هآرتس: اما ان تكون إسرائيل منبوذة أو أن تنهي الاحتلال، لا يوجد خيار آخر

هآرتس 13/10/2025، اوري بار يوسيف: اما ان تكون إسرائيل منبوذة أو أن تنهي الاحتلال، لا يوجد خيار آخر
حتى الآن يصعب تحديد ماذا ستكون التداعيات بعيدة المدى للصفقة مع حماس، لكن الان يمكن تشخيص علامات على ان الدمار الذي سببه الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة وسكانه قد ادخل دولة إسرائيل الى عصر جديد، وفتح المرحلة الرابعة في تاريخ المشروع الصهيوني.
المرحلة الأولى بدأت في المؤتمر الصهيوني في 1897، الذي وضع نصب عينيه إقامة ملاذ آمن للشعب اليهودي. خمسون سنة من البناء والعمل الطلائعي، حولت ما اعتبر حلم الى واقع، وفي 29 تشرين الثاني 1947 حصلت على مباركة المنظومة الدولية بقرار التقسيم الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة. المرحلة الثانية بدأت مع حرب الاستقلال وإقامة دولة إسرائيل والنكبة الفلسطينية. على الأقل حتى قبل سنتين كانت النكبة هي الكارثة الأكبر للشعب الفلسطيني واللطخة المظلمة الأكبر على المشروع الصهيوني. ولكن بمفاهيم الاربعينيات هي لم تكن استثنائية. التطهير العرقي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وإقامة الهند وباكستان، أدت الى تهجير عشرات الملايين من بيوتهم. من وجهة النظر الصهيونية كانت النكبة أيضا ضرورية، حيث انه بدون خلق اغلبية يهودية ثابتة لم يكن بالإمكان الوقوف امام تحدي إقامة ملاذ آمن للشعب اليهودي، مع الحفاظ على نظام ديمقراطي. هكذا، رغم النكبة، حصلت إسرائيل حتى 1967 على تعاطف العالم الليبرالي معها كدولة اشتراكية ديمقراطية صغيرة، محاطة بالاعداء، واعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
المرحلة الثالثة بدأت عند انتهاء حرب الأيام الستة واحتلال المناطق. تغييرات ترجمت بقرار مجلس الامن 242 الصادر في تشرين الثاني 1967 الى صيغة دولية لحل النزاع، التي نصت على “الأرض مقابل السلام”. إقامة المستوطنات في الواقع شكلت تحديا لمكون الانسحاب، ولكن هذا الامر لم يغير حقائق أساسية. الأولى هي ان الصيغة الأساسية لحل النزاع بقيت بدون تغيير حتى بعد مرور ستين سنة على الاحتلال: مطالبة دولية بانسحاب كامل مقابل انهاء النزاع. الثانية: في ظل غياب اغلبية يهودية بين النهر والبحر فان أي حل لا يمثل تقسيم سيعرض للخطر استمرار وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
الاحتلال خلق في المناطق واقع من الابرتهايد الفعلي، لكنه لم يؤد الى رد دولي شديد. هذا الواقع تغير بشكل دراماتيكي مع قرار إسرائيل شن، ما يظهر الآن ككارثة، حرب تدمير غزة. في مركز التغيير تقف مكانتها المتدهورة في الرأي العام الدولي، رغم ان مكانتها كعزيزة العالم الليبرالي فقدتها قبل سنوات، الا أنها حتى الحرب كانت ما تزال تحظى بصورة الدولة الناشئة. السنتان اللتان فيهما شاهد كل العالم، باستثناء إسرائيل، صور الدمار من القطاع، الأطفال الجائعين والمستشفيات التي لا يمكنها تقديم المساعدة، حولت إسرائيل الى دولة منبوذة، ليس فقط في نظر الليبراليين الشباب في أمريكا، بل أيضا في نظر البالغين الذين يصوتون للحزب الجمهوري، وهذا ستكون له تداعيات عملية.
التشبيه الأكثر صلة بتاثير الحرب على إسرائيل هو تاثير اعمال الشغب التي اندلعت في حزيران 1976 في سويتو، بلدة سود على مشارف جوهانسبورغ، على مكانة جنوب افريقيا الدولية. لقد بدأت اعمال الشغب باحتجاج طلاب المدارس الثانوية ضد طلب حكومة البيض، التعليم في المدارس باللغة الافريقية، وقتل مئات السود. صور الأطفال القتلى صدمت الرأي العام العالمي. حتى ذلك الحين كان نظام الفصل العنصري مدان، ولم تطبق الدول سوى مقاطعات رمزية ضده. اما احداث سويتو فقد اشتعلت حركات احتجاج جماهيرية والمطالبة باتخاذ تدابير اكثر جوهرية: مقاطعة جنوب افريقيا وبضائعها وتحويل الاستثمارات الأجنبية من الدولة وفرض عقوبات دولية، وهذا يختصر بـ “بي.دي.اس”.
التغير في الرأي العام حول جنوب افريقيا الى دولة منبوذة. لقد تم فرض مقاطعة أدت الى عزلها عن عالم الادب ومشاريع الرياضة الكبرى وشركات اجنبية أخرجت استثماراتها، وشركات دولية توقفت عن بيع بضائعها فيها، والأمم المتحدة أعلنت عن حظر السلاح لها. المقاطعة والعزلة أثرت، لكن نظام الابرتهايد انهار نهائيا فقط في 1994 وبعد ذلك تم رفع المقاطعة بالكامل.
المقارنة التاريخية تقتضي الحذر، لكن المقارنة مبررة. في حالة جنوب افريقيا كان الطلب هو الغاء نظام الفصل العنصري، أما هنا فان الطلب سيكون انهاء الاحتلال. في حالة جنوب افريقيا الامر استغرق 28 سنة بين إقامة نظام الفصل العنصري في 1948 واعمال الشغب في سويتو من اجل البدء في المقاطعة. أما في حالة إسرائيل الامر استغرق الضعف، لكن العملية بدأت. المستقبل غامض بالطبع، لكن يمكن التقدير بان إسرائيل اكثر حساسية للمقاطعة الدولية، وان تاثير انهاء الاحتلال على حياة المواطن الإسرائيلي العادي سيكون اقل من تاثير تأسيس حكومة سود على حياة المواطن العادي في جنوب افريقيا.
هناك أيضا مكان للتفاؤل. يمكن توقع أن فترة المرحلة الرابعة في تطور المشروع الصهيوني – المرحلة التي ندخل اليها الان والتي فيها سينتهي الاحتلال – ستكون اقصر من الفترة الزمنية التي كانت مطلوبة من اجل احداث التغيير في جنوب افريقيا.