هآرتس: خلف التهديد باستئناف القتال، لبنان يبحث عن تسوية مشابهة لغزة
هآرتس 4/11/2025، تسفي برئيل: خلف التهديد باستئناف القتال، لبنان يبحث عن تسوية مشابهة لغزة
باسلوبه المتغطرس اصدر توم براك، المبعوث الأمريكي الخاص في سوريا ولبنان، عدة تصريحات اثارت موجة من التعليقات على نوايا إدارة ترامب الدفع قدما بانهاء الحملة في لبنان. وقال براك في مؤتمر للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي عقد في نهاية الأسبوع الماضي في المنامة عاصمة البحرين: “الدولة الوحيدة التي لا تتكيف مع التغيرات في الشرق الأوسط هي لبنان. في الواقع الدولة هي حزب الله، التنظيم الذي يوفر لمقاتليه وانصاره ما لا تستطيع الدولة توفيره”.
براك، الذي سعى الى التعبير عن احباط الإدارة الامريكية وإسرائيل من الوتيرة البطيئة لنزع سلاح حزب الله، كرر تهديداته وقال: “لا يوجد للبنان وقت ليضيعه. يجب عليه أن يسارع الى تفكيك سلاح حزب الله”. وبعد ذلك، في مقابلة مع موقع “الشرق” على هامش اللقاء فاجأ من يجري المقابلة معه عندما قال: “فكرة نزع سلاح حزب الله بالقوة غير واقعية. انت لا يمكنك الطلب من لبنان نزع سلاح احد الأحزاب السياسية وأن تتوقع السلام. ما علينا ان نساله لانفسنا هو كيف نمنع هذا التنظيم من استخدام سلاحه”.
يبدو أن براك يطرح بذلك موقف يناقض تماما المطلب الذي يرتكز اليه اتفاق وقف اطلاق النار في تشرين الثاني 2024، وقرار حكومة لبنان في شهر آب، المطالبة بنزع سلاح حزب الله، وإعطاء أمر للجيش اللبناني بان يستكمل هذه المهمة حتى نهاية السنة. أيضا حول موعد انتهاء عملية نزع السلاح يوجد عدم وضوح. المبعوثة الامريكية مورغين اورتيغوس، التي عادت لمعالجة شؤون لبنان، قالت ان نهاية السنة هي الموعد المتفق عليه. في المقابل، قالوا في حكومة لبنان انهم فهموا ان واشنطن كانت مستعدة لتمديد الموعد حتى الانتخابات، التي يتوقع ان تجرى في أيار القادم.
اذا كانت اقوال براك حقا تعبر عن سياسة جديدة فكيف تتساوق مع الضغط المتزايد للولايات المتحدة من اجل انهاء وبسرعة عملية التفكيك، ومع التهديد بالسماح لإسرائيل بتجريد حزب الله من سلاحه وتوسيع نطاق هجماتها في لبنان مع المخاطرة باستئناف الحرب؟. وماذا بخصوص التصريح السابق لبراك الذي بحسبه تجريد حزب الله من سلاحه هو “شان لبناني داخلي”؟.
إضافة الى ذلك، أوضح براك: “الموضوع الان يوجد في يد لبنان. الولايات المتحدة لن تتدخل من الان فصاعدا في وضع فيه تنظيم إرهابي اجنبي (حزب الله) يسيطر على دولة فاشلة (لبنان) التي تملي الوتيرة وتطالب بالمزيد من الموارد، الأموال والمساعدات”. التهديد بـ “التخلي عن الساحة اللبنانية” غير جديد. براك سبق له واسمعه في شهر تموز عندما طلب من حكومة لبنان قبول قرار بشان تجريد حزب الله من سلاحه، ويبدو انه الان أيضا لا ينوي السماح لهذه الساحة بالاشتعال.
واشنطن تتطلع الى تحقيق انجاز سياسي جديد، وهي تحاول منذ أسابيع اجبار لبنان على اجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وبدأت في توسيع اللجنة التي تشرف على تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار، لتشمل أيضا مدنيين. لبنان لم يصل الى هذه المرحلة حتى الان: يمكن تفسير هذا التغيير في تشكيل اللجنة على انه استعداد للانتقال من المفاوضات العسكرية الى السياسية، ومن هنا تصبح المسافة قصيرة للاعتراف بإسرائيل. ولكن هناك مؤشرات أخرى: في يوم الثلاثاء التقى رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد مع الرئيس اللبناني جوزيف عون. وجاء في بيان صادر عن الرئاسة بان الاجتماع “ناقش قضايا عسكرية وامنية، بما في ذلك التنسيق بين الدولتين والاستفادة من أجواء اتفاق غزة وقمة شرم الشيخ، بهدف توسيعها لتشمل لبنان”. في هذا الأسبوع اعرب عون عن استعداده للتفاوض مع إسرائيل، لكنه خفف ذلك وقال: “لا يمكن ان تقتصر المفاوضات على طرف واحد بعد ان رحب الطرف الاخر (إسرائيل) بنا بهجمات إضافية”.
الرئيس امتنع عن اعلان استعداده للمفاوضات المباشرة مع إسرائيل، لكنه أيضا لم يرفض ذلك كليا. هذه التصريحات التي تعكس نوع من المفاوضات حول المفاوضات، حظيت حتى الان برد من براك: “اذا كان اللبنانيون يريدون اجراء مفاوضات (مباشرة) كهذه فنحن سنساعدهم، وسنضغط على إسرائيل لتكون نزيهة”. هذه اقوال يجدر الانتباه اليها. حتى الان أوضح براك لحكومة لبنان بان الولايات المتحدة لن تستطيع كبح إسرائيل إزاء تهديد السلاح والصواريخ لحزب الله. في مناسبة أخرى أوضح بان الولايات المتحدة “لا تستطيع ان تقول لإسرائيل ما تفعله”.
الأكثر أهمية من ذلك هو انه قبل أسبوعين قدم براك اقتراح جديد: إسرائيل ستوقف هجماتها في لبنان لمدة شهرين، وخلال ذلك ستكون هناك مفاوضات كثيفة بشان انسحاب تدريجي من المواقع الخمسة التي تسيطر عليها إسرائيل، وستبدأ مفاوضات حول ترسيم الحدود البرية بين الدولتين، وسيتم إعادة اسرى لبنانيين من المعتقلات في إسرائيل، وستحدد منطقة منزوعة السلاح في جنوب لبنان بعد استكمال نزع سلاح حزب الله. إسرائيل رفضت هذا الاقتراح بشكل تام، وحتى الآن لا تظهر أي جهود أمريكية لجعل إسرائيل أن تكون “نزيهة”.
موقف إسرائيل هو انه على لبنان ان يثبت في البداية بانه قادر على نزع سلاح حزب الله تماما، وفقط بعد ذلك سيكون بالإمكان مناقشة الانسحاب ووقف الهجمات. ولكنهم في واشنطن غير واثقين تماما من ان إسرائيل معنية بأن تدفع الان قدما بمفاوضات مع حكومة لبنان، وليس فقط بسبب ان “الاجواء المفتوحة” التي تتمتع بها إسرائيل في لبنان تعتبر ذخر استراتيجي. هذا بشكل خاص عندما يواصل حزب الله الاحتفاظ بالاف الصواريخ ويحاول ترميم مواقعه أيضا في جنوب لبنان.
المفاوضات حول ترسيم الحدود البرية، كما ينص على ذلك اتفاق وقف اطلاق النار وقرار مجلس الامن رقم 1701 الذي يعتمد على هذا القرار، معناها ان إسرائيل سيتعين عليها الانسحاب من المناطق التي توجد على طول الحدود، بما في ذلك مزارع شبعا والقرى المحيطة بها. لذلك فان التفسير المقبول في لبنان والذي بحسبه التصعيد الإسرائيلي وزيادة الهجمات استهدفت ان تفرض على لبنان التقدم نحو الاتفاق مع إسرائيل، ليس بالضرورة تتساوق مع الرؤية الإسرائيلية. ولكن ليست كل الأوراق توجد لدى إسرائيل. لنفترض ان ترامب يسعى الى تحقيق انجاز سياسي آخر، وانه غير معني بان يفتح مرة أخرى جبهة القتال في لبنان بنطاق كامل. اذا كان الامر هكذا فان من شانه ان يعتبر التصعيد الإسرائيلي – الذي يمكن التقدير بانه منسق معه – تهديد لطموحاته، وتفعيل “أسلوب غزة” أيضا في لبنان.
أي ان يملي على إسرائيل، وليس فقط على لبنان، شروط المفاوضات، وان يقيد مجال نشاطاتها العسكرية ويحدد من جديد مفهوم “نزع سلاح حزب الله”. براك سبق والمح بذلك عندما شرح بان الهدف هو منع حزب الله من استخدام سلاحه، وليس بالتحديد تجريده من سلاحه.
ولكن من اجل ان تتحول هذه العملية الى سياسة فان لبنان يجب عليه ان يعلن بانه مستعد للمفاوضات المباشرة مع إسرائيل حول ترتيبات وقف اطلاق النار وحتى اتفاق سياسي – وفي اعقاب ذلك الاستعداد لمواجهة مفتوحة مع حزب الله. هل لبنان مستعد لخطوة بعيدة المدى كهذه؟.
في هذه الاثناء يعمل الرئيس اللبناني على حشد الدعم العربي لمؤتمر قمة عربية على غرار مؤتمر شرم الشيخ، يحدد بنود الاتفاق المستقبلي مع إسرائيل، ويقدم له حزمة ضمانات سياسية وعسكرية واقتصادية، التي تمكن قيادة البلاد من مواجهة المقاومة المتوقعة من حزب الله وانصاره. مع ذلك، طالما ان الامر يتعلق بلبنان فان الامر يتطلب قدر معقول من الشك. لقد اظهر لبنان بالفعل تصميم سياسي على التعامل مع حزب الله باتخاذ القرارات “الصحيحة” وفقا لاملاءات أمريكا، لكن تطبيقها على ارض الواقع ما زال محدود. قد يكون الانتقال من الترتيبات الأمنية الى اتفاق سياسي شامل مهمة اصعب بكثير، اذا لم تكن مستحيلة.



