معاريف: يتحدثون عن غزة، ينظرون الى القدس

معاريف 26-10-2025، آنا برسكي: يتحدثون عن غزة، ينظرون الى القدس
يمكن لنا أن نقول منذ الان ان المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة انتقلت من الشعارات الى الدبلوماسية القاسية. فلم تعد فقط صور المصافحات والوعود بـ “غزة جديدة”. ما تبقى على الطاولة هو مباراة شطرنج إقليمية يشد فيها كل طرف باتجاهه – وإسرائيل، مرة أخرى، تحشر في الزاوية.
ينبغي الإشارة – وهذا هام في القراءة الصحيحة للصورة العامة – الى أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لم يصل حاملا “رسالة أمريكية جاهزة” ضد التموضع التركي في قطاع غزة بل جاء ليقر نتيجة الإصرار الإسرائيلي في هذا الشأن. فبعد جولة احاطات، ضغوط وخطوط حمراء طرحت على واشنطن، حدد روبيو هنا الامر ببساطة: الولايات المتحدة تتبنى موقف القدس من عدم تواجد تركي في غزة.
انجاز دبلوماسي لإسرائيل – نعم. فهل هو مستقر؟ – تماما لا. كل شيء جد غير ثابت حول الخطة الامريكية لغزة، وفي هذه الدينامية على إسرائيل ألا تتجاهل ما يجري وان تكون كل الوقت في داخل الحدث، والا – من شأننا أن نجد انفسنا في وضعية تغييرات وقرارات لم نكن جزءاً منها.
بالتوازي تطرح السعودية شرطا احد في القدس لا يريد أن يسمعه. فالرياض معنية بان تشارك مشاركة نافذة ونشطة في اعمار القطاع، لكنها لم تفتح محفظتها قبل أن تقوم في غزة حكومة تكنوقراط فلسطينية برعاية فتح وم.ت.ف. وفي عالم المال السعودي فيه هو جزء من “اليوم التالي”، فان هذا اعلان قادر – ربما ليس لتجميد، لكن بالتأكيد لتأخير الخطوة كلها. من ناحية السعوديين، فان دولة فلسطينية في حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها ليست شعارا بل شرط للدفع قدما بالتسوية الإقليمية. من ناحية نتنياهو – خط احمر. وهكذا، مرة أخرى الشرق الأوسط يدخل الى نقطة غليان قديمة – جديدة. الكل يتحدث عن غزة، والاجندة الحقيقية هي القدس.
من يدخل الان عبر باب جانبي هي تركيا. الى جانب قطر، تعمل أنقرة من خلف الكواليس على خطوة لاعادة تأهيل حماس: إقامة حزب جديد، اسم جديد، شعار جديد – والمضمون؟ يبقى. اردوغان وامير قطر المحا منذ الان للقيادة في غزة بان هذا هو الوقت لتبديل التصنيف وليس الطريق. لعل هذا يسمع كحيلة، لكن في إسرائيل يشخصون هنا خطرا واضحا: حماس المتخفية تبقى حماس، ومع قناع عسير على الصراع.
في اطار هذا – مصر، ولها توجد خطوات خاصة بها. فهي مرة أخرى في دور الخطابة القومية. القاهرة تحاول العمل على صلح، إجراءات مصالحة بين فتح وحماس بالضبط مثلما حاولت في 2005. المصلحة واضحة: حدود مستقرة، سيطرة في رفح ومكانة وسيط لا يمكن تجاوزه.
اذا ما حاكمنا الأمور وفقا لوتيرة الاحداث – فاننا نقترب من سيناريو 2005 لكن بصيغة HD. محاولة لخلق حكومة فلسطينية “معتدلة” في غزة يجلس فيها الجميع معا ويتوزعون المسؤولية، من شأنها أن تنتهي في المكان ذاته: حكم حماسي بمغلف مدني، ائتلاف متفكك وساعة انذار على حائط الصالون الإسرائيلي التي تعود لتدق. المؤشرات هنا، الأسماء تتبدل.
السيناريو البديل والمتفائل – ذاك الذي تعول عليه القدس – ببساطة على الورق: ان تحبط واشنطن كل محاولة لتبييض حماس في داخل حكومة غزة الجديدة؛ ان يتحقق التجريد من السلاح؛ وفي هذه الاثناء – “تحصد” إسرائيل الفتات المتبقى في كل مكان تظهر فيه. فخ صغير: بدون حكومة مدنية لا يكون عنوان، بدون عنوان لا يكون إعمار؛ بدون إعمار نعود الى نقط الانطلاق. دائرة مغلقة.
في نهاية كل الخطوات التصريحات والقمم يتبين أن السؤال الحقيقي ليس من يدير غزة بل من ينجح في السيطرة على الواقع المتغير حولها. وإسرائيل، اذا ما ارتكبت أخطاء، فستجد نفسها مرة أخرى ترد بدلا من أن تقود.



