عبد الغني سلامة: راحت عليك

عبد الغني سلامة 8-10-2025: راحت عليك
بنبرة حزينة ساخطة، قال الرئيس الأميركي ترامب، إنه لن يُمنح جائزة نوبل للسلام هذا العام.. وإنها ستُمنح لشخص لا يستحقها، لكاتب لم يفعل شيئا.. وهذه إهانة لأميركا.. طيب يا مستر ترامب على أي أساس تتوقع من لجنة نوبل منحك جائزة للسلام؟ صحيح أن الجائزة مسيّسة، وسبق منحها لأشخاص لا يستحقونها: كيسنجر، أوباما.. ولثلاثة رؤساء وزراء إسرائيليين «بيغن، رابين، بيريس» وهؤلاء اقترفوا جرائم حرب، وتلطخت أياديهم بدماء الفلسطينيين واللبنانيين.. ولكن هؤلاء على الأقل شاركوا باتفاقيات سلام (موهوم وزائف) وخدعوا العالم بخطاب دوغمائي.. ولكن أنت يا ترامب ماذا فعلت للسلام؟
في خطابه المرتجل أمام الجمعية العامة، تحدث ترامب عن تعطل الدرج الكهربائي في مقر الأمم المتحدة (ذكر القصة ثلاث مرات)، وذكّر الأمم المتحدة أنها فاسدة لأنها رفضت العرض الذي تقدمت به شركته قبل عشرين سنة لإعادة تأهيل مبنى الأمم المتحدة، ودليله على ذلك أن أرضية المبنى ليست من الرخام، وجدرانها ليست من أجود أنواع الخشب.. وذكّر الحضور بأنه أنهى سبع حروب لم يكن ممكناً إنهاؤها بدونه! ولأني متابع للأخبار ولشؤون السياسة الدولية صار لدي فضول أن أعرف ما هي تلك الحروب السبع؟ تعالوا نتعرف على تلك الحروب والدول المتحاربة:
1. كمبوديا وتايلاند: ما كان بين البلدين مجرد مناوشات، وتم التوصل إلى اتفاق جزئي لوقف إطلاق النار، لكن النزاع الحدودي ما زال يشهد توترات وانتهاكات.
2. صربيا وكوسوفو: الحرب بينهما متوقفة منذ زمن، ومع ذلك النزاع حول الوضع النهائي لكوسوفو لم يُحل حتى الآن.
3. الكونغو ورواندا: ما زالت أعمال العنف والاشتباكات في شرق الكونغو مستمرة، والاتفاق المبرم لم يشمل كل الأطراف المعنية.
4. باكستان والهند: الحرب التي جرت بينهما كانت مجرد جولة قصيرة من صراع ممتد وقديم، والتهدئة كانت قصيرة الأمد، والدور الأميركي كان محدودا، فبعد أيام من الاشتباكات، توصل الطرفان لقناعة بأهمية التوصل إلى هدنة.
5. إسرائيل وإيران: الاتفاق كان مجرد تهدئة مؤقتة وليس تسوية نهائية شاملة، والتوترات بينهما لم تُحل والصراع ما زال مفتوحا.
6. مصر وإثيوبيا: النزاع حول سد النهضة مستمر على المستوى السياسي والقانوني، ولم تحدث حرب أصلاً.
7. أرمينيا وأذربيجان: هناك مفاوضات واتفاق جزئي لفتح ممر بين أذربيجان وناخيتشيفان عبر أراضي أرمينية، لكن هذا الترتيب هش ومعقّد، وليس هناك إنهاء شامل للنزاع بين البلدين.
بمعنى أنَّ النزاعات التي أشار إليها ترامب لم تكن حروباً، بل كانت توترات أو اشتباكات محدودة. وفي معظم الحالات كان الدور الأميركي مجرد وسيط أو دبلوماسي محدود، ولم ينهِ أي حرب لا من الناحية القانونية ولا العسكرية. وما زالت الجيوش الأميركية متواجدة في المنطقة؛ انسحاب القوات الأميركية من العراق تم في عهد أوباما. ومع أن ترامب وقّع اتفاق الدوحة مع طالبان للانسحاب من أفغانستان، لكنه لم ينفذ الانسحاب، ونفذه بايدن لاحقا (2021). وها هو يطالب مجددا باستعادة قاعدة بانغرام العسكرية ويتوعد طالبان بالجحيم إذا لم يعيدوها! في سورية، ما زالت هناك قوة أميركية شرق الفرات لحماية آبار النفط.
الحروب الحقيقية المشتعلة في العالم لم يُفلح ترامب بإطفائها.. قبيل توليه السلطة، تعهد بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الأهلية في السودان، والحرب على غزة.. وطبعا لم يوقف أياً منهما.
كان يظن أنه لمجرد علاقته الجيدة مع بوتين، وبإهانته للرئيس زيلينسكي، وبمؤتمر صحافي سينهي الحرب.. فتبين له أن الموضوع أشد تعقيدا.. بالنسبة للعدوان على غزة توعد ترامب «حماس» وغزة بالجحيم إذا جاء يوم تنصيبه ولم تسلّم الرهائن.. واعتقدَ أنه بجرة قلم سينهي الحرب بالشكل الذي يريده.. واستمرت الحرب.. وبعد عشرة أشهر من تنصيبه، عقد مؤتمرا صحافيا مع نتنياهو وأعلن عن خطة إعادة انتداب غزة وهدد «حماس» قائلاً: إذا لم توافق خلال أربعة أيام ستلاقي الجحيم.. دوما يهدد بالجحيم!
قبل الإعلان بيوم، صرح على منصة «x»، ترقبوا حدثا تاريخيا لم يحدث من قبل في الشرق الأوسط (وهذا أسلوب المؤثرين الذين يلهثون وراء اللايكات)، وفي خطابه، قال، إن خطته ستنهي صراعا امتد لآلاف السنين.. تعيين «مندوب سامي» والتجارة في عقارات وأراضي غزة والاستثمار فيها وفي حقول غازها وفوق أنقاضها هو الحل التاريخي الذي سيجلب السلام للمنطقة لمئات السنين!
طبعا ترامب لا يريد جائزة نوبل بهدف الحصول على المال فهو ملياردير، ولا بهدف الشهرة فهو أشهر كائن في العالم.. بالمناسبة، الشهرة ليست دوما ميزة إيجابية، فالحمار أشهر الثدييات على الإطلاق.. إذاً، هدفه المجد.. المجد الذي لم يحققه لذاته، مع أنه رئيس أميركا، ومن أغنى رجالاتها.. يريد أن يدخل التاريخ بصفته صانع سلام.. ومع أنه في كل جملة يهدد بالجحيم! وحوّل وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب!
يعتقد فعلا أنه بمجرد قوله، إنه أنهى سبع حروب، على العالم تصديقه. يستطيع طالب في الابتدائي أن يكشف حجم الكذبة بمجرد كبسة على محرك البحث في هاتفه النقال.. ويتوقع أن تصدق لجنة نوبل مزاعمه وتدرجها في سيرته الذاتية، كزعيم أمضى حياته من أجل السلام!
باعتقادي أن ترامب يصدق نفسه فعلاً، يظن أنه أقوى رجل في العالم، والعالم تحت إمرته، وأنه سيصنع السلام.. وهذه أعراض لمرض ذهني يسمى وهم التفوق.. وهو عارض ذهني يؤدي إلى تقدير الشخص لنفسه وقدراته ومواهبه بما يزيد على حجمها الحقيقي.. فيظن «واهما» أنه متفوق، والأكثر ذكاء، والأسمى أخلاقا.. بثقة عالية في النفس، يُسمّى في علم النفس تأثير «دانينغ -كروجر».
لو كان العالم في مرحلة تعافٍ وفي كامل إرادته الحرة لجلب ترامب إلى المحكمة على خلفية قضية إيبستين، وما ثار حولها من فضائح واتهامات. أو على الأقل وضعه في مصحة نفسية، وتخصيص كلية طب نفسي بكامل طاقمها لدراسة هذا النوع من النرجسية وهذه الحالة من «وهم التفوق».
على الأقل، وفي هذا بعض العزاء، لن يُمنح ترامب نوبل للسلام.. وبكل شماتة نقول: راحت عليك.