أقلام وأراء

نبيل عمرو: مروان البرغوثي… في حالة السلم والحرب

نبيل عمرو 28-10-2025: مروان البرغوثي… في حالة السلم والحرب

منذ دخولِه السجنَ وصدورِ حكمٍ بخمس مؤبداتٍ عليه، انتقلَ مروان البرغوثي من القيادة الميدانيةِ المباشرةِ للانتفاضة الثانية إلى القيادةِ الجماهيرية من داخل سجنه.

ومنذ ذلك الوقت إلى أيامنا هذه احتل الموقعَ الأولَ في الاستطلاعات، ولم تتراجع مكانته الشعبية قط حتى سُميّ «مانديلا فلسطين».

كانت حياته قبل «أوسلو» موزعةً بين السجن لمراتٍ عديدة، وقيادة الحركة الطلابية النشطة، والإبعاد إلى خارج الوطن، وفي كل الحالات لم يتوقف عن العمل في ساحته التي نشأ فيها، وعرفها حقّ المعرفة، وكان في المنفى التونسي عين القيادة وذراعها في الوطن المحتل.

حدثت انعطافةٌ كبرى في حياته، حين لاحت بارقة سلامٍ يُفضي إلى خلاص شعبه من الاحتلال، وذلك حين وُقعت اتفاقات وتفاهمات «أوسلو»، وعادتِ القيادة الفلسطينية إلى الوطن، وعلى رأسها ياسر عرفات.

كان مروان من أوائل العائدين ومن أشدهم حماسةً واندفاعاً في مسار السلام، كان بديهياً أن ينخرط في المشروع الواعد، وأن يصبح بحضوره القوي والمؤثر أحد أبرز مؤسسي السلطة الوطنية، وأحد أهم القيادات الشعبية التي وفّرت للتجربة السلمية صدقيةً وطنيةً كفاحية، وقد انتُخب عضواً في المجلس التشريعي الأول، وأذكر حين زاملته في المجلس أنه كان من أكثر الأعضاء نشاطاً حتى في الساحات الخارجية، كان سفيراً مميزاً لفكرة السلام والعدالة، وجدارة شعبه بالحصول على حريته واستقلاله، وذلك من خلال مشاركاته العديدة والفعّالة في الندوات والمؤتمرات الدولية.

كانت المؤشرات الأولية لاحتمالات نجاح تجربة «أوسلو»، تغذّي حلمه وسعيه لاستكمال التجربة مثلما فهمها، كمحاولةٍ وطنيةٍ جدية للتحرر من الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. كان المسار في سنواته الأولى واعداً إلى أن حدث ما قلب الأمور رأساً على عقب، حين تبدّلت مؤشرات السلام الموعود وحوّلها الانقلاب الإسرائيلي إلى عكسها تماماً، فقد جاء الذين رفعوا شعار تدمير فكرة ومشروع السلام مع الفلسطينيين إلى سدة الحكم.

كان اغتيال رابين بما يُشبه تنفيذ حكم إعدام، وزيارة شارون المبيتة للأقصى صاعق تفجيرٍ للتجربة كلها، مما وضع مروان الحالم بالحرية والاستقلال تحت وطأة صدمةٍ قاسية بددت أحلامه وأجهزت على آماله.

اشتعلت البلاد بانتفاضةٍ شعبيةٍ اختلفت عن تلك التي سُميت «انتفاضة الحجارة» والتي أتت بتسوية «أوسلو»؛ إذ كانت الثانية مسلحةً بالبنادق والأحزمة الناسفة، ومنذ ذلك التطور عاد مروان إلى الحالة التي كان عليها في زمن الاحتلال، زمن الاعتقالات والملاحقات، فساقه تراثه لأن يكون قائداً ميدانياً لفعاليات «فتح» في الانتفاضة الثانية، مع أنه كان يحلم بأن يكون مواطناً عادياً في دولةٍ حرةٍ مستقلة.

مارس مروان قيادته لمرحلة ما بعد الاستقرار النسبي لتجربة «أوسلو»، لم يكن ما حدث مجرد انهيارٍ لتجربةٍ تفاوضية، يمكن معالجتها وإرجاعها إلى المسار الأولي الذي رُسم لها، بل كان انقلاباً جذرياً قامت به القوة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة بقيادة الثنائي الجهنمي، شارون ونتنياهو.

في حقبة انهيار التجربة السلمية وجد مروان نفسَه في ممرٍّ ضيقٍ محاطاً بالخطر، فإمّا الاعتقال وإمّا القتل، وقبل أن تُحسم واحدةٌ منهما عاد مروان إلى أن يكون الملاحق الأول للجيش ولكل أفرع ومؤسسات الأمن الإسرائيلي.

اعتُقل مروان في الخامس عشر من أبريل (نيسان) عام 2002، لم يكن ذلك اليوم نهايةً لمسيرته الملحمية التي لم تتوقف يوماً واحداً، بل أضحى بصموده وعنفوانه ورسائله التي كان يرسلها من أقفاص الاتهام في أثناء محاكماته، ومن زنازينه الانفرادية، أقوى القادة المؤثرين في حياة شعبٍ وقضية، حتى إنَّه وهو سجينٌ كان أكثر فاعليةً وتأثيراً من الطلقاء.

كلمة سر الاحتلال في الامتناع عن تحريره أسوةً بغيره، ليس فقط عقاباً له عمّا فعل، بل منع له لما يُمكن أن يفعل.

أخيراً… دخل الرئيس ترمب على حكاية مروان، لا أحد يعرف على وجه الدقة ما إذا كان جديّاً في الحديث عن تحريره، وهل هو قادرٌ على فرض رغبته على قادة إسرائيل بشأنه؟ هذا ما سوف نتأكد منه في الأيام القريبة المقبلة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى