مروان إميل طوباسي: لعبة النفوذ الإسرائيلية في البحر الأحمر وشرق المتوسط

مروان إميل طوباسي 4-11-2025: لعبة النفوذ الإسرائيلية في البحر الأحمر وشرق المتوسط
مع وضوح خطة ترامب المفخخة لغزة التي لم تنتهِ الحرب عليها، ومخطط التوسع الاستيطاني الممتد نحو الضفة الغربية، والرؤية الأمريكية الإسرائيلية في توسيع الحروب بالمنطقة بشكل عام، تحوّل الوجود العسكري الإسرائيلي برعاية أمريكية في قبرص واليونان من تعاون أمني عابر إلى سياسة تموضع استراتيجية تهدف لإعادة رسم خريطة النفوذ في شرق المتوسط، عبر القوة العسكرية ومشاريع الطاقة العابرة للحدود، والاستثمارات العقارية التي تتجاوز مليار دولار هذا العام، إضافة لبرامج التجسس السيبراني والفضائح الأخيرة لمسؤولين يونانيين بالتعاون مع إسرائيل.
في السنوات الأخيرة، عززت إسرائيل قبضتها على الجغرافيا السياسية عبر تحالفاتها مع أثينا ونيقوسيا للتغلغل الأمني والاقتصادي والاستخباراتي، ومع تركيا كعضو في “الناتو” لكن بشكل مموه برعاية الولايات المتحدة التي تحتفظ بقواعد ضخمة في كلا البلدين. ففي قبرص، تم نشر منظومات دفاع جوي إسرائيلية في بافوس مؤخرا، كما سبق في قاعدة سودا اليونانية، لمنح إسرائيل قدرة على مراقبة المجال الجوي والبحري من تركيا حتى عمق المشرق العربي، ضمن اتفاقيات غير مسبوقة مع اليونان وقبرص والولايات المتحدة.
كما توسعت المناورات الجوية والبحرية المشتركة، خاصة في بحر إيجه، ما يمنح الجيش الإسرائيلي حرية حركة حتى في اجزاء اليونان وقبرص، ويستفيد من التوتر التركي– اليوناني لصالحه، ليصبح طرفا ثالثا أساسيا في الأمن والطاقة وترسيم الحدود البحرية بالمنطقة. مشاريع الطاقة وخطوط الغاز الممتدة إلى أوروبا تُقدَم كجسور تعاون بالشكل، لكنها بالجوهر تنتهك الحقوق السيادية المائية الفلسطينية واللبنانية، وتجعل من الاحتلال أداة اقتصادية وعسكرية بدعم أمريكي والبعض الأوروبي.
التمدد الإسرائيلي مرتبط بالرؤية التوراتية لما يسمى بـ”إسرائيل الكبرى”، التي تعتبر قبرص جزءًا من النطاق الأمني المفترض للأرض الموعودة من النيل حتى الفرات، ما يضيف بعدا عقائديا لتوسع النفوذ الإستراتيجي الأمني.
ورغم تضامن شعوب اليونان وقبرص أخلاقيا وسياسيا مع فلسطين وكفاح شعبنا منذ عقود، فإن حكوماتهما تتصرف بعكس المواقف الشعبية، حيث تميل مؤخراً خلف السياسة الأمريكية –الإسرائيلية في الأمم المتحدة، وتمتنع عن الاعتراف الكامل بحقوق شعبنا الفلسطيني، ما يعكس النفاق والازدواجية بين القانون الدولي والممارسة السياسية.
ما يجري اليوم ليس مجرد تحالفات عسكرية، بل إعادة تشكيل للهندسة الجيوسياسية للمنطقة الأوسع، من البحر الأحمر إلى شرق المتوسط، في مشاريع استعمارية تشمل غزة، السودان، اليمن، ليبيا وحتى سد النهضة ضمن تنسيق أمريكي– إسرائيلي لتثبيت النفوذ وحصار القوى المنافسة.
الحل يكمن في إعادة تعريف الأمن الإقليمي على أساس المشروع الوطني الفلسطيني وما له علاقة بحق تقرير المصير والعدالة والاستقلال الوطني، بعيدا عن المصالح الإسرائيلية والتدخلات الغربية، لمحاولة فرض توازن حقيقي في شرق المتوسط، مع حماية الحقوق الفلسطينية والعربية السيادية في البحر الأحمر والمتوسط.
في النهاية، التمدد الإسرائيلي بخطوط الغاز والسلاح والاقتصاد يعكس ترجمة استراتيجية حديثة للرؤية التوراتية القديمة حول المنطقة، لا شراكة إنسانية أو التزاما بالقانون الدولي والقرارات الأممية، بل تثبيت هيمنة إسرائيلية أمريكية مشتركة في مواجهة مصالح شعوبنا والقوى الدولية الأخرى حول العالم.



