أقلام وأراء

د. عبد المنعم سعيد: إنقاذ الشرق الأوسط

د. عبد المنعم سعيد 16-10-2025: إنقاذ الشرق الأوسط

التغييرات الكبرى في العالم وأقاليمه تكون نتيجة الحروب والصراعات التي كثيرا ما تعطي فرصة لنقلة نوعية تسمح بمرحلة جديدة على مسار التقدم البشري.

المثال المعروف هو الحرب العالمية الثانية التي خلقت بعدها الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها. ورغم كل ما تتعرض له المنظمة الدولية فإن الواقع هو أنه لم تحدث حرب عالمية أخرى، ولم تتعرض مدن للقصف بالقنابل النووية، ورغم الانقسام الشديد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة، فلم تحدث بينهما حروب مباشرة.

والخلاصة أن العالم بات أفضل حالا، تعليما وصحة وتكنولوجيا، وفيه الكثير من التواصل والبحث عن مخلوقات أخرى خارج كوكب الأرض. انتهاء الحرب الفيتنامية في آسيا وبعدها، وانتهاء «الماوية» في الصين، خلق حالة من البحث عن الرخاء، والنفاذ إلى النظام الاقتصادي العالمي لم ينه كل النزاعات الإقليمية والمحلية فقط، وإنما فتح الباب للتعاون الاقتصادي في ظل «آسيان» الذي أفاض بالرخاء على دول جنوب شرق آسيا التي في مجموعها تناطح أوروبا فى السبق الاقتصادي، ومن رحمها بزغت الصين كقوة عظمى جديدة لها طريقتها السلمية في قيادة العالم.

الشرق الأوسط وحده هو الذي بقي على حاله؛ وخلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين عانت المنطقة أولا من تراجع الدول الموحدة والمركزية وحل محلها قائمة طويلة من الدول الفاشلة؛ وثانيا تعدد أشكال النزاع والصراع عاكسا التناقض ما بين السنة والشيعة، والصراع على الموارد الطبيعية؛ وثالثا اختلاط الصراعات الإقليمية مع التدخلات الدولية للولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا في الحرب مع «داعش» التي أسست لـ”دولة الخلافة” ودفعت دول إقليمية إلى التدخل في شؤون دول مجاورة لكبح موجات الإرهاب؛ ورابعا باتت أنماط الصراعات متغيرة من الداخل إلى الإقليمي ومن المنظمات الصغرى مثل «بيت المقدس» في سيناء إلى «داعش» في «دولة الخلافة» بينما تقوم روسيا بالدفاع عن نظام بشار الأسد في سوريا؛ وخامسا ظهر إلى الساحة فواعل اقتصادية جديدة عابرة للحدود ومختلطة مع مافيا الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والآثار. وسادسا كانت المرحلة كلها ذات تكلفة عالية، فقد بلغ عدد ضحايا الربيع العربي 430 ألفا والجرحى 2.5 مليونا، والنازحون واللاجئون 14.3 مليونا منهم 11 مليونا من السوريين.

خلاصة القول إن العقد كان زمنا للفوضى الكبرى، ولكن بداية العقد الثالث من القرن شهدت عودة للتماسك والبعد عن الفوضى ونهاية «دولة الخلافة»، وكانت البداية أن الدول «الملكية» نجت من «الربيع العربى» وتوابعه، وفي قلبه وبفعل وأصالة القوات المسلحة المصرية نجت الدولة من أصولية الإخوان المسلمين؛ ومع منتصف العقد باتت هناك 12 دولة عربية لا تعرف الميليشيات، ولا الحرب الأهلية؛ والأهم أن لديها مشروعا وطنيا متجسدا فى «رؤية» للتقدم إلى المستويات العالمية محطته الأولى في عام 2030.

لم يعد الشرق الأوسط استثناء من التغيير الذي يجري في العالم، وبات مؤكدا بعد عواصف «الربيع العربي» أن الدول التي عرفت كيف تتجنب العاصفة، ونجحت في مقاومتها، عرفت أن أول الدروس هو الحفاظ على الدولة وسيادتها، وإلا كان هناك انفراط وتمزق وتشتيت. وثاني الدروس كان أنه لا مفر من الإصلاح بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكنه ليس روشتة طريق إلى الفوضى والانقسام الوطني والتبعية لجماعات ومؤسسات «عالمية» تحت غطاء العولمة.

لم يعد يهم آراء وتوجهات «هيومان رايتس ووتش» و«العفو الدولية»، ولا المنظمات الدولية «الحقوقية» الأخرى، ولا أيا من الدول التي تصورت أن نهاية التاريخ حدثت عند بابها. تمثل الدرسان ـ الحفاظ على الدولة والإصلاح ـ في تجارب دول الخليج العربية ومصر والأردن والمغرب وتونس والجزائر، بينما ظهر الوجه الآخر القبيح في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان وفلسطين بأشكال مختلفة كان أشدها قسوة ما جرى من حروب أهلية بدأت ربيعا من الشباب وانتهت شتاء قاسيا ومدمرا.

أولى النتائج في النظام الإقليمي الجديد للشرق الأوسط كانت استعادة الدولة لدورها مرة أخرى، ولم تحافظ الدول المشار إليها فحسب على وقف مسار التمزق في الدول العربية؛ بل إنه بات ممكنا أن تمنع محاولة الاستقلال الكردية في العراق، وانتهت «دولة الخلافة» المزعومة بين سوريا والعراق، والأهم أن حرب غزة الخامسة قادت إلى إضعاف محور المقاومة والممانعة دون القضاء عليه. وربما كان أهم ما جرى أن الإرهاب بدأ في الانحسار التدريجي في العالم والشرق الأوسط في مقدمته. فتح الباب لأشكال مختلفة من التعاون الإقليمي العربي يمكن تسميته «العروبة الجديدة» التي تصبو ليس فقط لسلامها الداخلي وإنما أكثر من ذلك تحقيق الاستقرار والسلام الإقليمي بالتعامل مع معضلات دول الفوضى، ووضع نهاية للصراع العربي الإسرائيلي بتحقيق الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية مقابل الاستيعاب والاندماج في شرق أوسط مستقر وناجح. «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023 كان رد الفعل للتطورات الإيجابية الجارية في المنطقة، واستفاد كثير من التغيرات العميقة التي جرت في إسرائيل حينما زاد توجهها إلى اليمين الديني المتعصب منذ الانتفاضة الثانية؛ ونجاح حكومة نتنياهو في حصار السلطة الوطنية الفلسطينية من ناحية، والدفع إلى انفصال قطاع غزة عنها بالتعاون مع حماس.

القصة بعد ذلك معروفة، والحلقة الفارقة التي تقود لنهاية الحرب هي ما يجري حاليا في «شرم الشيخ»، أو أن شيطان الفوضى والعنف والتخلف سوف يسود.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى