معهد بحوث الأمن القومي (INSS): اليوم التالي لترامب: كيف ينبغي لإسرائيل أن تستعد للهزة المرتقبة؟

معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 9/11/2025، تمير هايمان وأفيشاي بن ساسون-غورديس: اليوم التالي لترامب: كيف ينبغي لإسرائيل أن تستعد للهزة المرتقبة؟
تتوافق خطة ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة بشكل كبير مع المصلحة الإسرائيلية الأوسع: إعادة المخطوفين من أسر حماس، ونهاية الحرب، وإبعاد حماس عن السلطة في قطاع غزة، ونزع سلاح حماس، وتعزيز علاقات إسرائيل الجيدة مع دول الشرق الأوسط، مع الحد من ميل إسرائيل إلى عزل نفسها على الساحة الدولية. علاوة على ذلك، يُعدّ اعتماد الخطة أمرًا بالغ الأهمية لتحفيز الرئيس ترامب على الترويج لمبادرات إضافية من شأنها تعزيز الأمن القومي لدولة إسرائيل.
قد يشير انخراط الرئيس ترامب في قضية أمن إسرائيل، وخاصةً خطة إنهاء الحرب في قطاع غزة التي قدمها، إلى علاقة قوية وعميقة بين إسرائيل والولايات المتحدة. (قد يقول البعض إن إسرائيل ستصبح مثابة محمية). قد يكون هذا الانطباع صحيحًا، ولكن عند تحليل الاتجاهات طويلة المدى، يجب إدراك الواقع الإشكالي الذي يتطور في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية والتعامل معه مسبقًا للحد من حدته.
في الواقع، تمر الولايات المتحدة بتغييرات داخلية جذرية، تمامًا كما يمر المجتمع الإسرائيلي. تتأثر العلاقات بين الدولتين بشدة بهذه التغييرات، وهي تغييرات ديموغرافية واجتماعية وسياسية. وبالاجمال، يمكن القول إن الصوت التقدمي الراديكالي يكتسب زخمًا متزايدًا في صفوف الجناح اليساري للنظام السياسي الأمريكي. هذا اتجاه متطرف يسعى للتكفير عن خطايا الآباء المؤسسين (استعباد السود وقتل السكان الأصليين للقارة) من خلال تمجيد الضعفاء والمستغلين وكراهية (بما في ذلك كراهية الذات) الرجل الأبيض، “المتميز”. من هذا المنظور، تُوصف دولة إسرائيل بأنها رمز “الرجل الأبيض القوي والمستغل” في مواجهة الشعب الفلسطيني الضعيف والمضطهد والمظلوم. وبعيدًا عن هذه الدوائر الراديكالية، يتعمق الإحباط تجاه إسرائيل لدى دوائر واسعة من اليسار الأمريكي المعتدل، ويزداد سوءًا في طريقة النظر إلى تصرفات الحكومة الإسرائيلية على الساحة الداخلية.
كما يتغير اليمين الأمريكي المحافظ. يتوق العديد من مؤيديه إلى فترة الخمسينيات المجيدة، التي واجهت خلالها الولايات المتحدة أيضًا تحديات على الساحة الدولية، لكنها في الواقع تمتعت بمكانة لا جدال فيها. الرئيس ترامب نفسه، كما يتضح من اختياراته الموسيقية وإشاراته السينمائية، معجب بالثمانينيات – رئاسة رونالد ريغان – التي عبرت أيضًا عن شوق إلى الخمسينيات. من وجهة نظر هذه الدوائر، كانت هذه هي السنوات التي برزت فيها الولايات المتحدة كقوة عالمية هائلة، بقيادة هيمنة الذكور البيض المسيحيين، والتي تشكل التمثيل النهائي لهذه الهيمنة. بهذا المعنى، فإن حركة MAGA التي يقودها الرئيس ترامب هي تعبير عن الأصولية (الشوق إلى الأساسيات). تتطلب “العظمة” الأمريكية في نظر شعبها الاستثمار في الولايات المتحدة (وفي هذا الإطار – النصر في المنافسة مع الصين)، بينما يُنظر إلى الاستثمار خارج الولايات المتحدة نفسها على أنه غير ضروري. يُنظر إلى إسرائيل، في أوساط شريحة متطرفة من هذا المعسكر، على أنها دولة استغلالية تحاول التلاعب بالولايات المتحدة لإجبارها على خوض حروبها – ليس بالضرورة بما يتوافق مع المصالح الأمريكية – مما يُضعف الولايات المتحدة في المنافسة على الهيمنة العالمية. إلى جانب ذلك، هناك أصواتٌ صاخبة في هذا المعسكر تُعبّر عن آراءٍ معاديةٍ للسامية بشكلٍ صارم وتربطها بإسرائيل.
تشير استطلاعات الرأي العام بوضوح إلى هذه الاتجاهات: هناك انخفاضٌ كبيرٌ ومستمرٌ في دعم إسرائيل بين المواطنين الأمريكيين، على المستويين العام والبرلماني. ووفقًا لمسحٍ أجراه معهد بيو في نهاية آذار 2025، فقد وصلت نسبة الأمريكيين الذين يُعبّرون عن رأيٍ سلبيٍّ تجاه إسرائيل إلى مستوىً قياسيٍّ بلغ 53 في المئة، ووصل التعاطف مع إسرائيل مقارنةً بالتعاطف مع الفلسطينيين إلى أدنى مستوى له منذ 25 عامًا. كما انخفض معدل التعاطف مع إسرائيل بين جميع البالغين في الولايات المتحدة إلى 46 في المئة فقط، وفقًا لاستطلاعٍ أجرته مؤسسة غالوب في آذار – وهو أيضًا أدنى رقمٍ في السنوات الخمس والعشرين الماضية. إن الارتباط الذي نشأ في الرأي العام الديمقراطي وبين قادة الأحزاب بين الحكومة الإسرائيلية والحزب الجمهوري يُعمّق هذه الاتجاهات بشكل أكبر، وقد يُترجم إلى سياسة خارجية مختلفة لإدارة ديمقراطية مستقبلية – أقل ميلاً إلى دعم إسرائيل.
تشير استطلاعات رأي أخرى إلى اتجاه مماثل: ففي استطلاع أجرته جامعة ماريلاند، يعتقد 41 في المئة من الأمريكيين أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية أو أعمالاً مماثلة في قطاع غزة. وقد ازداد الدعم للفلسطينيين تدريجياً ليصل إلى 33 في المئة (مقارنةً بـ 15 في المئة في عام 2016). ولا يزال الدعم لإسرائيل مرتفعاً بين الجمهوريين (75 في المئة)، ولكن هنا أيضاً بدأ اتجاهٌ تنازلي: فبين الفئة العمرية 18-34 عاماً، ينخفض الدعم لإسرائيل بشكل ملحوظ: 13 في المئة فقط يؤيدون إسرائيل مقارنةً بـ 67 في المئة ممن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً.
لا يزال الإنجيليون البيض مؤيدين متحمسين لإسرائيل، لكن الأبحاث تُظهر تراجعاً مستمراً في قوتهم ونطاق دعمهم. هذا المجتمع آخذ في الانكماش: فقد انخفضت نسبة الأمريكيين الذين يُعرّفون أنفسهم بأنهم إنجيليون من 23 في المئة عام 2006 إلى 14 في المئة عام 2020. إضافةً إلى ذلك، تتراجع مكانة إسرائيل بين هذه الفئة. فقد انخفض دعم إسرائيل بين الإنجيليين الشباب من 69 في المئة عام 2018 إلى 34 في المئة عام 2021، ولا يزال هذا الاتجاه مستمرًا. وتشير استطلاعات رأي جديدة إلى أنه في حين أن دعم إسرائيل بين الإنجيليين الشباب أعلى منه بين نظرائهم غير الإنجيليين، إلا أنه أقل بعشرات النقاط المئوية منه بين الإنجيليين الأكبر سنًا. باختصار، بالنظر إلى المستقبل، تقف إسرائيل على شفا هاوية سحيقة.
الاستنتاج: يجب استغلال الفرصة الفريدة التي يتيحها رئيسٌ استثنائي. ما دام الرئيس ترامب في البيت الأبيض، فإسرائيل لديها فرصةٌ عظيمة. يجب استغلال هذه الفرصة بالعمل على مسارين: جهدٌ لتشكيل الشرق الأوسط، وجهدٌ لتعظيم قوة إسرائيل وتعزيزيها. قد تُخفف هذه الجهود من حدة الاتجاهات السلبية التي تواجه إسرائيل، وتضمن مصالحها الحيوية في حال استمرارها.
السياسة المطلوبة لتشكيل الشرق الأوسط:
- الساحة الإقليمية/الفلسطينية: تُبلي الحكومة الإسرائيلية بلاءً حسنًا بقبولها رسميًا مبادرة ترامب، لكن علينا المضي قدمًا واستغلال الفترة الحالية لرسم الخطوط العريضة السياسية للفصل بين دولة إسرائيل وكيانٍ فلسطيني مستقل (منزوع السلاح، ذو سيادة محدودة، خاضع لاتفاقيات مع إسرائيل، كما طالبت إسرائيل في مفاوضات سابقة). بهذا المعنى، يُمكننا الربط بمبادرة ترامب للعام 2020 (صفقة القرن): هناك أجزاءٌ من هذه المبادرة قد تخدم إسرائيل جيدًا، بل إنها مُدرجةٌ في الخطة الحالية المطروحة. إن جسرًا بين مبادرتي ترامب قد يُمهّد الطريق لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.
- استراتيجية ثنائية المستوى ضد إيران: ضغط اقتصادي قد يُزعزع استقرار النظام، لكن هدفها الحقيقي هو دفع إيران إلى الموافقة على اتفاق نووي أفضل من سابقه. تجمع هذه الاستراتيجية بين سياسة الضغط الاقتصادي والسياسي الأقصى التي تقودها الولايات المتحدة، إلى جانب تهديد عسكري حقيقي، من خلال بناء قدرة هجومية إسرائيلية أمريكية مشتركة جديدة. إذا طرأ تغيير على النظام الإيراني، فهذا أفضل، ولكن إذا بقي النظام الإيراني في مكانه رغم كل هذه الإجراءات، فيجب استغلال نهاية ولاية ترامب لصياغة اتفاق نووي أفضل من سابقه، يضمن عدم امتلاك إيران أسلحة نووية أبدًا. من المستحسن عدم ترك هذا الأمر للرئيس القادم، كما تأمل القيادة الإيرانية.
- قيادة مسؤولة لسوريا نحو نظام معتدل: الوضع النهائي المنشود في سوريا واضح – دولة مستقرة تسيطر على أراضيها ولا تسمح بتطور أي تهديد لإسرائيل، وتحافظ على علاقات دبلوماسية مع إسرائيل تصل إلى حد التطبيع. الطريق إلى هذه الغاية أقل وضوحًا. من الصواب الدفع نحو اتفاقية أمنية أولًا، لكن لا ينبغي دفع الشرع (الذي لا تزال نواياه غامضة) إلى اتخاذ قرارات متسرعة، قد تؤدي إلى سقوطه واستبداله بزعيم أكثر تطرفًا، وأكثر توجهًا نحو الإسلام الجهادي. بمعنى آخر: في الحالة السورية الخاصة، لا يقل الطريق أهمية عن الهدف. يجب وضع معالم تُسهم في استقرار نظام معتدل في سوريا، بما في ذلك إنهاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الأراضي السورية مقابل اتفاقية أمنية، مع دراسة متأنية لموقف النظام تجاه إسرائيل، مع توخي الحذر اللازم، مع إدراك أن تفويت المنعطفات التاريخية يُمثل أيضًا خطرًا. وبما أن الشرع يعتمد على المساعدات الأمريكية/الخليجية لبقائه ولإعادة إعمار سوريا، فإن الولايات المتحدة هي من يملك زمام المبادرة في تحديد المسار.
- التطبيع مع لبنان ونزع سلاح حزب الله: يُعدّ الهجوم الإسرائيلي المستمر، والهادف إلى منع إعادة تأهيل حزب الله، بالغ الأهمية. إن إضعاف الجيش الإسرائيلي للمنظمة عسكريًا هو ما سمح للحكومة اللبنانية بالمطالبة بنزع سلاحه. لكن لا بد من بذل المزيد من الجهود وبسرعة أكبر، إذ أن الفرصة السانحة في هذا السياق على وشك الانغلاق. تهدف إيران إلى إعادة تأهيل حزب الله، وبمجرد أن يستعيد قوته، سيتوقف التحرك الذي تحاول الحكومة اللبنانية الترويج له. لذلك، يجب تسريع جهود تفكيك حزب الله بمساعدة الرافعة الأمريكية: يمكن للجيش الأمريكي دعم الجيش اللبناني ومرافقة تفكيك حزب الله بإشراف ورقابة وثيقين (حتى درجة التدخل المباشر)، وهو ما سيكون أكثر فعالية من قوة اليونيفيل، التي تمر بعامها الأخير. اليوم، معظم النشاط في هذا المجال رمزي وغير مفيد. يجب استبدال الكلام بالعمل، ويفضل أن يكون ذلك من قبل الجيش اللبناني والولايات المتحدة. ومع ذلك، يجب علينا أيضًا الاستعداد لزيادة العمل الإسرائيلي بطريقة تسمح لنافذة ضعف حزب الله بالبقاء مفتوحة من أجل استنفاد العملية السياسية.
تعزيز أمن إسرائيل:
- مذكرة تفاهم جديدة مع الولايات المتحدة: ينبغي تكثيف الجهود لصياغة مذكرة تفاهم جديدة، يُنظر في إطارها في الانتقال التدريجي من المساعدة الأمنية إلى شراكة تجارية (وفقًا للنهج الذي تتبعه الإدارة الأمريكية حاليًا). بمعنى آخر، الانتقال من وضع إسرائيل كـ “دولة مدعومة” إلى “شريك استراتيجي”. في هذا الإطار، ينبغي تعزيز بناء قوة دفاع مشتركة، بما في ذلك إزالة عوائق التصدير والاستيراد، وتعميق القدرة الإنتاجية في الولايات المتحدة وإسرائيل، والاندماج الشامل والعميق لإسرائيل في البحث والتطوير الأمريكي. قد تُعزز هذه الخطوة العلاقة الخاصة بمرور الوقت، استنادًا إلى التزام تجاري تعاقدي يعكس مصلحة مشتركة، وليس فقط قيمًا مشتركة. يتجه المناخ السائد في الساحة الدولية اليوم نحو التركيز المتزايد على الالتزام التجاري كأساس للعلاقات بين الدول.
- برنامج بحثي مشترك حول موضوع التكنولوجيا العميقة (DeepTech): ستُغير التقنيات الثورية – الحوسبة الخارقة والذكاء الاصطناعي – مسار الحياة حول العالم، بما في ذلك ساحة المعركة المستقبلية. في هذا السياق، لا تزال إسرائيل في المكان المناسب للانضمام إلى هذا التحالف اليوم، لكن إدارة أمريكية أقل تعاطفًا مع إسرائيل، إلى جانب استمرار التوجه المُهدد لإسرائيل كدولة مُلوثة سياسيًا وأخلاقيًا، وبالتالي مُنبوذة، قد يُقصيها عن زخم التنمية الدولية ويُبقيها في الخلف. فقط سياسة استباقية من الرئيس ترامب (بيان رئاسي) أو تشريع في الكونغرس كأساس للشراكة الإسرائيلية في البحث والتطوير، إلى جانب ظروف أفضل في الولايات المتحدة للشركات الإسرائيلية الناشئة في مجال الحوسبة، كفيلان بمنع ذلك.
- انضمام إسرائيل إلى “العيون الخمس”: هذا تحالف، نوع من النادي المرموق والفريد والقائم على الثقة، لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين خمس دول – الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا. تتشارك الدول الأعضاء مصادرها الاستخباراتية، وبالتالي تُنشئ نظام إنذار أقوى بكثير من نظام كل دولة على حدة. إن دمج إسرائيل في هذا الإطار سيُحسّن قدراتها الاستخباراتية، وكذلك مكانتها السياسية – مما سيساعدها على تحقيق جميع أهدافها في كلا المسارين – سواءً في ساحة الشرق الأوسط أو في الساحة الدولية الأوسع. كما سيُسهم العمل الإسرائيلي على الساحة الإقليمية في هذا الصدد.
ملخص
خلال العام 2026، ستستعد إسرائيل للانتخابات العامة. أما الولايات المتحدة، فستخوض انتخابات التجديد النصفي، وبعدها مباشرةً ستجد نفسها في حملة انتخابية رئاسية العام 2028. تكمن أهمية هذا الجدول الزمني في أن إسرائيل ليس لديها ثلاث سنوات كاملة للراحة على أمجادها والتمتع بدعم ترامب. الوقت قصير جدًا. يجب أن نتحرك الآن، وبإحساس بالاستعجال. يجب أن نعزز التعاون التكنولوجي ومذكرة التفاهم الجديدة مع الإدارة الأمريكية الحالية، وفي الوقت نفسه ننشئ شبكة من الاتفاقيات التي تُرسّخ الإنجازات العملياتية لإسرائيل في الحرب ضد حماس وساحات الصراع الأخرى. إن وقف تدهور الحرب في قطاع غزة إلى حرب استنزاف لا نهاية لها وإنهائها تطورٌ مهم. علينا أن نسعى جاهدين لتحقيق الجزء الثاني من الاتفاق، والتنفيذ الكامل لخطة الرئيس ترامب المكونة من عشرين نقطة.



