ترجمات عبرية

هآرتس: في مواجهة إسرائيل توجد كتلة عربية تنافس إسرائيل على النفوذ

هآرتس 5/10/2025، تسفي برئيلفي مواجهة إسرائيل توجد كتلة عربية تنافس إسرائيل على النفوذ

وقف اطلاق النار لم يدخل بعد الى حيز التنفيذ بشكل رسمي؛ خطة اعادة جميع المخطوفين والجدول الزمني الدقيق لتطبيقها والترتيبات التقنية المطلوبة لتنفيذ المرحلة الاولى – كل ذلك يحتاج الى مفاوضات اضافية، التي يصعب التقدير كيف سينتهي مسارها المليء بالالغام؛ المرحلة الاساسية في هذا المسار، نقل السيطرة في غزة الى جهة ادارية خارجية التي ربما ستعتمد على قوة متعددة الجنسيات، توجد الآن على طاولة الرسم فقط كمسودة، وهي ستحتاج الى مزيد من التفاهمات المعقدة قبل تحولها الى خطة عمل قابلة للتنفيذ.

خلافا للمفاوضات السابقة اثناء الحرب، التي تناولت فقط صفقة تحرير المخطوفين، فان خطة ترامب تسعى الى عملية تشمل كل الشرق الاوسط، التي فيها صفقة التبادل هي الدفعة الاولى، حجر الزاوية الذي يتطلع اليه ترامب من اجل اقامة مجمعه متعدد الطوابق في المنطقة، والذي في نهايته تلمع جائزة نوبل للسلام. حتى قبل ان يتضح هل الخطة المدهشة ستترجم الى احتفال موسيقي متناغم، فان ترامب قام بعدة حركات تكتونية شديدة القوة. حيث تبنى مواقف الدول العربية الرائدة، على رأسها السعودية وقطر ومصر، حيث منحها موقع مساوم غطى على مكانة اسرائيل. ان تفهم الاحتياجات الامنية لاسرائيل فقد اولويته لصالح مصالح الدول العربية وتبريرات اسرائيل لمواصلة الحرب بدأ يفسرها كحاجة سياسية لا يمكن أن تكون ملزمة، أو تثير اهتمام الادارة الامريكية. الذروة كانت تعليماته غير المسبوقة لاسرائيل، وقف القصف في غزة على الفور، بعد بضع ساعات هدد فيها حماس مرة اخرى بفتح باب جهنم.

بيان ترامب فاجأ ليس فقط اسرائيل. فهو فاجأ ايضا زعماء الدول العربية، ولا سيما حماس. على الاقل حسب الردود العلنية، هم لم يتوقعوا قرار حازم وسريع جدا. في الجانب العملي فان بيانه انقذ المفاوضات من عقبة معقدة واجهته، مطالبة حماس بضمانات امريكية. ترامب، بدلا من صياغة كتاب ضمانات أو نثر تصريحات فارغة عن انهاء الحرب في المستقبل، ببساطة اوقفها بنفسه ولذلك الضمانات اصبحت لا لزوم لها. حتى الآن من غير الواضح اذا كانت تعليمات ترامب لوقف اطلاق النار تم تنسيقها مسبقا مع الزعماء العرب ومع رجل طيب اردوغان، الذي دوره في المفاوضات ازداد في مراحلها الاخيرة، وحتى انه نسب لنفسه الفضل بهذا القرار. وهكذا، فقد تم تمهيد الطريق لتبنى الخطة من قبل حماس. ولكن نتيجتها السياسية اصبحت واضحة، وتأثيرهها يتجاوز بكثير حدود قطاع غزة.

حتى الآن تميزت مصفوفة الضغوط السياسية التي استهدفت تنفيذ صفقة المخطوفين بعدم التوازن الثابت والمفهوم. دول الوساطة، على رأسها مصر وقطر، كان يجب عليها استخدام ضغط كبير على حماس في حين ان اسرائيل تحظى بدعم ثابت ومستقر من الادارة الامريكية، التي تبنت رواية اسرائيل، التي بحسبها فقط الضغط العسكري هو الذي سيؤدي الى تحرير المخطوفين. ولكن الخطوات التي بادرت اليها الدول العربية في الساحة الدولية وادت الى الاعتراف الجارف بالدولة الفلسطينية وبناء “علاقة الاموال الضخمة” بينها وبين ترامب، التي شملت التعهد باستثمار تريليونات الدولارات، والصدمة العالمية الكبيرة التي اثارتها مشاهد القتل والدمار في غزة – كل ذلك أدى الى تآكل عميق في اسس النموذج الاستراتيجي الامريكي القديم – الذي منح اسرائيل افضلية سياسية ومفتاح حصري للبيت الابيض.

هكذا فانه في الوضع الذي فيه دولتان أو ثلاث دول عربية اعتبرت دول وساطة في صفقة محلية مهمة جدا ولكنها محدودة، حيث لم يكن من المفترض ان تؤثر على التوازن السياسي للقوى في المنطقة، برزت “جماعة” عربية على نحو نادر، قادرة على ان تنافس اسرائيل في استخدام النفوذ في البيت الابيض والحصول على مكانة صانع السياسة الاقليمية.

هذا ليس استعراض القوة الاول لهذا التجمع، الآخذ في التعاظم منذ دخول ترامب الى البيت الابيض. فهو الذي اعطى شرعية سريعة للرئيس السوري، احمد الشرع، وهو الذي اقنع ترامب برفع العقوبات عن سوريا. وهو كان من العوامل التي اثرت على الرئيس الامريكي في وقف الحرب بين اسرائيل وايران، التي اصبحت ضيف دائم في اجتماعات الجامعة العربية. الضغط العربي ليس فقط ازاح عن الطاولة خطة الريفييرا في غزة، بل ايضا نتج عنه التصريح المهم لترامب، الذي بحسبه لن يسمح لاسرائيل بضم الضفة الغربية. هكذا هو رسم حدودها كما يحاول فعل ذلك في غزة.

الحديث لا يدور عن كتلة صلبة لدول تتحدث بصوت واحد. فالخلافات بينها عميقة، والمصالح متناقضة ولا ينقصها ايضا العداء والاشمئزاز المتبادل. ولكن اسرائيل، التي تستند الى الافتراض بان فلسطين لم تعد المغناطيس الذي يربط الدول العربية بعد اتفاقات ابراهيم والتي كانت لا ترى التهديد الذي وضعته غزة امام كل المنطقة، مرة اخرى تفاجأت. السؤال الان هو كيف وهل تستطيع هذه الدول ان تستخدم نفوذها من اجل استكمال العملية الكبيرة لترامب. هنا مرة اخرى يتوقع ان تواجه هذه الدول الفجوة العميقة التي تفصل بين الخطط على الورق وبين التطورات على الارض، التي ستوضح بشكل فعلي ما هي نوايا حماس ونوايا اسرائيل.

للوهلة الاولى خطة ترامب تطرح مسار شامل، يربط تحرير المخطوفين والسجناء الفلسطينيين بخطة ادارة غزة وتحييد حماس ورسم مسار ضبابي لاقامة الدولة الفلسطينية. عمليا، الحديث يدور عن خطتين منفصلتين. تحرير المخطوفين وكل المرحلة الاولى غير مرتبطة بانشاء ادارة عربية أو فلسطينية في غزة وتطبيق خطة بلير، اقامة سلطة مؤقتة لادارة القطاع. هذان الاساسان توجد بينهما فجوة يصعب جسرها. الخطة تتحدث عن “سلطة سلام” دولية سيترأسها بشكل رمزي ترامب، وستدار عمليات على يد طوني بلير. وتحتها سيعمل مجلس ادارة مؤقت يتكون من “خبراء” برعاية غير محددة للسلطة الفلسطينية. حماس يوجد لها موقف مختلف. فهي توافق في الواقع على المبدأ الذي يقول بأنها لن تكون جزء من الادارة المدنية المؤقتة التي ستقام في غزة. وهذه الموافقة تم اعطاءها في السابق بعد نشر خطة مصر في شهر آذار الماضي. ولكن في كل ما يتعلق بدورها في ادارة غزة في المستقبل قالت: “(هذا الموضوع) مشروط بموقف وطني شامل، ومناقشته ستتم في اطار وطني فلسطيني، الذي ستكون حماس جزء منه”. أي ان حماس – التي تجاهلت في ردها موضوع نزع سلاحها – لا تتطرق الى البند الذي يضمن الانتقال الآمن لرجالها الذين سيسلمون سلاحهم، ولا توضح موقفها من نشر قوة متعددة الجنسيات في القطاع. وهي ترى في هذه الاثناء امام انظارها الحاجة الى ضمان الموقف السياسي والاداري الذي تطمح اليه في غزة، ولا تنوي التنازل عنه.

حماس يتوقع ان تحاول استغلال قرار ترامب وقف اطلاق النار و”وحدة الصف” العربي، واستغلال الشعور بالانجاز من اجل المطالبة بتعديلات تضمن مكانتها. اسرائيل في حينه يمكن ان تكتشف ان ترامب الكبير والثابت مصنوع من مادة مرنة تسمح له باظهار مرونة مدهشة.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى