معاريف: المجتمع منقسم الى قسمين
معاريف 14/11/2025، الون بن دافيد: المجتمع منقسم الى قسمين
وفي هذا الأسبوع اطلالة حادة وواضحة على الهوة التي فتحت بين قسمي الشعب – والعمق الذي كشفت عنه كان مخيفا. يوم الاثنين، في الوقت الذي كانت هيئة الأركان تعرض فيه “تحقيق التحقيقات” – جهد الجيش الإسرائيلي بالنزول الى جذور الفشل – وقف رئيس الوزراء في الكنيست وأوضح بانه لن يكون هنا أي تحقيق رسمي بل فقط تحقيق هو يهندسه.
يوم الثلاثاء شيع الى مثواه الأخير الملازم هدار غولدن في استعراض للتضامن الإسرائيلي الذي تتقاطع فيه الطوائف والقبائل. في ذاك الوقت وقف ممثلو الحكومة في المحكمة العليا وادعوا حقهم في هندسة تحقيق آخر – تحقيق النائبة العسكرية العامة السابقة، عدوة الشعب الجديدة.
بحكمتها أقصت عائلة غولدن النبيلة السياسيين عن المكانة المقدسة هذه. “أدمنا على المال، القوة والتشريف”، قال سمحا غولدن في الجنازة، وأب ثاكل آخر، رافي بن شطريت أعاد الكرامة الى العائلات الثكلى.
بعد بضع ساعات من ذلك انطلق نحو 100 يهودي لتنفيذ اعتداء في قرية بيت ليد، كما قال قائد المنطقة الوسطى – “باعجوبة فقط لم تنتهي بقتلى”. وسارع رئيس الوزراء في الغداة الى التنديد. ليس بالمشاغبين، لا سمح الله، بل لاثنين من ابواقه ممن تجرآ على التشكيك بمؤهلات وصلاحيات زوجته وابنه لان يقررا تعيينات كبار المسؤولين. وزير الدفاع، ممثل صاحب السيادة في يهودا والسامرة، سارع لان يفعل فعلا: اعلن عن اغلاق محطة صوت الجيش.
هذا ما يشغل قيادتنا في الأيام التي يقف فيها البرابرة مرة أخرى على اعتادنا سواء من لبنان او من طهران. في الوسط نشر تقرير مفاجيء آخر في حدته أصدره مراقب الدولة يقضي بان نتنياهو لم يمارس مسؤوليته لصياغة وغرس مفهوم امن قومي لإسرائيل. لكن لمرور ثلاثة أيام، من لا يزال يتذكر تقريره؟
القسم سوي العقل من إسرائيل، القسم الذي تمسك بالديمقراطية ولم ينجرف الى عبادة حكم الفرد، يركز الان على الصراع لاقامة لجنة تحقيق رسمية. وهو يتوق الى الفكرة التأسيسية التي بنيت على مدى سنوات وجود الدولة، وفيها يكون الرد الغريزي على الصدمة هو إقامة لجنة تحقيق رسمية. التطلع هو أن تؤدي لجنة تحقيق الى الإطاحة ببنيامين نتنياهو. ان تلقي عليه المسؤولية في عصر لم يعد فيه الاخذ بالمسؤولية نمطا سائدا.
الخبير في شؤون لجان التحقيق في إسرائيل، د. دوري كلجسبلد، يدعي بان التركيز الجماهيري على الاستنتاجات الشخصية للجنة يحرف النقاش الهام عن اصلاح مواضع الخلل المنظوماتية، والذي هو الهدف الأساس لاقامة لجان التحقيق. وتفيد التجربة بان عموم استنتاجات لجان التحقيق، المنظوماتية والشخصية، سرعان ما تطحن تحت طواحين الزمن.
دائرة الرقابة في شعبة الاستخبارات العسكرية، الجسم الذي أقيم كدرس من حرب يوم الغفران لتوفير “السيناريو المتعذر” تقلصت وتعفنت على مدى السنين. نهايتها انها لم تعد ذات صلة ولم تنجح في تحدي المفهوم الذي كان سائدا عشية 7 أكتوبر. كما أن محافل البحث التي أقيمت في الموساد وفي الشباك لاجل انتاج تعددية في التقدير الاستخباري لم تنجح في التحذير من الكارثة المقتربة.
الحقائق باتت هنا
لجنة اغرانات المجيدة التي تشكلت بعد اقل من شهر من انتهاء حرب يوم الغفران، بتشكيلة من رئيس المحكمة العليا، قاضي عليا، رئيسي اركان ومراقب الدولة هي الأخرى لم تتـأزر بالجسارة لان تلقي بالمسؤولية على القيادة السياسية. وركزت فقط على رجال الجيش. اما الإصلاح في القيادة فقد قام به المجتمع الإسرائيلي بنفسه: بداية بالاحتجاج الذي أدى الى استقالة رئيسة الوزراء ووزير الدفاع ولاحقا أيضا في التحول السياسي وتبادل الحكم.
هكذا كان في عصر لم يخترع فيه بعد اصطلاح “ما بعد الحقيقة”. في إسرائيل 2025، حيث توجد حقائق وحقائق بديلة فان استنتاجات أي لجنة تحقيق، حتى تلك التي تعين الجارة بنفسها أعضاءها سرعان ما ستصنف كمتحيزة سياسيا. قسم من الشعب سيتبناها، قسم آخر سيرفضها باحتقار، ومعقول ان يتناولها موضع النقد الرئيس كمجرد ورقة امتصاص في افضل الأحوال.
ان التطلع الى هيئة مستقلة، ظاهرا، ترتب الحقائق وتشرح كيف حصل ما لا يصدق هو تطلع واضح ومفهوم. كما انه هو الامر الصحيح الذي ينبغي القيام به، أخلاقيا وتاريخيا. الناس والعائلات التي دفعت الثمن الباهظ يريدون أجوبة: كيف حصل هذا، والاهم – بمسؤولية من.
لكن الحقائق باتت موضوعة امامنا، او الادق امام من هو معني بالحقائق. التحقيقات المفصلة التي أجريت في الجيش، في الشاباك وفي الموساد، عرضت بمعظمها. وهي ترسم الطريق التي سرنا فيها بعيون مفتوحة الى الكارثة. كما أن جهود نتنياهو لتطوير حماس كانت مكشوفة في الزمن الحقيقي مثلما هو أيضا عماه عن التهديد الكامن في غزة.
يمكن ان نفهم التطلع بان تجد مسؤولية نتنياهو ختما رسميا من لجنة تحقيق. لكن نظرة أخرى الى ما يجري هنا ستوضح بان ختما رسميا اليوم لم يعد يساوي الحبر الذي فيه. فهو سيصبح علما لمعسكر ما – ويندد به من المعسكر المضاد. ان إقامة لجنة تحقيق هي الفعل الصحيح، الأخلاقي والتاريخي لكنه لن يشفي الامراض العميقة للمجتمع الإسرائيلي.
وعليه، فان الصراع لاقامة لجنة تحقيق، حتى وان كان عادلا بما لا مثيل له، مشكوك جدا ان ينجح، ومن شبه اليقين أن يتوجه في النهاية كصراع عقيم. الصراع الاجتماعي، بالمقابل، اثبت في التاريخ الإسرائيلي قوته. حركات احتجاج، في معظمها من خارج البرلمان أدت في إسرائيل الى تبادل الحكم، الى اتفاقات سلام، الى انسحاب من لبنان والى تغييرات في السياسة.
ليس صدفة ان عمل رئيس الوزراء منذ 8 أكتوبر على ترميم البروتوكولات وإعادة كتابة التاريخ. من مثله يعرف قوة الشارع الإسرائيلي. الحقائق باتت موضوعة امامنا ولا حاجة بنا لان ننتظر لجنة تحقيق كي تحدث التغيير.



