إندبندنت: انتصار ممداني صداع جديد للحزب الديمقراطي لا يقل عن ترمب
إندبندنت 2-11-2025: انتصار ممداني صداع جديد للحزب الديمقراطي لا يقل عن ترمب
زهران ممداني حجز مكانه في كتب التاريخ. ففي الرابعة والثلاثين من عمره، أصبح أصغر شخص يتولى منصب عمدة نيويورك منذ أكثر من قرن، وأول مسلم يشغل هذا المنصب في المدينة التي شهدت أسوأ هجوم إرهابي نفذه متطرفون إسلاميون في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وهو أيضاً ديمقراطي يصف نفسه بأنه “اشتراكي ديمقراطي”، ويتبنى أجندة يسارية – يسارية بمعايير أميركية لا أوروبية – في مدينة لطالما كانت مركزاً عالمياً للمال والأعمال.
سجّل انتخاب ممداني أرقاماً قياسية أخرى. فقد تجاوز عدد المشاركين في الانتخابات مليونَي ناخب، أي أكثر من ضعف عدد المشاركين في انتخابات رئاسة البلدية قبل أربع سنوات. وحصل ممداني على أكثر من مليون صوت – ليكون المرشح الوحيد الذي بلغ هذا الرقم منذ عام 1969 – ونال أكثر من 50 في المئة من الأصوات، مقابل 41 في المئة لحاكم الولاية السابق أندرو كومو الذي ترشح كمستقل، و7 في المئة للجمهوري كورتيس سليوا. لا أحد يستطيع التشكيك في أن ممداني يتمتع بشرعية ديمقراطية كاملة.
وفي خطاب النصر، أعلن ممداني أن المسرح بات مهيئاً لمواجهة ملحمية – ليس فقط بين شخصيتين بارعتين في الخطاب وشعبويتين بالفطرة، هما ممداني والرئيس الأميركي نفسه، بل أيضاً بين العاصمتين السياسية والمالية للولايات المتحدة. وقد مهد ممداني لهذه المواجهة في خطابه، حين قال إنه واثق من أن دونالد ترمب يستمع، ووجّه له رسالة بأن يسمع صوت ناخبيه، قائلاً “ارفع الصوت”.
وعند النظر إلى مجمل عناصر نجاح ممداني – إضافة إلى ما يمكن اعتباره غروراً وجرأة في افتراض أنه يملك خط تواصل مباشر مع الرئيس – فإن ذلك يقدم للحزب الديمقراطي وصفة مغرية لإعادة إحياء الحزب قبل الانتخابات النصفية العام المقبل، والرئاسية بعد ثلاث سنوات. وتبدو هذه الوصفة جذابة بشكل خاص في نهاية عام بدا فيه الديمقراطيون وكأنهم يفتقرون إلى الإرادة والأفكار لتحدي ترمب في ولايته الثانية.
ومع أن هناك دروساً يمكن لقيادة الحزب الديمقراطي الاستفادة منها، فإن السؤال يبقى إلى أي مدى يمكن اعتبار انتصار ممداني نموذجاً قابلاً للتطبيق على المستوى الوطني.
فنيويورك، مدينة فريدة من نوعها في تركيبتها العرقية والدينية، وفي مصادر ثروتها، وفي التباين الشديد بين الغنى والفقر فيها. إنها مدينة عالمية قد تكون لديها قواسم مشتركة مع مدن عالمية كبرى أخرى، مثل لندن، أكثر من أي مكان آخر في الولايات المتحدة. ومدن كهذه غالباً ما تكسر القواعد السياسية السائدة وتجتذب شخصيات مثيرة للجدل لتمثيلها، حتى لو فشلوا أحياناً في إدارتها. فهل كان ممداني سيفوز مثلاً في شيكاغو؟
خلفية ممداني المتعددة الأعراق، ولا سيما ديانته الإسلامية، جعلت الحملة الانتخابية في بعض مراحلها قذرة، إذ وُجّهت إليه اتهامات بمعاداة السامية، دافع عنها بشراسة. لكنها كانت أيضاً مصدر قوة في نيويورك، بطريقة ربما لم تكن كذلك في مدن أخرى.
وكانت هناك عوامل خاصة في انتخابات هذا العام ساعدت مرشحاً من خارج النخب السياسية التقليدية. فكل من العمدة المنتهية ولايته إيريك آدامز، الذي قرر عدم الترشح، وحاكم الولاية السابق كومو، كانا مثقلين بالفضائح: الأول باتهامات بالفساد، والثاني بادعاءات تحرش جنسي، على رغم نفيهما الشديد. إلا أن الضرر كان قائماً في الحالتين.
قد يكون عمر ممداني ميزة أكثر منه عيباً بالنسبة لناخبي مدينة نيويورك، الذين يميلون إلى أن يكونوا أصغر سناً من الناخبين في بقية أنحاء الولايات المتحدة، وفي مرحلة من حياتهم – إذ إن أكثر من ربع سكان المدينة تتراوح أعمارهم بين 25 و39 سنة – حيث تكتسب قضايا القدرة على تحمل تكاليف المعيشة، وهي محور حملة ممداني وتشمل رعاية الأطفال المجانية، والتنقل بالحافلات مجاناً، وتجميد الإيجارات الخاضعة للرقابة، أهمية خاصة.
وبينما حاول كل من كومو (67 سنة) وسليوا (71 سنة) الاستفادة من خبرتهما، لم يتمكنا من تجنب الظهور بمظهر “رجال الأمس”، بخاصة أمام طاقة ممداني، وحضوره الميداني في الحملة، وبراعته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك لم يكن بالإمكان وصف ممداني بأنه مبتدئ، إذ إنه يشغل مقعداً في مجلس ولاية نيويورك منذ عام 2021.
الرسالة للحزب الديمقراطي لا تقتصر على جذب الشباب، بل على تجنب الظهور كحزب متحجر أو منغلق على الماضي، والسعي إلى أفكار جديدة. أولئك الذين يرون أن برنامج ممداني اليساري الواضح هو الطريق الذي يجب أن يسلكه الحزب، عليهم أيضاً أن يأخذوا في الاعتبار الأداء القوي العام للديمقراطيين في الانتخابات الأخرى التي أجريت يوم الثلاثاء الماضي.
فانتصارهم في سباقي حكام ولايات قد يعكس بداية تحول سياسي في أميركا، مع بحث الناخبين عن بديل لمواجهة ترمب و”الترمبية” مع دخول ولايته عامها الثاني. لكن المهمة أمام الحزب الديمقراطي أكثر تعقيداً من مجرد استعادة الثقة في مواجهة ترمب.
تشير استطلاعات الناخبين في نيويورك إلى أن عدداً غير قليل ممن صوّتوا لترمب في 2024 صوّتوا لممداني في 2025، لا بدافع تغيير قناعاتهم، بل بسبب ما رأوه من تشابه بين الشخصيتين. وعلى رغم أن ترمب دعم كومو في الأيام الأخيرة من الحملة، واصفاً إياه بأنه “كفؤ”، وممداني بأنه “شيوعي”، إلا أن بعض الناخبين رأوا في ممداني الصدق والثبات السياسي، وفهمه للناس العاديين وهمومهم، وقدرته على التواصل مع الرجل والمرأة والشباب في الشارع، ما أقنعهم باختياره.
من هذا يمكن للديمقراطيين أن يستنتجوا أنهم بحاجة إلى وجوه كاريزمية وقيادات ذات خبرة واسعة في الحملات الانتخابية – وبسرعة.
يواجه ممداني اختباراً حاسماً. فالكثير من وعوده لا يقع ضمن صلاحياته كعمدة نيويورك، إذ يحتاج إلى دعم الدولة ومؤسساتها. كذلك فإن ترمب لم يكن يمزح حين توعد بخفض التمويل الفيدرالي إلى الحد الأدنى في حال فوز “الشيوعي ممداني”. ولكي ينجح، ليس فقط كعمدة بل كنموذج لمستقبل الحزب الديمقراطي، عليه أن يبرهن سريعاً على قابلية سياساته للتطبيق. وقد سخر عدد من الأكاديميين من أحد مقترحاته الاقتصادية الجوهرية القاضي بخفض كلفة المعيشة عبر إنشاء متاجر بقالة تديرها الولاية، معتبرين أنه يتجاهل أبسط مبادئ الاقتصاد.
إذا فشل ممداني في تنفيذ أجزاء أساسية من برنامجه لأي سبب، فسيؤكد شكوك الديمقراطيين التقليديين الذين يرون في رؤيته انحرافاً مفرطاً نحو اليسار، ما قد يعيد الحزب إلى مواقعه القديمة المألوفة.
الراديكاليون إما أن ينجحوا أو يُمحَون. فبعد كل الآمال التي أثارها فوز ممداني، سيكون الفشل نهايةً ليس لمسيرته السياسية فحسب، بل أيضاً لآمال من يرون في أفكاره نموذجاً للأجيال الديمقراطية المقبلة.



