ترجمات عبرية

هآرتس: انتهاء الاتفاق النووي يضع ايران امام معضلة: إما ترامب او بوتين

هآرتس 20/10/2025، تسفي برئيلانتهاء الاتفاق النووي يضع ايران امام معضلة: إما ترامب او بوتين

بدون احتفالات ومراسم، وبدون مؤتمرات دولية وخطابات مشتعلة، انتهت في يوم السبت حقبة زمنية. الاتفاق النووي مع ايران، الذي تم التوقيع عليه في 2015، وصل بعد عقد الى نهاية سريان مفعوله بدون ان يحقق بالنسبة لايران ولكل العالم الاحلام التي تراكمت حوله. ايران كان يمكن ان تكون دولة مزدهرة، مع خطة نووية محدودة ومراقبة، ومع علاقات مدهشة مع معظم دول العالم. ولكن سيرورة التاريخ لا تاخذ في الحسبان الاتفاقات الدولية، وهي تخلق واقع خاص بها. بعد ثلاث سنوات على التوقيع على الاتفاق في ايار 2018 قرر الرئيس الامريكي دونالد ترامب تحت ضغط كبير من اسرائيل، الانسحاب بشكل احادي الجانب من الاتفاق النووي، وهكذا احدث الانعطافة التي بدأ منها التدهور الخطير الذي وصل الى ذروته في حزيران الماضي، عند بدء الحرب بين ايران واسرائيل بمشاركة امريكية كثيفة.

ولكن هذه الحرب ايضا لم تحقق هدفها. ترامب يؤمن، هذه الحقيقة ايضا، ان الحرب “دمرت بشكل كامل المنشآت النووية في ايران”، لكن عمليا، هذا الانجاز على الاقل هو انجاز مختلف عليه. حتى الان من غير المعروف ما هو حجم الضرر الدقيق الذي اصاب المنشآت، وأين يوجد حوالي 400 كغم من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة، وما هي طبيعة النشاطات لاعادة الترميم التي تنفذها ايران في جزء من هذه المنشآت، وبالاساس، هل ما زالت توجد احتمالية للتوصل الى اتفاق نووي جديد.

ليس فقط موقف وخطط ايران غامضة، بل ايضا الرئيس ترامب لم يقرر بعد أين سيضع ايران على خارطة طريقه التي من شانها ان تحقق “السلام العالمي”. لانه، بما يشبه الحوار مزدوج الابعاد الذي يجريه مع حماس وفيه التهديد بـ “الدمار الكامل” و”فتح باب جهنم”، يتم تقليصها باعطاء تعليمات لاسرائيل بوقف الحرب واجراء مفاوضات مباشرة مع كبار قادة حماس، هكذا هو يتصرف ايضا مع ايران.

امام التهديد الثابت تجاه ايران باحتمالية مهاجمتها فان ترامب نقل عنه قبل عشرة ايام القول بان ايران بالذات تؤيد خطة العشرين نقطة التي صاغها لانهاء الحرب في غزة. “ايران معنية بالعمل من اجل السلام. لقد قالوا لي ذلك واوضحوا بانهم يؤيدون بشكل كامل خطتي. نحن نقدر ذلك وسنعمل على ذلك مع ايران. نحن نريد ايضا رؤية انهم يبنون بلادهم، لكن محظور ان يكون لديهم سلاح نووي”، قال الرئيس ترامب. وهو في هذه المرة لا يضلل. وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي غرد حقا بان “ايران تبارك كل مبادرة تنهي الابادة الجماعية التي تنفذها اسرائيل في غزة، وتضمن ابعاد الاحتلال عن غزة”. ولكن مثل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ايضا الرئيس الايراني مسعود بزشكيان، رفض الدعوة التي حصل عليها من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمشاركة في “مؤتمر السلام” في شرم الشيخ. “نحن لا يمكننا العمل مع شركاء قاموا بمهاجمة الشعب الايراني ويواصلون تهديدنا بالعقوبات”، كتب عراقجي في شرحه لرفض الدعوة. ومثلما في اسرائيل، ايضا في ايران تعرض الرئيس للانتقاد بسبب تفويته فرصة ضم بلاده الى طاولة متخذي القرارات الدولية، وربما البدء في مفاوضات مباشرة مع الرئيس الامريكي.

الاختلاف حول مشاركة ايران في مؤتمر شرم الشيخ هو في الواقع هامشي بالنسبة لقضية المشروع النووي، لكنه يدل على تخبط شديد بالنسبة للاستراتيجية السياسية الشاملة التي يجب على القيادة تبنيها.

منذ بداية الحرب كانت ايران ضيفة ثابتة في مؤتمرات القمة الاقليمية التي عقدت تحت عنوان “مؤتمرات عربية واسلامية” بهدف عرض الحرب في غزة كموضوع يقلق كل العالم الاسلامي، وليس كقضية محلية وعربية. ايران ايضا اضطرت الى ان تبتلع في هذه المؤتمرات عدة ضفادع، عندما طالبت القرارات التي تم اتخاذها في هذه المؤتمرات بنزع سلاح حماس أو ابعادها عن أي مشاركة في ادارة القطاع.

ايران التي تطمح الى استئناف علاقاتها مع مصر، منحت حتى الرئيس السيسي شرف استضافة مراسم التوقيع على الاتفاق لاستئناف نشاطات مراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية في المنشآت النووية في ايران، الذي تم التوقيع عليه في الشهر الماضي. ولكن في حين انه بالنسبة لوقف الحرب في غزة ايران هي جزء من اجماع دولي واسع، وليس فقط عربي واسلامي، فان قضية الذرة هي بالنسبة لها قصة مختلفة في اساسها، تمس بصراعات القوة الداخلية ومستقبل الدولة.

هل يمكن الاعتماد على بوتين؟

من فوق راس ايران يلوح الان سيف العقوبات الدولية التي يمكن ان تعود مع تفعيل بند اعادة فرض العقوبات الذي دخل الى حيز التنفيذ في يوم السبت الماضي. الجهود الدبلوماسية الكثيفة التي بذلتها ايران، ومحاولة الحصول على تاجيل لتفعيل هذا البند لم تنجح، والان طهران تدعي انه عند انتهاء صلاحية كل الاتفاق النووي فانه ايضا بند اعادة فرض العقوبات لم يعد ساري المفعول.

“جميع البنود في الاتفاق، بما في ذلك البنود التي تفرض القيود على المشروع النووي الايراني والآلية المرتبطة بذلك، تعتبر لاغية مع انتهاء صلاحية الاتفاق”، قيل اول امس في بيان وزارة الخارجية الايرانية. على الصعيد الدبلوماسي هي نجحت في الواقع في تجنيد دعم الصين وروسيا، اللتان تؤيدان ادعاء ايران، لكن هناك شك كبير فيما اذا كانت هذه المبررات القانونية ستنجح.

النقاش العام الذي يجري في هذه الاثناء في ايران حول موضوع استئناف العلاقات بين ايران والولايات المتحدة يدل ايضا على ان التقدير الذي بحسبه روسيا والصين هما “ورقة مضمونة” ستمكن ايران من التملص من العقوبات، ليست في الحقيقة ورقة آمنة.

“روسيا هي دولة هامة في منطقتنا، لكن يوجد لها خطوط حمراء: ضمان ان ايران لن تقيم في أي يوم علاقات سلمية مع العالم الخارجي”، هكذا هاجم محمد جواد ظريف، وزير خارجية ايران السابق في فترة التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول العظمى الستة، وحتى أنه عمل لفترة قصيرة كنائب للرئيس بزشكيان. هذا في الحقيقة تصريح استثنائي من حيث شدته، لكنه جزء من اجمالي التصريحات الجديدة تجاه موسكو، التي وصلت الى الذروة عند سقوط نظام الاسد في سوريا، واتهام روسيا بأنها لم تساعد الرئيس السوري في الصمود والبقاء، وهكذا هي خدمت اسرائيل.

روسيا والصين وقعتا في الواقع على اتفاقات بعيدة المدى للتعاون الاستراتيجي مع ايران، تشمل استثمار مئات مليارات الدولارات، لكن هذه الاتفاقات لا تتضمن تعهد بالدفاع عن ايران اذا تعرضت للهجوم. في ايران نشر انها وقعت مع روسيا على اتفاق لشراء 48 طائرة من نوع “سوخوي 35″، ولكن في 2022 نشر عن صفقة مشابهة لشراء 24 طائرة “سوخوي”، التي لم تخرج حتى الآن الى حيز التنفيذ.

في المقابل، التقارب الجديد بين روسيا وسوريا، وزيارة الرئيس السوري احمد الشرع في موسكو في الاسبوع الماضي، اشعلت الضوء الاحمر في طهران. في ايران يخشون من ان التقارب الجديد بين روسيا وسوريا يمكن أن يكون على حسابهم.

“تنفيذ الاتفاق بين ايران وروسيا يمكن ان يواجه صعوبات لان روسيا ستفعل كل ما هو جيد لها”، حذر نعمة الله ايزادي، الذي كان سفير ايران في موسكو. وقد المح الى ان الرئيس بوتين من شأنه أن “يضحي” بايران على مذبح علاقاته مع الرئيس الامريكي ترامب، ومن اجل ازالة عن روسيا تهديد فرض العقوبات الدولية. في حين ان هذا هو المناخ فان ايران لا يمكن ايضا ان تكون هادئة من رسالة بوتين التي جاء فيها بانه تحدث مع نتنياهو، الذي وعده بان اسرائيل غير معنية بمواجهة عسكرية مع ايران.

حسب تقارير في موقع “امواج” فان مستشار رفيع لبوتين نقل الى السفير الايراني في موسكو نسخة عن المحادثة الكاملة بين بوتين ونتنياهو. ربما انه في كل ما يتعلق بمواجهة عسكرية مع اسرائيل فان ايران يمكنها “الاعتماد” الآن اكثر على ترامب بانه لن يسمح لاسرائيل بجره الى مغامرة عسكرية جديدة في الوقت الذي فيه جبهة غزة ما زالت مشتعلة.

مع انتهاء صلاحية الاتفاق النووي وتفعيل بند اعادة فرض العقوبات فان قضية ايران دخلت الى مرحلة الانتظار، التي ستفحص فيها تاثير العقوبات الاقتصادية الجديدة على قرارات ايران، وبالاساس سؤال هل الصين وروسيا ستنضم الى هذه الخطوة. ايران اثبتت في السابق قدرة مثيرة للانطباع على الصمود في ظل العقوبات الشديدة، لكنها ايضا اظهرت “مرونة بطولية”، حسب اقوال الزعيم الاعلى علي خامنئي، عندما قررت التوقيع على الاتفاق النووي. يبدو ان اتخاذ قرار حول هل سيتم التوجه الى خطوة دبلوماسية “بطولية” اخرى، سيكون مرهون الان بنتائج صراعات القوة الداخلية اكثر مما هو مرهون بالضغط الخارجي.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى