مروان إميل طوباسي: سلام ترامب ، المشروع التصفوي والبديل الفلسطيني الممكن ..

مروان إميل طوباسي 15-10-2025 سلام ترامب ، المشروع التصفوي والبديل الفلسطيني الممكن ..
منذ اللحظة التي أعاد فيها دونالد ترامب ومعه توني بلير ، إطلاق الحديث عن “خطة السلام الجديدة”، كان واضحا أن الهدف ليس تسوية الصراع ، بل إعادة هندسة المنطقة والحالة الفلسطينية بما يخدم الرؤية الأميركية–الإسرائيلية وتثبيت مزاعم انتصار إسرائيل بالأسلحة الأمريكية وفق وعد صهيون الذي اشار له ترامب أمام الكنيست . فالخطة ليست سوى امتدادٍ لمشروع تصفية سياسية متكاملة ، تبدأ من غزة ولا تنتهي عند حدود الضفة الغربية ، وتستند إلى فرض أمر واقع جديد عبر أدوات محلية وإقليمية تُقدم بغطاء “دولي” مُختار وفق ما أشرت له بمقالاتي السابقة .
هذه الرؤية ، التي تُسوق إعلاميا بأنها “مرحلة ما بعد الحرب” أو “سلام الشرق الأوسط الجديد”، تتضمن في جوهرها إعادة هندسة وتشكيل البنية الفلسطينية عبر لجان إدارة مؤقتة ومجالس تكنوقراط تُفرض من الخارج وتُفرغ من أي مضمون وطني تحرري لتكون بإشراف من أجرم بحق العراق وبحقنا سابقا طوني بلير . إنها محاولة لتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية التي تجاوزها مؤتمر شرم الشيخ من المشاركة بالتوقيع كممثل شرعي وحيد ، رغم ان الإتفاق قد جرى بين اسرائيل وحماس بوساطة أمريكية وتركية ومصرية وقطرية كل منهم له مصلحة بالبحث عن دور بالشرق أوسط الجديد ، بالرغم من أن المنظمة بحاجة اليوم إلى إصلاح شامل واستنهاض نظامنا السياسي الفلسطيني المثقل بالأزمات ، بما يشمل مؤسساتها وهيكل السلطة الوطنية ، وذلك بقرار وطني مستقل قائم على الديمقراطية الانتخابية والشفافية والنزاهة ومصالح شعبنا الوطنية اولاً كمصدر للسلطات ، ليكون لديها القدرة على مواجهة الأملاءات الأمريكية ومحاولات فرض تشكيل سلطة فلسطينية “متجددة” مفروضة من الخارج.
وفي خضم هذه التحركات ، لا يمكن إغفال المشهد البروتوكولي المزيّف بارادة أمريكية الذي رافق مؤتمر “السلام” الأخير في شرم الشيخ من مشاهد مقصودة لتجميل مشروع خطير يراد تمريره على أنه تسوية تاريخية ، بينما هو في الحقيقة غطاء لتكريس الأحتلال بمفهومه الكولنيالي وتمديد عمره السياسي واخراجه من عزلته الدولية وازمته الداخلية ، ومحاولة للالتفاف على أنتفاضة التضامن الدولي الشعبي المتصاعدة وعلى سلسلة الأعترافات الاخيرة بدولة فلسطين والممتدة منذ عام ١٩٨٨ ، وعلى المبادرة السعودية–الفرنسية التي تأسس عليها مؤتمر نيويورك قبل اسابيع على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ، التي كانت قد فوضت محكمة العدل الدولية منذ العام الماضي بإصدار رأيها الأستشاري الذي قضى بوجوب إنهاء الأحتلال وبسقف زمني واضح بالرغم من كافة محاولات الولايات المتحدة لإعاقة ذلك وفرض العقوبات على القضاء الدولي ، الى جانب القرارات التي اتخذتها بشان قضيتنا السياسية وعدوان الابادة على غزة والتوسع الكولنيالي بالضفة بما فيها القدس وتجريم قادة الأحتلال .
لكن أمام هذا المشهد الذي تستثني منه وثيقة ترامب وبلير المفخخة وتصريحات ترامب اللاحقة الحقوق السياسية لشعبنا بما فيها حق تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة ذات السيادة وحل قضية اللاجئين ، يبرز اليوم بديل فلسطيني واقعي ومتماسك ، يتمثل باستعادة الإرادة السياسية الفلسطينية المستقلة والموحدة كأساس لأي مواجهة وطنية مع تلك المشاريع القديمة الجديدة ، مع استثمار ما تعلمته “حماس” كما هو مفترض من تجربتها بأن حكمها لغزة لا يمكن أن يكون دائما أو منفرداً ، وأن الأنفتاح على الحوار والتوافق الوطني ضرورة لضمان استمرارية القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وحماية الشعب الفلسطيني ، الامر الذي نأمل لأن يكون جاداً ومخلصا من الكل الوطني الفلسطيني دون اعاقات ، خاصة بعد وقف عدوان الإبادة ومحرقة القرن الحالي والمراجعة النقدية لما حصل رغم تأخره و تباطئ التعامل معه .
واليوم يجب ان تُترجم هذه الإرادة بخطوات عملية تبدأ من إعلان دولة فلسطين تحت الأحتلال وفق ما اعلن عنه الرئيس أبو مازن في وقت سابق ، وذلك وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ، ولا سيما قرار الجمعية العامة رقم ٣٢٣٦ والأعتراف بدولة فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة لعام ٢٠١٢ ، واستنادا إلى القانون الدولي الذي يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإنهاء الأحتلال ، لا تجميله . وفي إطار هذه الخطوة ، يتم تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني
de facto
تحت مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها صاحبة الولاية السياسية والجغرافية على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة ، بما فيها غزة ، وتتمتع بكافة الصلاحيات القانونية والسياسية اللازمة لإدارة شؤون الدولة الفلسطينية تحت الأحتلال ، بما ينسجم من جانب اخر مع صلاحيات السلطة الوطنية المنصوص عليها حتى في اتفاق أوسلو الذي رعته الولايات المتحدة كما وسياقات القانون الدولي التي تنكرت لها الولايات المتحدة وإسرائيل معاً .
بهذا الشكل المستند الى نصوص القانون الدولي والمعاهدات الدولية ، تُقطع الطريق على أي محاولات أميركية–إسرائيلية لإنشاء مجالس أو لجان بديلة تُدار وفق “خطة ترامب–بلير”، أو تحت ما يسمّى بـ“مجلس السلام” الجديد او فرض السلام المزعوم بالحروب ، الذي يُراد له أن يقرر مصير غزة و”المعازل الجغرافية ” بالضفة الغربية لاحقاً دون القدس المحتلة ودون الأغوار ومناطق المستوطنات الأخرى ، بمعزل عن إرادة شعبنا الفلسطيني ومبدأ وحدة الارض والشعب . هذه الحكومة التي اشرت لها ليست مجرد إجراء رمزي ، بل ركيزة يتوجب التعامل معها بالسرعة الممكنة لإعادة وحدة القرار الفلسطيني المستقل المطلوبة في هذا المفصل التاريخي من قضية شعبنا وللأستمرار في استنهاض التدويل الجاري لقضيتنا الوطنية الذي لا يريده ترامب ، ولتحصين الكيانية الوطنية ، وحماية الشعب الفلسطيني من الوصاية الأستعمارية الجديدة دون قرار أممي .
إن ما يهم اليوم ليس المناكفات السياسية أو الصور البروتوكولية ، بل مصير الشعب الفلسطيني وقضيته التحررية الوطنية . الحل لن يأتي من تفاهمات الغرف المغلقة ولا من محاولات ترامب استثمار تلك الصور والتواقيع لتمرير مخططاته ، بل من وحدة القرار الفلسطيني وإرادته الحرة ، ومن استعادة الشرعية الوطنية كاملة على الأرض تحت الأحتلال لحين إنهاء الأحتلال وهو الامر الاساس لأي سلام ممكن لاحقا ولتجسيد الإستقلال الوطني ، بما يحمي الحقوق التاريخية والسياسية والدستورية للشعب الفلسطيني وفق القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة وخاصة قرارات الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة بالأغلبية المطلقة التي اتخذتها قبل شهر في دورتها الاخيرة وبما عكسته من أجماع أممي حقيقي يمثل شرعية دولية يتوجب الأستناد عليها واستثمارها ، لا على خطط ترامب الذي منع الرئيس محمود عباس نفسه من الحضور اليها وجاهيا ، بل وكان وما زال شريكا في عدوان الإبادة وتداعياته . فمن لا يملك قراره لن يملك مصيره ، ومن لا يملك وحدة كيانيته لن يملك مستقبل وطنه .