بشار مرشد: الضمير والأخلاق… صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف الواقعي

بشار مرشد 11-10-2025: الضمير والأخلاق… صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف الواقعي
المقدمة:
في عالم يمرّ بتقلبات متسارعة وتحديات مستمرة، يصبح الإنسان أمام سؤال جوهري: كيف نحافظ على مبادئنا أو أهدافنا النبيلة حين تتصارع المصالح والأهواء؟ هل نغير مواقفنا وفق ما تفرضه الظروف، أم نضحي بالقيم من أجل المكاسب اللحظية؟ هذا التوتر بين المرونة والانتهازية ليس خاصًا بالفرد فقط، بل يتجاوز الشخص ليشمل المؤسسات والنظم العالمية.
في قلب هذا التوتر يكمن الضمير والأخلاق، بوصلتنا الداخلية وصمام الأمان الذي يحدد ما إذا كانت تغييراتنا تعكس تكيفًا واقعيًا نابعًا من حكمة ووعي، أم تقلبًا انتهازيًا يسعى فقط لخدمة الأنا والمصلحة الضيقة. فالمسافة بين الانتهازية والواقعية ليست مسافة زمنية أو ظرفية، بل مسافة أخلاقية تتعلق بالغاية التي نبتغيها وبالوسائل التي نستخدمها لتحقيقها.
التقلب الانتهازي:
التقلب الانتهازي هو الميل إلى تغيير المواقف والسلوكيات تبعًا للمصلحة الذاتية الفورية، دون مراعاة للقيم أو الهدف النبيل. صاحب هذا النهج قد يظهر ذكاءً أو براعة في التكيف الظاهري، لكنه في الجوهر يسلك طريق الخداع والمراوغة، لأنه لا يملك بوصلة أخلاقية توجهه. هذا النوع من السلوك يولّد عدم ثقة الآخرين ويضعف الروابط الإنسانية والمؤسسية، لأنه قائم على خدمة الأنا فقط.
التكيف الواقعي:
على الجانب الآخر، يظهر التكيف الواقعي حين تكون المرونة نابعة من وعي وحكمة. الشخص أو المؤسسة أو النظام الذي يتكيف واقعيًا لا يُغَيِّرُ جوهر أهدافه أو القيم التي يؤمن بها، بل يَضْبِطُ سلوكه وأساليبه بما يتلاءم مع الظروف المتغيرة. هذا التكيف لا يفسد الثقة، بل يعززها، لأنه يظهر التزامًا بالغاية النبيلة رغم التحديات والمصاعب.
الضمير كصمام أمان:
في هذا السياق، يبرز دور الضمير كصمام أمان. الضمير هو ما يحفظ الهدف من الانزلاق إلى خدمة الأنا وحدها، ويحوّل أي مرونة أو تغيير في المواقف إلى تكيّف واقعي بدلًا من تقلب انتهازي. إنه البوصلة الداخلية التي تحدد: هل هذه الخطوة تصون القيم أم تخونها؟ وهل الهدف الذي نسعى إليه أوسع من مصالحنا الشخصية؟
غياب الضمير يؤدي إلى أن تصبح كل تغييرات المواقف مجرد مراوغات، وقد يتحول الهدف النبيل إلى شعار فارغ يُستغل لتغطية الانتهازية. بينما وجوده يجعل التغيير خيارًا واعيًا ومسؤولًا، يحفظ التوازن بين الواقع والمتطلبات الأخلاقية.
التطبيق على الفرد والمؤسسة والنظام العالمي:
المبدأ نفسه الذي يحكم الفرد ينطبق على المستويات الأعلى:
1. الفرد: حين يغيب الضمير، يصبح كل تغيير في المواقف مجرد مراوغة لمصلحة الذات. أما إذا كان الضمير حاضرًا، فإن المرونة تخدم النمو الشخصي ونفع الآخرين، وتحوّل التحديات إلى فرص للتعلم والعمل القيمي.
2. الشخصية: الهوية أو الصورة العامة للفرد تكشف جذر هذه الديناميكية. الشخصية القائمة على الضمير تظهر اتساقًا داخليًا حتى مع تغيّر الظروف، بينما الشخصية الانتهازية تتلوّن بحسب الجمهور والمصلحة اللحظية.
3. المؤسسة: الشركات، الأحزاب، والمنظمات. إذا قامت على قيم واضحة، فإن تغييراتها الاستراتيجية تُقرأ كتكيف واقعي مدروس. أما إذا غابت القيم، فإن كل مرونة تصبح انتهازية، وتضيع ثقة الناس بها.
4. النظام العالمي: هنا يظهر التأثير الأكبر. دول أو تحالفات ترفع شعارات حقوق الإنسان أو العدالة، لكنها تتخلى عنها حين تتعارض مع مصالحها، فتتحول الانتهازية إلى قاعدة سلوكية. أما من يحاول الحفاظ على التوازن بين المصالح والقيم، يظهر كيانًا أكثر اتزانًا واستقرارًا.
بهذا يمكن أن نرى أن الضمير والأخلاق ليسا مجرد قواعد فردية، بل آلية تنظيمية للحفاظ على الاتزان والسلوك المسؤول على كل المستويات.
الخاتمة:
يتضح من خلال ما سبق أن التمييز بين التقلب الانتهازي والتكيف الواقعي ليس مجرد مسألة سلوك أو تكتيك، بل قضية أخلاقية جوهرية تحدد مصير الفرد والمؤسسة والنظام على حد سواء. عندما يكون الدافع الأنا والمصلحة الضيقة، يصبح أي تغيير في المواقف انتهازية، تقوّض الثقة وتفسد العلاقات. أما حين يكون الهدف أوسع من الذات، مدعومًا بالضمير والأخلاق، فإن المرونة تتحول إلى تكيف واقعي حكيم، يحفظ التوازن ويعزز العدالة والمصداقية.
يمكن اختصار هذه المعادلة الأخلاقية ببساطة:
الأنا + المصلحة الضيقة = تقلب انتهازي
الهدف النبيل + الضمير = تكيف واقعي
إن الضمير والأخلاق هنا ليسا رفاهية فكرية، بل صمام أمان يحفظ القيم ويصون الهدف النبيل في مواجهة ضغوط الواقع. وفي زمن تتبدل فيه الموازين وتتصارع فيه المصالح، يصبح إدراك هذا الفصل أساسًا لأي حركة ذكية ومسؤولة، على الصعيد الفردي والجماعي والعالمي.