أقلام وأراء

جيمس زغبي: سوريا تحديات عديدة

جيمس زغبي 13-10-2025: سوريا تحديات عديدة

مسكينة سوريا! قد تبدو هذه بداية مشؤومة، لكنها صادقة، فالبلاد تواجه مشاكل لا تُحصى، داخلية وخارجية، لا يمكن حل أي منها بسهولة. منذ بداية العصر الحديث، كانت سوريا ضحية لمكائد الآخرين. فقد انتقلت من الحكم العثماني إلى بقايا ما تبقى بعد أن قام الفرنسيون والبريطانيون بتقسيم المشرق العربي إرضاءً لمخططاتهم الاستعمارية. وبسبب سوء الإدارة والانقسامات الطائفية، أصبحت سوريا، مثل «نصفها الآخر» (لبنان)، ساحةً للألعاب القاتلة التي يمارسها الجيران وغيرهم.

في السنوات الأخيرة، تورطت إسرائيل وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، ومن يدعمون الجماعات المتطرفة والفصائل والميليشيات اللبنانية والفلسطينية والأكراد وبالطبع «داعش»، جميعهم بدرجات متفاوتة في التدخل في سوريا، عسكريا وسياسيا. ومثل أطفال متهورين منخرطين في لعبة خطيرة، لم يُعر هؤلاء «الغرباء» أي اهتمام لعواقب سلوكهم. عندما بدأت حرب سوريا ضد نفسها عام 2011، تم تجاهل من حذروا من أنها لن تأتي بخير. وعندما ارتفع عدد القتلى إلى 5000، وتعالت الدعوات في الولايات المتحدة والعالم العربي مطالبة بتسليح المعارضة السورية، حذر آخرون من أن زيادة تسليح المعارضة ستدفع حلفاء نظام الأسد إلى إرسال مزيد من الأسلحة لحمايته. وهكذا، استمر التصعيد، حيث استقطبت كل من الفصائل الطائفية ونظام الأسد حلفاءها حتى غرقت البلاد في الدماء وتمزقت. وبعد ثلاثة عشر عاماً من الصراع، تقدمت الجماعة التي كانت مرتبطة في السابق بتنظيم «القاعدة» – والتي سيطرت لسنوات على محافظة إدلب في شمال سوريا – نحو دمشق وأسقطت نظام الأسد، الذي كان قد تخلى عنه إلى حد كبير داعموه الروس والإيرانيون. احتفل الكثيرون في سوريا وحول العالم. لكن في الواقع، لم يكن هناك ما يدعو للاحتفال، إذ تتراوح تقديرات عدد قتلى الحرب بين 560 ألفا و680 ألفا. كما تم تدمير جزء كبير من البنية التحتية السورية، ونُفي أكثر من نصف سكانها أو نزحوا داخليا، وتلاشى ما تبقى من تماسكها الاجتماعي والسياسي الهش.

ربما غادرت إيران والميليشيات المتحالفة معها أو ضعفت، وعززت روسيا موقعها على طول الساحل لحماية مينائها وقاعدتها الجوية على البحر المتوسط، لكن إسرائيل وتركيا رسختا وجودهما. كانت إسرائيل عدوانية بشكل خاص في الاستيلاء على الأراضي، وتأجيج الصراع الطائفي، وقصف الكثير من قدرات سوريا الدفاعية والأمنية الداخلية. أضف إلى ذلك التحديات الداخلية التي تفرضها المجتمعات السورية المتنوعة عرقياً وطائفياً.

ورغم أن خطاب النظام الجديد بدا واعداً، إلا أن المشكلات التي يواجهها تفرض عليه اختيارات شبه مستحيلة. وهذه الاختيارات تقيد قدرته على المضي قدما، وإذا اشتد الضغط عليه، فقد يدفعه إلى «التكاتف» واتخاذ إجراءات قمعية متزايدة لتجنب فقدان السلطة. مثال واحد فقط: يواجه النظام الجديد ضغوطاً مالية هائلة لإعادة بناء البلاد، وتنمية الاقتصاد، وإعادة هيكلة الشرطة وموظفي الخدمة المدنية، ودفع رواتبهم.

لكن قدرة السلطة الجديدة في سوريا على جمع الأموال وجذب الاستثمارات الأجنبية تُعيقها حقيقة أن حكومة الأسد كانت خاضعة لعقوبات دولية، وأن الحكومة الجديدة لا تزال مدرجة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كمنظمة إرهابية. في حين أن العديد من الدول ترغب، ولأسباب مبررة، في أن تُثبت الحكومة الجديدة أنها لم تعد الجماعة المتطرفة التي كانت عليها سابقا، فإن تأخير الدعم لا يعني سوى تأخير إعادة إعمار سوريا، واستئناف الخدمات الضرورية، ودفع رواتب الموظفين الحكوميين السوريين. يبدو أن أسباب تردد الولايات المتحدة في تخفيف العقوبات تعود جزئياً إلى رغبة المفاوضين الأميركيين في أن يتوصل السوريون إلى نوع من الترتيبات الأمنية مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن ثمن مثل هذا الترتيب سيكون تفاقم التوترات الداخلية، وخاصة مع العناصر المتحالفة مع الحكومة الجديدة التي ستجد أي اتفاق مع إسرائيل أمرا مريرا يصعب تقبّله.

الخلاصة: عند محاولة حل أي مشكلة، شخصية كانت أم سياسية، من المهم الأخذ في الاعتبار أن الحل لا ينبغي أن يرتكز على مطلب تفتقر الأطراف إلى القدرة عليه أو لا ترغب في القيام به. الحكومة الجديدة في سوريا أطاحت بالنظام القديم، لكنها رغم خبرتها في حكم إدلب، لا تزال هناك تحديات كبيرة حول قدرتها على تحقيق الوحدة الوطنية وإدارة كيان سوري أكثر تعقيداً وتنوعاً. أما إسرائيل وبعض القوى الإقليمية، فعليهم الابتعاد عن سوريا والتوقف عن استغلال التوترات الطائفية لمصالحهم الخاصة، لكن لا مصلحة لهم في فعل ذلك. لو كان هناك وضع يحتاج فيه العالم إلى أمم متحدة قوية وفعّالة، فهو هذا الوضع. في غياب آلية محايدة للمساعدة في حل النزاعات وإنفاذ سيادة القانون، تُركت سوريا وشعبها وحكامها الجدد لمصائرهم وأهواء بعض القوى الإقليمية الخبيثة. مسكينة سوريا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى