إسرائيل اليوم: الدولة الفلسطينية حسب ترامب
إسرائيل اليوم 26/10/2025، ايال زيسر: الدولة الفلسطينية حسب ترامب
اتفاق وقف النار الذي فرضه الرئيس ترامب على إسرائيل وعلى حماس منحنا إنجازا حقيقيا وذا مغزى – تحريرا فوريا لكل مخطوفينا وإعادة ضحايانا، التي ستنتهي (هكذا كما ينبغي الامل) في الأيام القريبة القادمة. يدور الحديث عن المرحلة الأولى والسهلة من الصفقة التي حاولتا حماس حتى ان تخرقها، وفقط بسبب ضغط امريكي جسيم – بالذات على إسرائيل – منع تحطيم القواعد.
المشكلة هي بالطبع في المراحل التالية من الاتفاق – اتفاق مليء بالثقوب ليس واضحا على الاطلاق كيف ومتى سيخرج الى حيز التنفيذ. يمكن بالطبع الضغط في المراحل التالية على إسرائيل – لتنسحب من أجزاء أخرى من القطاع وتسمح بدخول قوات عسكرية من تركيا او من قطر، لكن كل من يؤمن بان حماس ستنزع سلاحها طوعا أو أن تكون قوة عربية مستعدة لان تفرض عليها نزع سلاحها، يعيش في الأوهام.
غير أن ترامب، الذي يعيش في السحب، يسعى لان يجعل بهراء لسان اتفاق هدنة مؤقت ومهزوز اتفاق سلام على الأرض بين إسرائيل وبين العالم العربي والإسلامي كله. ليته يتبين ان الحق معه.
لكن يخيل أن القسم الاشكالي من الاتفاق من ناحية إسرائيل ليس التصدي لحماس في القطاع بل الالتزام الأمريكي المخفي فيه لاقامة دولة فلسطينية كفيلة واشنطن بان تفرضها على إسرائيل.
هل في واشنطن اقام الرئيس ترامب الدولة الفلسطينية؟ ظاهرا هذه هي غاية الاتفاق. لكن مشكوك أن يكون هذا ما قصده الرئيس الأمريكي حقا، والمؤكد هو انه دون صلة بمسألة ما الذي يريده الامريكيون وبالتأكيد الأوروبيون – فان دولة فلسطينية لن تقوم وكل خطوة تسعى لان تفرضها ستشجع فقط العنف وسفك الدماء، ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل وأيضا بين الفلسطينيين انفسهم.
ان موقف ترامب من إسرائيل، وفي واقع الامر عموم الإدارات الامريكية قبله هو موقف التزام عميق وتماثل وجداني مع القضية الصهيونية. بالمقابل، في كل ما يتعلق بالفلسطينيين لا يظهر أي تماثل أو التزام، لا في لغة الاتفاق ولا في تصريحات ترامب نفسه، وقد أجاد في التعبير عن ذلك حين شرح بان كل ما يسعى اليه هو صفقة يوافق الجميع عليها، ومن ناحيته لا يهم اذا كانت هذه دولتين، إسرائيلية وفلسطينية – ام دولة واحدة، إسرائيل. أقواله عن الفساد، العنف والإرهاب كسيماء للسلطة الفلسطينية ولحماس تفيد بما يفكر به عن قدرة الفلسطينيين على إقامة الدولة والإبقاء عليها.
يجدر بالذكر ان الهوس في إقامة دولة فلسطينية في أوساط كثير من دول العالم، يكمن – الى جانب الرغبة في مناكفة إسرائيل (مثابة “اضرب اليهود”) – في الوهم بان دولة فلسطينية ستحل أيضا ليس فقط النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بل عموم مشاكل الشرق الأوسط، والى جانب ذلك أيضا في الوهم بان ما يمنع إقامة مثل هذه الدولة هو فقط وحصريا إسرائيل.
كل هذا ليس حقيقة. إذ انه على مدى 19 سنة منذ حرب الاستقلال وحتى حرب الأيام الستة سيطرت مصر والأردن في غزة وفي الضفة ولم تفكرا ابدا بإقامة دولة فلسطينية. فضلا عن ذلك، فان اتفاق أوسلو فتح امام الفلسطينيين إمكانية لاقامة كيان سياسي يسيطر على حياتهم ويديرها. غير أن هذا الكيان سرعان ما تحول الى دكتاتورية فاسدة ملتزمة باحلام وخيالات مثل “العودة الى فلسطين”. فيما أن البديل الذي قام لهذا الكيان هو حماس، حركة إسلامية راديكالية ملتزمة بالتطرف الديني، العنف والإرهاب.
خطوة تجربة وتضليل بإقامة دولة يمكن العمل عليها في ليبيا او في الصومال – حيث لا يهتم احد ما يحصل فيهما. لكن هنا يدور الحديث عن مستقبل وأمن إسرائيل – وعن هذين محظور المساومة.
وبعد كل هذا، بخلاف عادتنا، محظور على إسرائيل ان تثق بالفلسطينيين ان يفسدوا على ترامب العرض ويخربوا كل محاولة لتحقيق السلام، مثلما فعلوا في الماضي. عليها الا تثق بأحد غير نفسها وان تدفع قدما بشكل مبادر ببدائل سياسية تزيل الظل المهدد لدكتاتورية فاسدة تشكل دفيئة لتطرف ديني، عنف وإرهاب يسعى البعض لان يقيمها في حارتنا وعلى حسابنا.



