ترجمات عبرية

هآرتس: طريقة تركيا للهيمنة الإقليمية تمر في غزة

هآرتس 28/10/2025، تسفي برئيل: طريقة تركيا للهيمنة الإقليمية تمر في غزة

“نحن نسيطر على أمننا، وقد اوضحنا ذلك ايضا بالنسبة للقوى الدولية التي ستقرر اسرائيل أي الدول ستكون مقبولة علينا، هكذا نحن نعمل وهكذا سنواصل”، قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أول أمس. يبدو ان هذا تصريح قوي يدل على سلطة اسرائيل ومكانتها في تحديد تركيبة القوة متعددة الجنسيات التي ستدخل الى قطاع غزة. واذا لم تكن كافية البلاغة القوية لاقناع المتشككين سارع نتنياهو واضاف “هذا بالطبع متفق عليه ايضا مع الولايات المتحدة، كما عبر عن ذلك ممثلو الادارة الكبار في الفترة الاخيرة”.

نتنياهو قصد بالاساس اقوال وزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو الذي قال في يوم الجمعة الماضي بان “القوة الدولية يجب تأتي من دول تشعر اسرائيل بسهولة التعامل معها”. المشكلة الاساسية في سلسلة هذه التصريحات هي التناقض المنطقي الذي يختفي فيها”.

كيف يتساوق نقل السيطرة في غزة الى قوة دولية مع القول “نحن نسيطر على أمننا”؟. يجب التذكر انه في شهر نيسان قال نتنياهو بان اسرائيل هي التي ستسيطر في غزة. وبلغة وزير الدفاع يسرائيل كاتس الاكثر طلاقة، “بعد ان تهزم اسرائيل القوة العسكرية لحماس وحكمها في غزة، ستسيطر امنيا على غزة مع حرية عمل كاملة، بالضبط مثلما هي الحال في يهودا والسامرة”.

حتى الان قضية القوة متعددة الجنسيات ما زالت نظرية، حيث انه في ظل غياب تفويض – سواء بالاتفاق أو حسب قرار مجلس الامن – الذي فيه ستحدد اهداف القوة وصلاحياتها ومرجعيتها واسلوب عملها، فانه لا توجد حتى الآن أي دولة مستعدة لارسال جنود الى قطاع غزة. ولكن خلال هذا النقاش النظري حول صلاحيات اسرائيل لغربلة الدول التي ستشكل القوة متعددة الجنسيات، اندلعت بكامل القوة المنافسة الساخنة بين اسرائيل وتركيا. يبدو ان هذه المنافسة تتعلق بقطاع غزة فقط، لكنها تشمل ايضا صراع استراتيجي على الهيمنة في الشرق الاوسط.

في ظروف مختلفة كان يمكن لتركيا واسرائيل أن تكونا حليفتين تتشاركان في مصالح مشتركة مثلما كان الامر قبل 15 سنة تقريبا، قبل بدء زعيما الدولتين بصب غضبهما على بعضهما واستخدام كل قاموس الشتائم بشكل متبادل. مثلا، رغم العداء القاسي الا ان تركيا واسرائيل هما الصديقتان المقربتان من اذربيجان. فهما ساعدتا اذربيجان في حربها ضد ارمينيا، وتبيعان لها الكثير من السلاح، وفيهما تستثمر اذربيجان مليارات الدولارات وتبيعهما الغاز والنفط. بالمناسبة، لحسن “الحظ القانوني” فان نفط اذربيحان يواصل التدفق الى اسرائيل عبر الانبوب الذي يمر في تركيا، لانه حسب الاتفاق بين شركات النفط فان شركة كونسيرسيوم خط النفط والدول “المستضيفة” فان ارسال النفط في الانبوب لا يخضع لقوانين أو تعديلات أو الوضع السياسي أو اتفاقات اخرى التي يمكن ان تمس بتطبيق الاتفاق.

تركيا، التي توصف في اسرائيل بـ “الشيطان الجديد” وكتهديد اخطر من ايران، مسؤولة بشكل كبير عن اسقاط نظام الاسد وابعاد ايران وحزب الله من سوريا. بسبب ذلك فقد وجه انتقاد شديد لتركيا من قبل ايران، وهي متهمة “بتنفيذ مؤامرة مشتركة مع الولايات المتحدة واسرائيل ضد ايران”.

لكن التقاء المصالح هذا كما يدل عليه الخلاف الصعب حول غزة، يصعب على تاسيس “حلف جديد” بين اسرائيل وتركيا، لان تركيا تحولت في العقد الاخير الى دولة اقليمية عظمى، ونشرت اذرعها في كل زاوية في المنطقة، وهي تتنافس مع اسرائيل ليس فقط في الساحة السورية والساحة الفلسطينية، بل في كل ارجاء الشرق الاوسط وما بعده.

في اطار دبلوماسيتها العسكرية فقد انشات عشرات القواعد العسكرية في ليبيا، قطر، الصومال والعراق، واحتلت مساحات واسعة في شمال سوريا، واقامت قواعد تدريب لجيش سوريا الجديد. يوجد لها تواجد عسكري في اذربيجان، جيبوتي وعشرات من جنودها يخدمون في قوة اليونفيل في لبنان. ولكن هذا التدخل العسكري هو فقط عنصر واحد في شبكة تاثيرها السياسي. في السنوات الثلاثة الاخيرة نجحت تركيا في تحسين علاقتها المتضعضعة مع السعودية، اتحاد الامارات ومصر، والانضمام كضيفة دائمة الى المؤتمرات العربية الدولية (اضافة الى عضويتها في منظمة الدول الاسلامية). ومنذ دخول ترامب الى البيت الابيض واستمرارية للعلاقات الودية القريبة التي تراكمت في ولايته الاولى كرئيس للولايات المتحدة، فان تركيا تعتبر الآن من حفنة دول المنطقة التي توجه السياسة الامريكية. وبسبب أنه توجد لدول الخليج افضلية الثراء الذي يعطيها مكان قريب من اذن ترامب، الا انه توجد لتركيا ثروة سياسية، التي حولتها الى ذخر استراتيجي ولاعبة متعددة الساحات.

في شبكة العلاقات المتناقضة، التي تديرها تركيا بنجاح، هي يمكنها ان تكون عضوة في الناتو وايضا ان تشتري منظومات دفاع من روسيا من نوع “اس 400″، التي حولتها الى تهديد على حلفائها، وحتى اوقعت عليها عقوبات امريكية، مثل ابعادها عن مشروع طائرة اف 35. ولكن عندما اندلعت الحرب في اوكرانيا كانت انقرة هي التي لم تنضم الى العقوبات الامريكية المفروضة على سوريا. وتم استدعاءها من اجل صياغة اتفاق القمح بين روسيا واوكرانيا، الذي حل ازمة القمح الدولية، التي اضرت بالاساس بدول الشرق الاوسط وافريقيا. في نفس الوقت تركيا استمرت في بيع السلاح، بالاساس المسيرات القتالية، لاوكرانيا، الامر الذي غير بشكل جوهري مسار الحرب. وفي موازاة ذلك واصلت الحفاظ على علاقات تجارية قوية مع روسيا، التي تشتري منها الغاز والنفط بمليارات الدولارات. تركيا ايضا عرفت كيفية استغلال عضويتها في الناتو لوقف ضم السويد وفنلندا للحلف، وان توقف معارضتها مقابل مكاسب سياسية وعسكرية.

مع الاتحاد الاوروبي عرفت علاقات تركيا بالاساس ارتفاع وهبوط. سنوات من المفاوضات حول انضمامها للاتحاد الاوروبي انتهت بالاحباط والغضب من العقبات التي وضعها الاتحاد امامها. المطالبة بتغيير الدستور وتوسيع الديمقراطية ومساواة حقوق الاكراد والاصلاحات الاقتصادية اعتبرت في تركيا، بدرجة لا بأس بها من الحق، غطاء للتبرير الاساسي الذي منع ويواصل منع اندماج تركيا في الاتحاد.

“تركيا لا تنتمي الى الاتحاد الاوروبي، بل هي تنتمي لآسيا، ويجب علينا قول ذلك لها”، اعلن نيكولاي ساركوزي، الرئيس الفرنسي السابق والسجين السياسي الآن، في 2016، وهكذا فانه عبر عن موقف الكثير من نظرائه الاوروبيين، الذين اصيبوا بالصدمة من مجرد فكرة ضم دولة اسلامية الى الاتحاد. ولكن في نفس السنة اضطر الاتحاد الاوروبي الى الاعتذار، ووقع مع تركيا على الاتفاق السياسي الذي اوقف تدفق اللاجئين السوريين الذين اغرقوا اوروبا. تركيا حصلت في اطار هذا الاتفاق على ستة مليارات دولار، والتعهد بتسهيلات في تاشيرات دخول مواطنيها واعادة مناقشة انضمامها للاتحاد. من البنود الاخيرة لم يخرج الكثير، لكن الاتفاق اعطاها سوط سياسي قوي.

في 2019 هدد اردوغان بانه اذا لم تؤيد اوروبا وامريكا اقامة “منطقة آمنة” في سوريا، فسيفتح ابواب بلاده وسيرسل الى اوروبا ملايين اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا. المبرر لاقامة “المنطقة الآمنة” هو الحاجة الى اعادة استيعاب لاجئين سوريين، وفعليا اعطاء تركيا “اعتماد” لاحتلال اراض في سوريا لمحاربة القوات الكردية. بعد تردد وتهديد وافق الرئيس ترامب على السماح لتركيا ومليشياتها باقامة “المنطقة الامنة” التي اصبحت بسرعة “منطقة موت” وساحة للقتل الجماعي.

على خلفية خطط اعادة الاعمار والتطوير الضخمة التي تعرض على سكان غزة، فانه ممتع التذكير باقوال اردوغان في حينه من اجل اقناع امريكا بالموافقة على اقامة “المنطقة الامنة”: “اقول انه يجب علينا اقامة المنطقة الامنة التي نحن كتركيا، يمكننا بناء فيها البيوت بدلا من مدن الخيام… امنحونا المساعدة اللوجستية ونحن سنستطيع بناء بيوت بعمق 20 – 30 كم في سوريا، وهكذا نستطيع توفير للاجئين ظروف حياة انسانية”.

يبدو ان خطة اردوغان المدهشة هي النبع الذي شرب منه ترامب خطة الريفييرا في غزة. تركيا على أي حال ما زالت “تقع” في شمال سوريا، ومع سقوط نظام الاسد، بمساعدتها الاساسية، هي الان دولة الحماية في دولة فيها هي لا زالت تدير جبهة امام اسرائيل، وهذه المرة عن طريق المفاوضات والترتيبات الامنية.

اسرائيل التي تحاول ابعاد تركيا عن المشاركة في القوة الدولية، فان غزة ترى في ذلك هدف امني سيظهر “سيطرتنا على أمننا”، وكدليل على “استقلالية القرار”. ولكن تركيا هي الان متورطة بصورة عميقة في القطاع. ان نشاط منظمات المساعدة التركية مثل آي.اتش.اتش، الجمعية التي بادرت الى اسطول مرمرة في 2010، والان تعمل ضمن امور اخرى، على اخلاء الانقاض من شوارع غزة، هي فقط الجزء الرمزي.

تركيا تعتبر في واشنطن الدولة التي بفضلها تبنت حماس خطة العشرين نقطة، لذلك فان اردوغان يحظى بفضل كبير لدى ترامب. في قمة الدول المانحة التي تخطط مصر لعقدها في بداية تشرين الثاني ستكون تركيا لاعبة مركزية، ليس لانها الدولة الضامنة هي وقطر لـ “سلوك” حماس، التي تسيطر على نصف القطاع على الاقل، بل بسبب طبيعة علاقاتها مع مصر التي تحولت من علاقات عداء الى شراكة تجارية.

لكن اضافة الى ذلك اذا قرر ترامب ان مشاركة تركيا هي حيوية من اجل تاسيس القوة متعددة الجنسيات في القطاع فانه يمكن الافتراض انه ايضا سيجد طريقة كي يشرح لاسرائيل حدود “صلاحياتها”، وربما على الطريق عقد ايضا “اتفاق سلام” بين اسرائيل وتركيا.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى