أقلام وأراء

إميل أمين: أميركا… إغلاق مالي أم انسداد سياسي؟

إميل أمين 5-10-2025: أميركا… إغلاق مالي أم انسداد سياسي؟

عرف عالم السياسة والكتابات السياسية مصطلح «أحجار الدومينو»، أو تأثير «الدومينو»، والذي يُقصد به ردات الفعل المتتابعة لحدث كبير بعينه، تستتبعه أحداث متوالية متشابهة.

كان أهم وربما أكبر تمثيل حقيقي لهذه النظرية في القرن العشرين، ما جرى لدول «حلف وارسو»، حين بدأ المركز الرئيسي في روسيا يهتز، الأمر الذي تبعته سلسلة من السقوط المتوالي للدول الشيوعية في أوروبا الشرقية، وكثيراً ما تناولت الأقلام التحليلية الدور الأميركي وراء تلك التغيرات الجيوسياسية الجذرية، وتغيير شكل العالم من ثنائي القطبية إلى فكرة العالم ذي القطب الواحد، أو العالم الأميركي باقتدار.

اليوم يتساءل المراقبون: هل تعيش الولايات المتحدة الأميركية عصر «الدومينو» السياسي الداخلي، وبالتحديد على صعيد منافسي الرئيس ترمب وأعدائه السياسيين، لا سيما أولئك الذين ناصبوه أشكالاً من العداء وصلت إلى حد استدراجه إلى قاعات المحاكمات، في مشهد اعتبره البعض نوعاً من المهانة لمقام الرئاسة الأميركية، قبل أن يكون إذلالاً لشخص دونالد ترمب نفسه؟

المؤكد أن لائحة الاتهامات التي وُجهت في الأيام القليلة الماضية إلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي، تكاد تقطع بأن عالم أحجار «الدومينو» الترمبي قد بدأ في الداخل، وأن حركة «ماغا» تعيش الآن أول تجربة حقيقية للانتقام القانوني، وحكماً لن تكون الأخيرة.

الذين ناصروا ترمب من جماعة «جعل أميركا عظيمة ثانية»، وبعد ثمانية أشهر من وصول مرشحهم إلى البيت الأبيض، وإحكام قبضته على السياسة الداخلية والخارجية معاً، لا سيما بعد أن أظهر «العين الحمراء» لجنرالات «البنتاغون»، يقطعون بأن وقت محاسبة أولئك الذين ظلموا ترمب من أنصار الدولة الأميركية العميقة الشريرة، والتي لطالما ندد بها سيد البيت الأبيض، قد آن.

أحجار «الدومينو» بحسب ترمب تبدأ من عند كومي، الرجل الذي يعتبره ترمب وراء الاتهامات الظالمة بأنه كان وراء أعمال الشغب التي جرت في الكونغرس نهار السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، بهدف إبطال فوز جو بايدن، وقد طلب ترمب بالفعل رسمياً من المدعية العامة للبلاد بام بوندي توجيه الاتهامات بالكذب لكومي، وللمدعية العامة لنيويورك ليتيتيا جيمس، وللسيناتور آدم شيف.

الرئيس الأميركي يرى أن هؤلاء الثلاثة مذنبون تماماً، ويربط الحاجة إلى ما يسميه العدالة السريعة بالأدوار التي لعبوها طوال السنوات الأربع التي غادر فيها البيت الأبيض، بعد أن تم تزوير انتخابات الرئاسة، عبر تحقيقات أجراها الكونغرس من ناحية، وتحقيقات قضائية جنائية من ناحية أخرى، وعبر دعاوى مدنية أرهقته نفسياً ومالياً لولا أنه رجل من صخر.

«كومي هو أول حجر دومينو يسقط… سقوطه يجب أن يعجّل بسقوط آخرين»، هكذا هتف الفريق السابق مايكل فلين، أحد كبار مساعدي ترمب في ولايته الأولى، والذي تمت محاكمته خلال التحقيق في إشكالية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية في 2016، والتي طالت ترمب، ووُجد بعدها أنه بريء، وإن كان الديمقراطيون حتى الساعة يقسمون بأغلظ الأيمان إنه من تهمته ليس في أمان.

لا تبدو أحجار دومينو «ماغا» محدودة؛ ذلك أنه ما أصعب أن يعادي المرء حركة مؤدلجة، وقديماً قال أحد الأدباء إنه تحت جلد كل آيديولوجي، إرهابي فكري.

طوال أربع سنوات جو بايدن، أعدت «ماغا» قائمة طويلة من الأسماء التي اعتبرت أنه لا بد من محاسبتهم عما اقترفت أيديهم، وقد كان كومي أولهم.

يُدهش المرء من الأسماء؛ فهناك على سبيل المثال مدير وكالة المخابرات الأميركية السابق جون برينان، ومدير الاستخبارات الوطنية السابق جيمس كلابر، ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، وجلّهم يخضعون الآن للتحقيق من قبل وزارة العدل. لكن ماذا عن الصيد الكبير والخطير، والذي يمكن أن يكون الدور عليه في قادم الأيام؟

الحديث هنا عن الملياردير الشهير المجري الأصل جورج سوروس، والذي يعد في نظر الكثيرين في الداخل الأميركي وحتى خارج حدود البلاد، رقماً صعباً فاعلاً ومؤثراً، بل إن الكثيرين يرون أنه ضالع في ما جرى من أحداث في الشرق الأوسط، خلال حقبة ما عُرف بـ«الربيع العربي».

قبل نحو أسبوع أمر مسؤول كبير في وزارة العدل الأميركية المدّعين الفيدراليين بإعداد خطط تحقيق تستهدف الشبكة الخيرية لسوروس، بعد أن وصفه الرئيس ترمب بأنه «رجل سيئ» يجب سجنه، وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز».

هل تعيش الولايات المتحدة حالة من الإغلاق المالي أو أن الأمر أكبر وأخطر من ذلك، وموصول بانسداد سياسي تاريخي يعمّق حالة الأمة المنقسمة روحها في داخلها؟

نختلف مع أميركا، لكن نؤكد أن اضطرابها في الداخل يسبب اختلالاً للعالم في الخارج.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى