (ISS) , وله عشرات الأبحاث والدراسات الأكاديمية المتعلقة بالجريمة المنظمة والعابرة للحدود الوطنية في ثمانية دول , كما يقدم المشورة الاستراتيجية للجنة رؤساء الشرطة في وسط إفريقيا , كما عمل خبيرا كذلك في ديناميكيات الأمن والتنمية في إفريقيا في منتدى الأمن العالمي .
الناشر : ( ( The Conversation, وهي شبكة متخصصة في إصدار التقارير والأبحاث والمقالات الأكاديمية المعتمدة من جامعات وهيئات بحثية متخصصة , وتم إطلاق هذه المنصة في استراليا عام 2011 , كما أنشأت شبكة مخصصة لدراسات أفريقيا في 2015 .
رابط الموضوع :



