أقلام وأراء

صافيناز محمد أحمد: سوريا: انتخابات تشريعية غير مباشرة.. محاولات لمأسسة الدولة

صافيناز محمد أحمد 11-10-2025: سوريا: انتخابات تشريعية غير مباشرة.. محاولات لمأسسة الدولة

تجرى يوم الأحد الموافق 5 أكتوبر 2025، انتخابات تشريعية فى سوريا هى الأولى من نوعها بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد فى 8 ديسمبر 2024، وتأتى ترجمةً لما نص عليه الدستور المؤقت (مارس 2025) بإنشاء مجلس شعب مؤقت، وانعكاساً كذلك للمرسوم الرئاسى الذى أصدره الرئيس الانتقالى أحمد الشرع فى (13 يونيو 2025)، الخاص بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات التشريعية وتتكون من (11) عضواً وتتولى مهمة تشكيل اللجان الانتخابية الفرعية (عضوية 3 أفراد على الأقل وفقاً لشروط محددة)، وتشكيل هيئات ناخبة فى مناطق تلك اللجان داخل كل محافظة، تضم كل هيئة حوالى (30 – 50) عضواً لكل مقعد، وتخصص نسبة 20% من أعضاء الهيئات الناخبة للنساء. وفى 20 أغسطس 2025، تم إصدار مرسوم آخر يتعلق بالنظام الانتخابى المؤقت، ويعتمد نظام انتخابى “غير مباشر” و”مؤقتاً” لاختيار أعضاء البرلمان (مجلس الشعب) فى المرحلة الانتقالية ويتكون من 210 عضواً وفقاً لما هو مشار إليه، حيث يتم اختيار الثلثين عبر آلية الاقتراع غير المباشر من خلال “هيئات انتخابية” يتم تشكيلها من قبل لجان فرعية وفقاً للتوزيع السكانى لكل محافظة، أما الثلث المتبقى فيتم تعيينهم مباشرة من قبل الرئيس أحمد الشرع، وتعلن نتائج الانتخابات فى اليوم نفسه. ومن المفترض أن تكون مدة الدورة البرلمانية 3 سنوات يتم خلالها إعداد وصياغة وإقرار دستور جديد للدولة السورية. ويتولى البرلمان المنبثق عن هذه الانتخابات غير المباشرة عدة مهام أبرزها: سن التشريعات واقتراح القوانين، وإقرار الموازنة العامة للدولة، وإقرار قوانين العفو العام، ومراقبة الحكومة، والمصادقة على المعاهدات الدولية..الخ.

سبب الاقتراع غير المباشر

أقر المرسوم الخاص بالانتخابات الصادر فى يونيو 2025، بأن تكون المحافظة هى دائرة انتخابية واحدة، على أن تحدد المقاعد الخاصة بكل محافظة فى البرلمان على أساس تعداد سكانها وفقاً لتعداد عام 2011 – ووفقاً لمصادر – فإن محافظة حلب على سبيل المثال ستكون هى أكبر المحافظات تمثيلاً فى البرلمان من خلال 20 مقعداً، بينما تكون محافظة القنيطرة هى المحافظة الأقل تمثيلاً فى البرلمان الجديد من خلال مقعدين فقط. وجدير بالإشارة هنا أيضاً أن السلطة الانتقالية استثنت ثلاثة محافظات من إجراء الانتخابات وفقاً لأسباب تتعلق بالأوضاع الأمنية بها، وحالة التوتر فى إدارة العلاقة بينها وبين السلطة الانتقالية وهى: محافظة السويداء حيث التوترات الأمنية مع الطوائف الدرزية فيها مؤخراً، ومحافظة الرقة والحسكة حيث مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية وتمركزات قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتى تشهد علاقاتها بالسلطة المركزية فى دمشق العديد من الأزمات السياسية والأمنية على حد سواء.

ويلاحظ هنا، أن هذه الانتخابات لا تمثل اقتراعاً شعبياً مباشراً، مما يجعل من إجرائها من الأساس محل اعتراض كونها لا تعبر بصورة مباشرة عن رغبة الجماهير فى اختيار مرشحيهم، لكن الحكومة الانتقالية فى دمشق أماطت اللثام عن أسباب اختيار الاقتراع غير المباشر كآلية لاختيار أعضاء البرلمان، فمن بين تلك الأسباب: صعوبة توفير إحصاء شامل ودقيق للناخبين فى هذه المرحلة الانتقالية من عمر الدولة السورية، لاسيما بعد عمليات النزوح من منطقة لأخرى، أو نتيجة لعمليات اللجوء خارج الدولة التى قام بها الملايين من السوريين خلال فترة الصراع مع نظام بشار الأسد، فضلاً عن فقدان الكثير من السوريين داخل المعتقلات، بخلاف فقدان الوثائق والمستندات الخاصة بالعديد منهم خلال سنوات الصراع نفسها، الأمر الذى يجعل من عملية وضع قوائم انتخابية لمن يتمتع بحق الاقتراع عملية غاية فى الصعوبة وعدم الدقة فى الوقت الراهن، فضلاً عن الصعوبات اللوجستية التى قد تواجه الحكومة الانتقالية بشأن تنظيم عملية الاقتراع لتشمل السوريين بالخارج. وبخلاف ذلك يمثل أيضاً عدم وجود معايير واحدة ومحددة يتم على أساسها اختيار اللجان الفرعية، والهيئات الانتخابية عائقاً كبيراً أمام نزاهة وشفافية تلك الانتخابات، ويجعلها غير معبرة عن مجموع الشعب السورى بطوائفه ومكوناته المجتمعية المختلفة.

دلالات وتحديات

ثمة توقعات متباينة بشأن ما يمكن أن تحدثه الانتخابات التشريعية فى سوريا من نتائج، ومدى انعكاسها إيجاباً على مسار العملية الانتقالية، ورغم التحديات الكثيرة بشأن هذه الانعكاسات، إلا أن إتمام إجراء العملية الانتخابية غير المباشرة فى التوقيت الذى أقرته اللجنة العليا للانتخابات يحمل عدة دلالات من أبرزها: أن تلك الانتخابات تعبر عن محاولة الرئيس الانتقالى أحمد الشرع وحكومته التأكيد على استكمال عملية بناء المؤسسات التى كانت هدفاً معلناً له وبقوة فى أعقاب إسقاط نظام بشار الأسد فى ديسمبر 2024، ورغبته كذلك بالانتقال من مرحلة “الشرعية الثورية” إلى مرحلة جديدة تعتمد على “الشرعية المؤسسية” أى شرعية بناء مؤسسات الدولة كآلية خلال المرحلة الانتقالية، ومن ثم فإن نجاح الحكومة فى إجراء مثل هذه الانتخابات، بالرغم من الانتقادات الموجهة إليها كونها لا تشمل 3 محافظات كاملة، يعبر عن قدر من النجاح فى مسار التحول نحو “مأسسة الدولة السورية” الجديدة، وخطوة أولى فى شغل الفراغ التشريعى فيها. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الانتخابات تمهد لهدف آخر من أهداف المرحلة الانتقالية، وهو صياغة دستور جديد للدولة السورية يعكس التعددية المجتمعية ويضمن الحقوق الثقافية والقومية لمكونات الشعب السورى، وبالتالى يؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطنى.

فى السياق السابق، ثمة تعقيدات عدة تواجه الانتخابات البرلمانية غير المباشرة فى سوريا؛ بعض هذه التحديات يرجع إلى عدم النضوج السياسى للإدارة الانتقالية، وقلة خبرتها بشأن إدارة عملية انتخابية واسعة للمرة الأولى، حيث ينعكس ذلك بوضوح فى لجوء السلطة إلى اعتماد نظام الاقتراع غير المباشر بحيث “اضطرت” إلى الاعتماد على “الهيئات الناخبة المناطقية” كآلية انتخابية رئيسية فى هذه العملية. والبعض الثانى من هذه التحديات يتعلق بحالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى فى العديد من المناطق ما استدعى السلطة الانتقالية إلى تأجيل إجراء العملية الانتخابية فى محافظات الحسكة والرقة والسويداء، وهى المحافظات التى تخرج فعلياً عن سيطرة الحكومة الانتقالية إدارياً وأمنياً؛ لاسيما الحسكة ومناطق فى الرقة حيث سيطرة الإدارة الذاتية للأكراد، والأخيرة تعيش أجواء توتر كبيرة مع دمشق بالرغم من الاتفاق الأمنى الموقع بينهما فى مارس 2025، أما السويداء فإن أحداث المواجهات الدامية على مدار الشهرين الماضيين بين الدروز وقوات الأمن الحكومية مثلت عائقاً كبيراً أمام عمليات بناء الثقة بين الطرفين، وبالتالى فإن عدم استقرار الأوضاع الأمنية فى تلك المحافظات كان سبباً مباشراً لإقصائهما من العملية الانتخابية، وهو ما يجعل الانتخابات فاقدة لقدر كبير من شرعيتها. والبعض الثالث من التحديات يتعلق بعيوب ومخالفات رصدتها المنظمات الحقوقية والمدنية والتى طالبت بإلغاء دور الرئيس الانتقالى فى اختيار ثلث أعضاء المجلس بالتعيين، على أن يعاد تشكيل أعضاء الهيئات الناخبة عبر التشاور مع منظمات المجتمع المدنى ومع التيارات السياسية المختلفة. يضاف إلى ذلك مشكلة التحديات المتعلقة بحالات النزوج الضخمة وعدم وجود احصاءات جديدة سوى احصاءات عام 2011، والتى تم اعتمادها كأساس لتوزيع الهيئات الناخبة على الرغم من التغييرات الكبيرة التى حدثت فى الواقع الديموجرافى السورى خلال السنوات الـ 14 الماضية.

وفى الأخير، يمكن القول إن الانتخابات التشريعية فى سوريا، وفقاً لنظام الاقتراع غير المباشر، قد لا تكون شاملة لمجموع الشعب السورى؛ نظراً لعدم إجراء الانتخابات فى محافظات الحسكة والرقة والسويداء، ولاعتمادها كذلك على آلية “الهيئات الناخبة” كأداة انتخابية، لكن وحتى مع تلك الاستثناءات فإن إجراء هذه الانتخابات وفى ظل التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية التى تعيشها سوريا، يعد بداية لمسار جديد نحو بناء مؤسسات الدولة من خلال تشكيل مجلس شعب انتقالى جديد، وهى خطوة وإن كانت تبدو”رمزية” فى ظل التحديات والتعقيدات السابق ذكرها، إلا أنها ستدفع المرحلة الانتقالية إلى نقلة نوعية جديدة فى مسار إعادة بناء المؤسسات، وكسب الثقة مع الداخل ومع الشركاء الإقليميين والدوليين فى الخارج على حد سواء، لكنها تظل خطوة غير كافية لتحقيق “انتقال ساسى شامل” فى سوريا، لأن شرط هذا الانتقال هو عملية سياسية جامعة وشاملة لكافة مكونات المجتمع السورى، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى