عمرو حمزاوي: السلاح في الشرق الأوسط
عمرو حمزاوي 11-11-2025: السلاح في الشرق الأوسط
سباقُ التسلّح في منطقة الشرق الأوسط ليس ظاهرةً جديدة، لكنه شهد في السنوات الأخيرة زخماً وتصاعداً نوعيّين على وقع صراعات محلية وإقليمية، تقاطع مصالح دولية، وتحولاتٍ اقتصادية سمحت لبعض القوى بتخصيص موارد ضخمة للدفاع والاقتناء العسكري.
هذا التصاعد لا يعكس فقط رغبةً في تعزيز القدرات العسكرية، بل يعكس أيضاً مناخاً عسكريّاً ودبلوماسيّاً متوتّراً يعيد رسم موازين القوى، ويكبّل الفرص السياسية للتهدئة والتعاون الاقتصادي. إسرائيل، على سبيل المثال، سجّلت قفزة هائلة في نفقاتها العسكرية خلال 2024، حيث بلغت مخصصات الدفاع مستوياتٍ غير مسبوقة. فقد أشارت تقارير دولية إلى أن إنفاق إسرائيل العسكري ارتفع إلى حوالي 46 مليار دولار في 2024، مع زياداتٍ استثنائية متصلة بالحرب في غزة ولبنان التي تلت أحداثٍ أكتوبر 2023. والزيادة هذه كانت من أكبر الزيادات السنوية في ميزانيتها الدفاعية منذ عقود، مما أضاف عبئاً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً داخل الدولة الإسرائيلية.
إيران، على صعيد آخر وعلى الرغم من الضغوطات الاقتصادية والعقوبات الدولية، حافظت على مستوى عالٍ من الإنفاق العسكري نسبيّاً بالنسبة لحجم اقتصادها. وفق بيانات مرجعية تبيّن إنفاقها في حدودٍ تُقارب 7 ـ 8 مليارات دولار في 2024، مع تفاوتات سنوية ناجمة عن تبعات السياسات الاقتصادية وإنتاج الأسلحة المحلية وبرامج الصواريخ والطائرات المسيرة. هذه الموارد تُستثمر ليس فقط في جيش النظام الرسمي، بل أيضاً في دعم شبكات إقليمية من الميليشيات والوكالات التي تعمل بإسناد طهران، وهو ما يضاعف تأثير ميزانيتها على الديناميات الأمنية في المنطقة.
أما دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، فقد دخلت بدورها مرحلةً توسعية في الإنفاق العسكري، مدفوعةً بوفرة إيرادات الطاقة وحرصها على تحديث جيوشها بالأسلحة الدقيقة والطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي وتقنيات الاستخبارات والأمن السيبراني. تشير تقديرات متعددة إلى أن إنفاق السعودية يقارب عشرات مليارات الدولارات سنوياً وأن مجموعة دول الخليج تمثل قوة شراء عسكرية ذات تأثير كبير على سوق السلاح العالمي، وبالتبعية على توازنات القوة الإقليمية.
ولسباق التسلح آثار عدة على الأمن الإقليمي ومخاطر كثيرة تنجم عنه أذكر منها:
تحوّل الإنفاق عن التنمية: الموارد المالية الضخمة الموجّهة للأسلحة والذخائر تقود إلى ضغط على الموازنات العامة وتقلّص الاستثمار في التعليم والصحة والبُنى التحتية في دولٍ لا يتمتع جميعها بوفرات مالية وتواجه تحديات اقتصادية واجتماعية، هذا التحوّل يزيد من هشاشة النسيج الاجتماعي ويولّد بدوره مخاطر عدم استقرار داخلي.
تسريع سباق التسلّح والتقنيات القتالية: شراء دفقات الأسلحة المتطورة، وخصوصاً أنظمة مضادة للطائرات، صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة، يخلق حافزاً لدى الجيران في الشرق الأوسط لتعزيز مخزونهم من السلاح مما يدفع إلى دائرة مفرغة من التسلّح المتسارع تزيد احتمال وقوع صراعات عسكرية واشتباكات مسلحة.
انتشار السلاح وعدم الشفافية: التدفقات من أسواق السلاح العالمية ونمو الصناعات المحلية والتعامل مع وسطاء يقلّلان من شفافية الترسانات العسكرية. هذا يفاقم الشكوك ويُصعّب آليات الثقة المتبادلة، ويجعل عمليات التحقق ومراقبة التسلّح أكثر صعوبة في منطقة تعاني من عديد الحروب والصراعات العسكرية.
الحروب الإقليمية والنزاعات العسكرية بالوكالة: فإنفاق دول على السلاح يشجعها على التورط في الحروب والصراعات المباشرة وكذلك بالوكالة ومن ثم تتسع رقعة الصراع وتتمكّن أطراف غير حكومية وميليشيات مسلحة من امتلاك قدرات قتالية تؤثر على استقرار الدول.
المخاطر الاقتصادية والديبلوماسية: اعتماد دول الشرق الأوسط على معدات عسكرية مستوردة وعمليات صيانة مستمرة يربط اقتصاداتها بعلاقات استراتيجية طويلة الأمد مع مزوّدي السلاح، ما قد يؤثر على قدرة هذه الدول على اتخاذ مبادرات دبلوماسية مستقلة ويعقّد مساعي بناء توازن إقليمي مستقل.
والحقيقة أن الأمن في منطقةٍ معقدة كالشرق الأوسط لا يمكن أن يُبنى على قدراتٍ عسكرية فقط؛ بل يتطلّب آلياتٍ سياسية وقانونية للتعامل مع الأسباب العميقة للحروب والصراعات. ولن يتأتى ذلك دون تفكير واقعي في فرص بناء منظومة أمن جماعي قائمة على سياسات مشتركة للتخفيف من سباقات التسلح وآليات للشفافية والثقة وتسويات سياسية للنزاعات وتعاون اقتصادي وتجاري على امتداد المنطقة. وقد ترتبط منظومة أمن جماعي شرق أوسطية، وفيما خص الحد من سباقات التسلح تحديدا وكما يقترح معهد سيبري السويدي، بتطوير الأدوات التالية: آلية شفافية وإبلاغ مسبق بالصفقات وفقا لاتفاق إقليمي (بدعم أممي) لتبادل معلومات عن مشتريات السلاح الكبرى وأنظمة التسليح الاستراتيجية، اتفاقات تقييدية وقيود مرحلية مثل إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ووقف تطوير أنواع محددة من الأسلحة الهجومية أو نشرها في مناطق حساسة، مناطق خفض تصعيد وإدارة نزاعات كإنشاء لجان إقليمية لتسوية الحروب والصراعات الإقليمية وتضمن قنوات اتصال عسكرية ومدنية لتفادي التصعيد، برامج تعاون بين دول الشرق الأوسط في مجالات الأمن والتعاون التجاري والاقتصادي مثل مكافحة الإرهاب عبر تبادل المعلومات وقواعد البيانات وتعاون سيبراني ومشاريع اقتصادية مشتركة على نحو يقلل من النزوع للصراع والمواجهة، وأخيرا دور فاعل للمؤسسات الدولية والفاعلين العالميين فالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يمكن لهما المساعدة على تطوير وتنفيذ برامج بناء الثقة في الشرق الأوسط بينما تستطيع الدول الكبرى أن تطبق سياسة تصدير أسلحة مسؤولة تراعي الاستقرار الإقليمي.
يحمل السباق نحو التسلّح في الشرق الأوسط تكلفةٍ مالية وإنسانية كبيرة، ويُبعد المجتمعين السياسي والمدني عن السعي إلى حلولٍ سلمية للأزمات كبناء منظومة أمن جماعي إقليمية. وليس الوصول إلى الأمن الجماعي في منطقة مليئة بالحروب والصراعات بالحل السهل، بل هو يتطلّب إرادة سياسية وصبرًا دبلوماسيًا وضمانات دولية لا تأتي بسهولة. غير أن الفشل في السعي إلى الأمن الجماعي يعني تحمّل كلفة المزيد من الحروب والصراعات، والمزيد من الإنفاق العسكري على حساب حق الناس في الحياة، وإضعاف فرص التنمية والاستقرار. أمام الشرق الأوسط خياران، إما الاستمرار في سباقات التسلّح التي تزيد من مخاطر الانهيار الأمني أو العمل بشكلٍ منسق لبناء آليات ثقة وإجراءات سياسية تحد من الحروب والصراعات وتمكن من تسويتها سلميا وتفتح الباب أمام تعاون يبني الأمن للجميع في منطقتنا.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook



