فورين أفيرز: حماس لم تُلقِ سلاحها بعد، وستعيد التمركز والتسلح مثلما فعلت في الماضي

فورين أفيرز 14-10-2025، ماثيو ليفيت: حماس لم تُلقِ سلاحها بعد، وستعيد التمركز والتسلح مثلما فعلت في الماضي

تُعد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل و”حماس” إنجازاً هائلاً، إذ ضمنت إطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم “حماس” منذ أكثر من عامين، وإنهاء حرب مدمرة في غزة، وذلك من خلال خطة مؤلفة من 20 نقطة. إلا أن المرحلة الثانية من الخطة ستواجه مجموعة من القضايا الشائكة، بما في ذلك نزع سلاح “حماس” ومستقبل الحكم الفلسطيني. بناء على التجارب السابقة، فستُقاتل “حماس” بكل ما أوتيت من قوة من أجل الحفاظ على مكانتها السياسية والعسكرية في غزة، والتزامها باتباع العنف لمعارضة آفاق إحلال السلام.
هذه ليست المرة الأولى التي تجد فيها “حماس” نفسها في موقف حرج للغاية، وتضطر إلى إعادة تقييم استراتيجيتها، بهدف إيجاد طريقة للتعامل مع الضغوط الدولية في الوقت الذي تحافظ فيه على التزامها باستخدام العنف بغية تقويض خصومها الفلسطينيين، وفي نهاية المطاف، تدمير إسرائيل. فقد وجدت “حماس” نفسها قبل واحد وثلاثين عاماً، في موقف صعب في أعقاب اتفاقيات أوسلو، التي بدأت “عملية السلام” الطويلة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. كان الوضع في ذلك الوقت، كما هو الآن، إذ واجهت “حماس” احتمال انسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية، و[إقامة] بنية حكم فلسطيني يستبعدها ويلتزم نزع سلاحها. تُقدم القرارات التي اتخذتها آنذاك لمحة عامة عن كيفية العمل التي يحتمل أن تتبعها في الأسابيع والأشهر المقبلة.
ستوافق “حماس”، كما فعلت في تسعينيات القرن الماضي، على متطلبات وقف إطلاق النار المختلفة. إلا أنها ستسعى أيضاً إلى مواصلة العمل كطرف سياسي في غزة. وستقوم “حماس” بتجنيد قادة ومقاتلين جدداً من بين السجناء الذين تم الافراج عنهم أخيراً وسكان غزة الذين يشعرون بالإحباط نظراً لبطء وتيرة المساعدات وإعادة الإعمار. كما ستُعيد تزويد كوادرها أسلحة تم تهريبها من إيران أو صُنعت محلياً، وستملأ من جديد خزائنها الفارغة وذلك من خلال استغلال المساعدات الإنسانية أو الموارد المخصصة من أجل إعادة الإعمار. ببساطة، قد تُساير “حماس” المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار. إلا أن الحركة لم تنتهِ من القتال حتى الآن.
يد العون
بعد ثلاثة أسابيع من حفل توقيع اتفاقيات أوسلو في البيت الأبيض عام 1993، اجتمع 17 شخصاً من جميع أنحاء أميركا الشمالية، وصفهم مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنهم “كبار قادة حماس”، في فندق بمطار فيلادلفيا من أجل وضع استراتيجية للمضي بالحركة قُدماً إلى الأمام. وإذ أدركوا أن الظروف غير مُواتية لدعم التشدد علناً، فقد قرر المشاركون توخي الحذر وعدم ربط أنفسهم بحركة “حماس” [بشكل مكشوف] وذلك لتجنب الدعاية السيئة ولفت انتباه جهات إنفاذ القانون. ولهذا الغرض، ومن دون أن يعلموا أنهم كانوا يخضعون للمراقبة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، قرروا الإشارة فقط إلى الحركة عن طريق “الأخت سماح”، وهذا هو اسم “حماس” ولكن بتهجئة معاكسة.
وعلى رغم محاولة التكتم هذه، فقد التزم قادة “حماس” في الاجتماع صراحةً “دعم النضال المقدس، الجهاد”. بيد أن هذا الجهاد يتطلب سلاحاً، وهذا هو ما خشي المشاركون من صعوبة توافره ولا سيما مع بروز بوادر السلام وتطلع الشعب الفلسطيني إلى التمتع بمزايا الحكم الذاتي. كذلك التزمت السلطة الفلسطينية الجديدة بالتعاون الأمني مع نظيراتها الإسرائيلية، الأمر الذي خشيت “حماس” أن يؤدي إلى تعقيد قدرتها على تأمين الأسلحة. وقد سأل أحد المشاركين في اجتماع فيلادلفيا زملاءه “كيف ستفعلون ذلك؟ كيف ستمارسون الجهاد؟”.
واستنتجت حركة “حماس” مع مرور الوقت أن الحل يتمثل في إقامة علاقة وثيقة مع إيران، وهي عملية لعب فيها أعضاء الحركة المقيمون في الولايات المتحدة دوراً هاماً. ووفقاً للسياسي الفلسطيني زياد أبو عمرو، مع حلول عام 1994، كانت إيران “تقدم الدعم اللوجستي لـ’حماس‘ والتدريب العسكري لأعضائها”. ويقدر أبو عمرو أن إيران كانت قد قدمت للحركة في ذلك الوقت عشرات الملايين من الدولارات. كذلك دربت طهران عناصر من “حماس” على تنفيذ هجمات تستهدف إسرائيل. وفي عام 1996، أخبر حسن سلامة، وهو القائد في “حماس” الذي يقف وراء سلسلة من تفجيرات الحافلات الانتحارية التي نفذتها الحركة في ذلك العام، الشرطة الإسرائيلية أنه قد خضع للتلقين الأيديولوجي في السودان، وبعد ذلك تم إرساله إلى سوريا ثم إلى إيران، حيث تلقى تدريباً أكثر تخصصاً في تصنيع المتفجرات وزرعها، فضلاً عن جمع المعلومات الاستخباراتية.
اليوم، من المرجح أن تحاول إيران مرة أخرى مساعدة “حماس” على تغيير مسارها. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين تحدثت معهم الشهر الماضي، فقد بدأت إيران بالفعل تطبيق خطة لإعادة إمداد “حماس” بالأسلحة، وتخزينها في السودان بغرض تهريبها مستقبلاً إلى غزة. في غضون ذلك، واصلت طهران جهودها لتهريب الأسلحة إلى الإرهابيين في الضفة الغربية، بما في ذلك “حماس”. قبل أيام قليلة من وقف إطلاق النار، أحبطت قوات الأمن الإسرائيلية محاولة كبيرة لتهريب أسلحة إيرانية، اشتملت على ألغام من طراز كلايمور ومسيرات وصواريخ مضادة للدبابات، وتم أيضاً اعتراض شحنات أسلحة أخرى في مارس (آذار) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
الانسحاب الحكيم خير من خسارة المعركة
ومع ذلك، فإن إيران أضعف من أي وقت مضى في العقود الثلاثة الماضية، وذلك بفضل الهزيمة الساحقة التي تعرضت لها في حرب استمرت 12 يوماً مع إسرائيل في وقت سابق من هذا العام، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والبيئية المختلفة التي تواجه النظام. في غضون ذلك، وافق وكيل إيران الرئيس، “حزب الله”، على وقف إطلاق النار مع إسرائيل بعدما تلقى على امتداد عام ضربات إسرائيلية طاحنة. كان أحد أسباب قبول “حماس” لاتفاق وقف إطلاق النار هو إدراكها أنها تُركت إلى حد كبير لتقاتل إسرائيل بمفردها. فلقد تلاشت “حلقة النار” الإيرانية المحيطة بإسرائيل.
وكانت نسخة طبق الأصل تقريباً لاتفاق وقف إطلاق النار الحالي قد ظلت مطروحة للنقاش على مدى أشهر. غير أن الاتفاق أخذ شكله النهائي في أوائل أكتوبر وذلك لأن كل الأطراف واجهت ضغوطاً شديدة في أعقاب الغارة الإسرائيلية على قيادة “حماس” العليا التي تتخذ من الدوحة مقراً لها. تسبب الهجوم بصدمة لدول الخليج، الأمر الذي حملها على رأس مجموعة من الدول العربية والإسلامية للضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترمب لكي يدفع للتوصل إلى اتفاق فوري. وعُقد اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لتطوير البنود التي تم جمعها معاً تحت مسمى خطة ترمب المكونة من 20 نقطة.
وأثارت غارة الدوحة مخاوف الدول العربية بشأن الآثار غير المباشرة الناجمة عن حرب غزة، وأعطت ترمب، الذي أغضبته الغارة الإسرائيلية وفقاً لتقارير إعلامية عديدة، الزخم اللازم للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بطرق لم يكن مستعداً لاتباعها في الماضي. وقد مارست كل الدول الإقليمية القليلة المتبقية التي تحاور “حماس”، أي قطر وتركيا ومصر، ضغوطاً غير مسبوقة على “حماس”، كذلك هددت برفع الغطاء الدبلوماسي عنها، وترحيل قياداتها، ومعارضة أدائها أي دور في غزة في فترة ما بعد الحرب.
وكانت الضغوط على “حماس” تتضاعف باطراد حتى قبل غارة الدوحة. فقد كان غضب سكان القطاع يتفاقم بشكل متزايد من “حماس” بسبب تأثير الحرب التي كانت قد شنتها، وبدأت العديد من العشائر والميليشيات الغزية في معارضة “حماس” عن طريق العنف، وحظي بعضها بدعم إسرائيلي. لم يكن الوقت في مصلحة الحركة، إذ إن “حماس” غامرت مع مرور كل يوم، بفقدان نفوذها بما يواكب تناقص عدد الرهائن الذين بقوا على قيد الحياة. وقد فقدت “حماس” في العامين الماضيين، آلاف المقاتلين والكثير من القادة، وذكرت وسائل الإعلام الإقليمية أن غالبية مجنديها الجدد هم شباب غير مدربين ممن يتمتعون بمهارات قتالية محدودة. ومع تضاؤل ما لديهم من الأسلحة والأموال أيضاً، فقد شعر قادة “حماس” على الأغلب بالقلق من احتمال تراجع مكانتها السياسية في غزة بشكل أكبر.
على رغم أن قادة “حماس” كانوا يعتزمون في البداية أن يرفضوا خطة ترمب لوقف إطلاق النار، إلا أنهم قبلوا الاتفاق في النهاية، مع عدد من المحاذير. وهم سيتجهون في الوقت الحالي نحو تثبيت أقدامهم ضمن بنية الحكم في غزة بعد الحرب، وإعادة بناء قدرة الحركة على استعمال العنف من أجل منع أي طرف آخر من أن يصبح القوة المهيمنة. وقد نشرت “حماس” مقاتليها بالفعل في مواقع انسحب منها الجيش الإسرائيلي، بعدما جعلتهم يرتدون في الغالب ملابس مدنية، وأطلقت عليهم تسمية جديدة هي “قوات أمن غزة”، كذلك سعت إلى فرض سيطرتها وتصفية الحسابات مع العشائر والقبائل التي عارضت الحركة. في هذه الأثناء، أصدر قادة “حماس” والجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى في غزة بياناً مشتركاً أعربوا فيه عن “رفضهم المطلق لأي وصاية أجنبية” في غزة، وذلك على رغم أن خطة ترمب تنص صراحة على تشكيل قوة دولية موقتة لتحقيق الاستقرار، تتولى تدريب ودعم عناصر شرطة فلسطينيين يتم اختيارهم بعناية للعمل في غزة.
تنص الخطة المؤلفة من 20 نقطة على عدم تولي “حماس” والفصائل المسلحة الأخرى أي دور في حكم غزة، إلا أن الحركة لا تزال راغبة في أن تكون جزءاً من أي هيئة فلسطينية تكنوقراطية تدير غزة في المستقبل. وكما ذكرتُ سابقاً في مجلة “فورين أفيرز”، فإن “حماس” لم تنفذ هجمات السابع من أكتوبر بهدف السيطرة على غزة، بل بغرض التمكن من العمل على غرار “حزب الله” في لبنان: أي أن تكون جزءاً من البنية السياسية الفلسطينية ومنفصلاً عنها في آنٍ واحد، وذلك من خلال المشاركة في النظام السياسي ولكن من دون إدارته، مع الحفاظ على قوة قتالية مستقلة غير مُقيدة بأعباء الحكم. إن خطة ترمب تستبعد ذلك بشكل صريح، إذ تُصر على ألا تلعب “حماس” وفصائل مسلحة أخرى أي دور في حكم الأراضي الفلسطينية في المستقبل، وأن يتم نزع سلاح “حماس” والجماعات المسلحة الأخرى بالكامل ووضع أسلحتها خارج الخدمة، وأن يضمن الشركاء الإقليميون “وفاء ’حماس‘ والفصائل بالتزاماتها، وألا تُشكل غزة الجديدة أي تهديد لجيرانها أو شعبها”. من جانبها، ستبذل “حماس” كل ما في وسعها من أجل تجنب تهميشها على هذا النحو.
منزوعة السلاح وخطيرة
يتوقع ترمب سلفاً “سلاماً دائماً” في كل أنحاء المنطقة، لكن لدى السلطات الإسرائيلية رؤية مختلفة. وإذ يتذكر القادة الإسرائيليون أن زعيم “حماس” والعقل المدبر لعملية 7 أكتوبر، يحيى السنوار، كان واحداً من 1027 سجيناً أفرجت عنهم إسرائيل عام 2011 مقابل جندي إسرائيلي، فإن القادة الإسرائيليون يخشون أن تؤدي عملية تبادل الرهائن الحالية مقابل الأسرى إلى إطلاق سراح السنوار التالي. وهم يشعرون بالقلق من أن تعيد “حماس” تنظيم صفوفها في ظل زعامة جيل جديد من القادة الذين أصبحوا، مثل السنوار، أكثر تطرفاً في السجون الإسرائيلية (ولكن أيضاً أكثر ذكاءً استراتيجياً).
تدعو خطة ترمب إلى نزع سلاح “حماس” والجماعات المسلحة الأخرى ونزع سلاح غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين، بيد أن الأطراف المعنية لا تتفق كلها في الرأي. وبحسب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، فإن ما وافقت عليه “حماس” هو تجميد أسلحتها فقط، وليس نزع سلاحها. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الوسطاء الأميركيون والمصريون والقطريون قد قبلوا بوجود هذا الاختلاف في موقف “حماس” عن خطة ترمب. وقد رفض القيادي في “حماس”، موسى أبو مرزوق، فكرة نزع السلاح، موضحاً أن الحركة لن تتخلى عن سلاحها، ومؤكداً على أن “المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني”. من جانب إسرائيل، اعتبر وزير الخارجية جدعون ساعر أن الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة بموجب المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار مشروط بمعالجة سلاح “حماس”، مشدداً على ضرورة نزع سلاح الحركة.
لا تزال “حماس” ملتزمة “السعي الحثيث لجمع المساهمات والتبرعات”، وهو جزء آخر من الإرث الذي تركته قرارات فيلادلفيا عام 1993. وقد جادلت [تلك القرارات] بأنه يجب أن يكون من المتوقع أن تتحمل المنظمات الدولية تكاليف معظم الحاجات الفلسطينية، ما يسمح لـ”حماس” أن تركز جهود جمع التبرعات “على الجهات المرتبطة مباشرة بالجهاد”. وبالنظر إلى الماضي، فقد حققت “حماس” هذا الهدف إلى حد بعيد، إذ لم تُنفق أموالها إلا على إعالة مؤيديها، وبناء قاعدة شعبية، وتمويل نشاطاتها المسلحة.
إلا أن “حماس” تواجه اليوم أزمة مالية حادة بعد عامين من الحرب وفقدان القدرة على جني الإيرادات من الضرائب والرسوم التي كانت تجمعها بصفتها السلطة الحاكمة بحكم الأمر الواقع في غزة. ومن المتوقع أن تتدفق المساعدات الإنسانية الضرورية إلى غزة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وهو تطور إيجابي للغاية بالطبع. ولكن من الصحيح أيضاً القول إن لدى “حماس” سجل حافل لجهة تحويل مسار المساعدات وفرض الضرائب على التجار المحليين، كما ذكر سكان غزة الذين كانوا شهوداً على ذلك. إن أحد أسباب موافقة “حماس” على وقف إطلاق النار الآن هو معاناتها من شح في الموارد المالية. وتعتقد “حماس” أنها ستكون في وضع أفضل تستطيع معه أن تسد عجز حساباتها في فترة ما بعد وقف إطلاق النار.
الجزء الصعب
انطلاقاً من توقعات بتصنيف الولايات المتحدة “حماس” كمنظمة إرهابية عام 1995، قال أحد المشاركين في اجتماع فيلادلفيا عام 1993 لزملائه “أقسم بالله أن الحرب خدعة”. وأضاف من الضروري “التمويه، والتظاهر بأنك تغادر فيما أنت تسير في ذلك الاتجاه. اخدع عدوك”. شبه هؤلاء الأميركيون من أنصار “حماس”، الفكرة بخدعة لاعب كرة السلة التي تتمثل في “قيامه بإيهام لاعب آخر بأنه يفعل هذا الأمر في الوقت الذي يفعل شيئاً آخر”. هذه هي أفضل طريقة لفهم قبول “حماس” لوقف إطلاق النار. فبينما تُعيد تسليح نفسها ببطء وحذر في غزة، ستواصل الحركة التخطيط لهجمات من الضفة الغربية ولبنان، وربما ضد أهداف في الخارج أيضاً، وقد تم أخيراً إحباط عدة مؤامرات دبرتها “حماس” في أوروبا.
وحتى لو نجح الوسطاء في التعامل مع كل النقاط العشرين الواردة في خطة سلام غزة، فإن المنطقة ستظل بعيدة عن رؤية ترمب للسلام الدائم. وسيكون هناك من يفسد الوضع من جميع الأطراف، بطبيعة الحال. لكن لن يكون لأي منهم الفعالية ذاتها التي تتمتع بها “حماس” وإيران ووكلائها.
اجتمعت مجموعة مثيرة للإعجاب من قادة العالم في شرم الشيخ بمصر، بعد ساعات من إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. وأصدر قادة مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة بياناً يُعربون فيه عن “عزمهم المشترك على تفكيك التطرف والتشدد بأشكاله كلها”. بيد أن هذا الالتزام لن يكون ذا قيمة تُذكر إذا لم يتم ترسيخ الخطة الهيكلية المكونة من عشرين نقطة، على وجه السرعة. وإن مفتاح تقويض قدرة “حماس” على إعادة تنظيم صفوفها يكمن في الإسراع بإرساء هياكل أمنية وبُنى حكم أخرى لتحل محل تلك التي تديرها “حماس”.
بدايةً، يجب على المشاركين في قمة شرم الشيخ تشكيل بعثة دولية موقتة لتحقيق الاستقرار والحلول محل قوات “حماس” التي دخلت غزة فور انسحاب الجيش الإسرائيلي. وينبغي بهم بعد ذلك أن يدربوا قوة شرطة فلسطينية حديثة التجهيز. وأخيراً، يجب عليهم الإسراع في إنشاء هيئة موقتة انتقالية من التكنوقراط للإشراف على المهمة الضخمة المتمثلة في إعادة إعمار غزة وحكمها بعد الحرب.
ومن دون هذه الهياكل الأمنية وبُنى الحكم الإضافية، ستبقى غزة على ما هي عليه الآن: أي قوات الأمن والوزارات الحكومية التي تديرها “حماس”. لكن لن يكون بالضرورة الأمر كذلك. فمن خلال إقامة هذه البدائل، يمكن للحكومات التي أسهمت في إبرام اتفاقية وقف إطلاق النار أن تسهم أيضاً في نزع سلاح “حماس” وتقويض نفوذها.
*ماثيو ليفيت، زميل بارز في برنامج “فرومر-ويكسلر” ومدير برنامج “راينهارد” لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مؤلف كتاب حماس: السياسة، العمل الخيري، والإرهاب في خدمة الجهاد.