منوعات

محمد قاروط أبو رحمه: ذكريات مع عرفات سلام للمرأة الفلسطينية حامية نارنا المقدسة

محمد قاروط أبو رحمه 8-11-2025ذكريات مع عرفات سلام للمرأة الفلسطينية حامية نارنا المقدسة

 

ياسر عرفات، والجبل، وصديقي، وزوجته، ومروان كيالي، ورنا

في ضاحية بيروت الجنوبية، وعلى أصوات قذائف البارجة الأمريكية نيوجرسي، ولدت أبنته، رنا.

كان ذلك في 25/8/1983، وكان والدها في عاليه (جبل لبنان)، يعمل جاهداً للوصول إلى بيروت، وذلك ضمن القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية، حيث كان يقود إحدى وحداتها.

عاليه؛ مدينة جميلة، تتربع على كتف بيروت، كأنها رتب على كتف ضابط يفتخر بنفسه.

عاليه؛ كتف بيروت؛ محمي من رأس شامخ، جبل الباروك.

الجبل وصديقي وزوجته مثلث عطاء مستمر للحياة، بمعانيها الثلاثة العظيمة، فكراً، وعملاً وشعوراً.

 الأحياء هم الذين لديهم هذا المثلث من العطاء، إذا كان رأس الناس يحمل مصدر التفكير وجوهر المشاعر والأحاسيس، فإن رأس الجبل…الباورك يحمل الماء في عينه، عين الباروك. الماء الذي لا حياه إلا به، الجبل يعطى للكائنات الحية؛ الحياة.

وصديقي من خلال عمله النضالي كان يعمل جاهداً لإعطاء هذا الجيل والأجيال القادمة، حياة أفضل؛ حياة حرة كريمة يعلوا فيها شأن الإنسان، حرية استقلال ودولة.

إنه كعين ماء الجبل يعطى الحياة، أو يعطى للحياة معناه آخر، وزوجته تحمل 9 أشهر، تتعذب، وتتألم، تعرف مخاطر الحمل والولادة، تعرف أنها قد تفقد حياتها؛ ولكنها تسير قدماً نحو الولادة، لأنها تهب الحياة للآخرين ولأنها إن لم تفعل؛ ستتوقف الحياة. الجبل يعطى الماء الذي لا حياة بدونه، صديقي؛ يعطى الآخرين فرصة لحياة أفضل، وزوجته تأتي بالإنسان الذي سيشرب ماء الجبل، وصديقي يهب من حياته فرصة للإنسان القادم؛ حياة أفضل.

وضعت زوجة صديقي، تحت القصف المتواصل على بيروت والجبل، جرح صديقنا الراهب المفنى عمره وشبابه من أجل الشعب والوطن، جرح في عاليه من نفس القصف الذي أربك الطبيب وزوجة صديقي أثناء الولادة. جرح صديقنا القائد مروان كيالي الذي استشهد عام 1986 في عملية اغتيال جبانة من الموساد الصهيوني، وذلك بتفجير سيارته في قبرص؛ والذي استشهد فيها أبو حسن قاسم ومحمد باسم التميمي، حمدي.

سالت دماء الولادة، ودماء الجرح، لتهب الحياة للآخرين.

في الثلث الأول من أيلول من عام 1983 كانت القوات المشتركة على تخوم بيروت عندما أمرنا ضباط الشقيقة سوريا بالرحيل إلى جباب الحمر، وما أدراك ما هي تلك الجبال المسماة…الجباب الحمر، أفلت صديقي وقافلة من السيارات ووصل إلى تعلبايا، تلك البلدة القريبة من شتورة، والتي تتوسط البقاع، فوجد زوجته قد وصلت قبله بقليل، سلم عليها مستقبلاً ومباركاً، وسألها ماذا سميت المولودة؟ قالت: راحيل. قبل الثلاثة، الولد وزوجته ومولودته، وذهب مودعاً إلى حيث يجب أن يكون في تلك اللحظة.

كان صديقي مشاكساً، وصل إلى طرابلس، ولحقته زوجته، وفي أثناء وجوده هناك زاره الشهيد الرئيس ياسر عرفات في موقعه، ليصحبه إلى لقاء أحد القادة المحليين، لم يكن اللقاء قد رتب جيداً، ولم نجد أحدا بانتظارنا.

شعر صديقي بغضب الشهيد الرئيس فعرض عليه برنامجاً يزور فيه المستشفى الميداني، وبرج السنترال، وبعض المواقع، وافق الشهيد الرئيس، وبعد إنتهاء الجولة لم تكن اللقاءات والجولات قد خففت من غضب ياسر عرفات.

قال صديقي: سيادة الرئيس، ما رأيك بزيارة عائلتي؟ وافق الرئيس، وكأنه يريد أن يخرج من غضبه.

رن صديقي جرس باب بيته الذي منحه إياه أحد السكان المحليين مع عفشه، فتحت زوجة صديقي الباب وكادت أن تنهار بعد أن شاهدت الشهيد الرئيس وافقاً أمامها على الطابق الثاني من بناية في وسط طرابلس، بادرها ياسر عرفات كعادته مبتسماً وقال: أندخل أم نرجع؟ تداركت الموقف وقالت، تفضلوا، قالت للرئيس تفضل هنا؛ لا تجلس هنا، فان هذا الشباك مكشوف وخطير؛ اجلس هنا؛ لا؛ لا تجلس هنا؛ لإن هذه الواجهة ضعيفة، وبقيت على هذا الحال إلى أن وضعت له شيءً أقرب إلى الفرشة في الممر، وقالت له أجلس هنا على الأرض فإن هذا المكان آمن.

حضر إبن صديقي البكر وقبل الشهيد ياسر عرفات وأحضرت الأم ابنتها المولودة وكان عمرها 40 يوماً، وضعها في حضنه وقبلها وسأل: كم عمرها؟ قالت 40 يوماً، قال ما اسمها؟ قالت يا سيادة الرئيس لشدة وتكرار ما رحلنا سميتها راحيل! قال الشهيد الرئيس، إن هذا اسم يهودي، سميها صباح؛ صباح الفجر الآتي.

قال صديقي لم يكن في بيتي شيء يصلح للضيافة وكانت زوجته كالمكوك تتحرك سريعاً، أحياناً بدون معنى، وكأن الشهيد الرئيس عرف بالأمر فقال حتى لا يحرجها، أتينا بكأس ماء فقط، أحضرت الماء وكعك عيد قديم، وكوب من الشاي. ودع ورحل، وترك ورائه ذكرى لصديقي وزوجته وأبنه وأبنته، ستبقى خالدة، يتناقلها الأبناء عن الآباء.

لا يزال صديقي وزوجته يتذكران ذلك، كواحدة من الأحداث التي تشهد للشهيد الرئيس الإنسان.

صديقي وزوجته لم يسميا أبنتهما صباح، سمياها رنا وهي في الان مهندسة وماجستير إدارة عامة وعقيد في الشرطة وزوجة وام. وهي حتى الآن في قلب أمها راحيل، وأمام الناس رنا وبين أسرتها صباح، ولها صباح مثل جمال الصباح.

الشهيد ياسر عرفات وشهدائنا جميعاً منحونا الحياة كما تمنح الأم الحياة لطفلها، وكما يمنح الماء الحياة لكل الكائنات الحية. سلام للشهداء للجرحى الذين سبقتهم إلى الجنة أجزاء من أجسامهم، للأسرى الذين ضحوا بحريتهم لنعيش أحراراً، سلام للمرأة الفلسطينية حامية نارنا المقدسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى