أقلام وأراء

عبد الله بن بجاد العتيبي: فلسطين بين «منظمة التحرير» و«حماس»

عبد الله بن بجاد العتيبي 22-10-2025: فلسطين بين «منظمة التحرير» و«حماس»

في أزمنة التفاهة الممنهجة وعصور الفوضى المعرفية والمنهجية، وسنوات الضياع السياسي والإعلامي، يصبح من الجيد وضع النقاط على الحروف والتذكير بأسس القضايا وأصول المعرفة والتفكير ومناهج التحليل والتركيب، لأن ذلك يستطيع أن يعيد الكثير من الناس إلى جادة الصواب وإلى رؤية الأمور كما هي، كحقائق ووقائع.

أسئلةٌ مهمةٌ: مَن هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟ باعترافٍ دوليٍ وإسلامي وعربي وفلسطيني، هو «منظمة التحرير» الفلسطينية. ومَن يمثل «منظمة التحرير» داخل فلسطين، في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ إنها «السلطة الفلسطينية» فقط لا غير. إذن، فما هي «حركة حماس»؟ ومَن تمثل من الشعب الفلسطيني؟ ومَن يعترف بها كممثل للشعب الفلسطيني نفسه؟

«حماس» حركة تنتمي لجماعات الإسلام السياسي، وتحديداً جماعة «الإخوان المسلمين»، وهي حركةٌ لا تعترف بفلسطين ولا غزة دولةً ووطناً، وتعتقد أنها صغيرةٌ وحقيرةٌ أمام المشروع الأيديولوجي الكبير لجماعات الإسلام السياسي بحسب تصريحات قادة «حماس» أنفسهم. لكن ما هي حقوق الشعب الفلسطيني من وجهة نظر «حماس»؟ ليس له أي حقوقٍ سوى الخضوع التام لسلاحها وقوتها وعنفها، وعدم الاعتراض عليها بأي شكلٍ من الأشكال، ومَن يفعل ذلك يحلّ ماله ودمه للجماعة المسلحة.

كانت القضية الفلسطينية تائهةً في صراعات العالم الدولية والإقليمية، وكانت ورقةً تفاوضيةً بين بعض الأنظمة الجمهورية العربية، فيختار كلٌ منها فصيلاً فلسطينياً ليدعمه وينفذ له أجندتَه ضد الأنظمة العربية الأخرى، ملكية كانت أم جمهورية، هكذا صنع القوميون والناصريون، وكذلك البعثيون ضد بعضهم البعض، بين بعث صدام العراق وبعث الأسد سوريا، حتى أصبح كثيرٌ من الفصائل الفلسطينية مجرد «بندقيةٍ للإيجار». لكن الدول العربية الصادقة في دعم القضية أصرت دائماً على دعم «منظمة التحرير» وقادتها وممثلها، على الرغم مما اعتراهم طويلاً من خطل السياسة والفساد العريض.

وكسبت القضيةُ الفلسطينية كثيراً وإن بعد لأيٍ، ووقعت معاهدات سلامٍ عربية إسرائيلية، على مراحل، لكن «منظمة التحرير» عادت لحكم الضفة الفلسطينية وقطاع غزة من داخلها لا من المنافي، واقعياً وليس وهماً، واضطرت إسرائيلُ لتجرع السم والقبول بذلك الحلّ الذي يفتح أفقاً حقيقياً لحلّ الدولتين والسلام العادل والشامل. وبعد عقدٍ ونيفٍ من اتفاقياتٍ السلام، دعم نتنياهو حركة «حماس» للاستيلاء على السلطة في قطاع غزة بالقوة المسلحة، ومنحها كلَّ الدعم المالي الذي تريده، وسهَّل لها بناءَ بنيةٍ تحتيةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ تحت عينه ونظره، وأراد منها خلق أكبر انشقاقٍ في الوحدة الفلسطينية، وفعلت ذلك له مبتهجةً بنفسها وقوتها، ثم عادت السلطةَ الفلسطينيةَ عداءً شرساً، وعادت الدولَ العربيةَ عداءً أكثر شراسةً، وأقنعت نتنياهو بدورها المهم والمؤثر، فباتت تقدم له القرابين من دماء الشعب الفلسطيني كل بضع سنواتٍ عبر حماقاتٍ صغيرةٍ هنا وهناك تمكّنه دائماً من خلق حروبٍ ضد الفلسطينيين يقتل فيها مَن يشاء ويخرب فيها ما يشاء، ثم تلهث «حماس» خلفه لتكمل دورَها في قتل القضية الفلسطينية.

وهكذا جرى في الحماقة الكبرى، يوم 7 أكتوبر 2023، وما حدث بعدها معروفٌ، لكن المهم اليوم هو أن «السلطة الفلسطينية» باتت تتحدث عن رغبة حركة «حماس» بالبقاء في حكم غزة، وهي التي وقعت على الهزيمة والاستسلام. هذه واحدةٌ، ثم إن أميركا وإسرائيل سمحتا للحركة بأن تحارب الشعب الغزاوي، وتقتل العشائر والعائلات بتهمٍ لا تساوي الحبرَ الذي كتبت به، كما سهّلت لـ«حماس» أن تقوم بالإعدامات الميدانية لشعب غزة من الفلسطينيين.

وأخيراً، فإن رؤية المشهد الحالي دون رتوشٍ تسمح للمراقب والمتابع بأن يكتشف حجم إنجازات «منظمة التحرير»، المدعومة عربياً، وحجم خيانات «حماس» المدعومة إسرائيلياً وإقليمياً ودولياً لتخريب القضية الفلسطينية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى