هآرتس: نافذة فرص القطاع هي أيضا ميدان المعركة السياسية للمنطقة

هآرتس 3/10/2025، تسفي برئيل: نافذة فرص القطاع هي أيضا ميدان المعركة السياسية للمنطقة
رئيس بلدية خانيونس، علاء البطة، وهو رجل حمساوي بارز، خرج في يوم الثلاثاء بمبادرة استثنائية. فعلى صفحته في الفيس بوك دعا قيادة حماس وكل الفصائل الفلسطينية الى “عقد لقاء افتراضي والموافقة الفورية على الخطة”، وتشكيل وفد لاجراء مفاوضات، يضم ممثلين من مصر والسعودية وقطر وتركيا وممثلي السلطة الفلسطينية. هذا الوفد سيجري مفاوضات حول نقاط الخلاف سعيا لتحسين بعضها والحصول على الضمانات اللازمة ووضع جدول زمني وتحديد المناطق التي ستنسحب منها إسرائيل. وهناك تجديد مثير للاهتمام في دعوته العلنية، التي لاقت فعليا انتقادات لاذعة في الانترنت: “اذا وجدت صعوبة (في الحصول على اتفاق كهذا) فانه يجب على حماس الإعلان تسليم ملف غزة بالكامل الى لجنة عربية – إسلامية برئاسة مصر والسعودية، وأن حماس ملتزمة بتنفيذ كل قرارات هذه اللجنة”.
على ذلك رد المتصفح نائل بركة: “أين كنت في بداية الحرب كي تاتي الآن لتقدم لنا هذه النصائح… نصيحتك للأسف الشديد جاءت متاخرة جدا، لان غزة انتهت”.
مشكوك فيه ان حماس، التي في الواقع أعلنت بان ردها على خطة ترامب سيقدم بعد التشاور مع الفصائل الأخرى، ستتبنى اقتراح البطة. وفي هذه الاثناء، موعد الإنذار النهائي الذي أعطاه الرئيس الأمريكي لحماس للرد على الـ 20 نقطة، على وشك الانتهاء، ورد حماس لم يات بعد، والتلميحات المتناقضة التي تقتبس من المتحدثين باسم حماس تتراوح بين التعامل “بصورة متعاطفة” وبين اعتبار الخطة “احتلال استعماري جديد” لغزة على يد دول اجنبية. حسب التقارير عن مشاورات حماس في الدوحة مع ممثلين كبار من مصر وقطر وتركيا، الى جانب محادثات ترامب ومساعديه مع رؤساء هذه الدول، يبدو انه بالأساس تم التوصل الى اتفاق على ان الخطة بحاجة الى بضعة أيام أخرى، التي فيها ستجرى مفاوضات حول بعض تفاصيلها. مصدر دبلوماسي عربي قال للصحيفة بانه “أيضا في واشنطن يعرفون ان الخطة تحتاج الى عدد من التعديلات بعد ان أوضح رئيس حكومة قطر محمد آل ثاني بان الخطة تقتضي المزيد من النقاشات حول تفاصيلها، وعمليا تحدث عنها كما يتحدث عن “خطة مباديء” التي ما زالت غير ناضجة للتطبيق”.
حسب نفس هذا المصدر فان الخلافات والتحفظات “موجودة في رزمتين. الأولى تتعلق بالمرحلة الأولى في الخطة التي تحتاج الى توضيحات دقيقة حول عمق انسحاب إسرائيل ومراحل الانسحابات القادمة والجداول الزمنية لتنفيذها وتفسيرات فعلية لطلب نزع سلاح حماس. الثانية تتعلق بقضية السيطرة التي ستكون في غزة في كل مرحلة من مراحل انسحاب إسرائيل وبعد استكمالها”. فوق الرزمتين ما زالت تحلق قضية الضمانات والتعهدات التي تطلبها حماس من الولايات المتحدة لتنفيذ الخطة، لا سيما البند المتعلق بالوقف المطلق للحرب. حسب محادثات مع جهات في السلطة الفلسطينية والأردن وتركيا يبدو انه لن يكون مناص من مناقشة فصلين في خطة ترامب – مرحلة وقف الحرب ومرحلة الإدارة المدنية – بدون ربط تنفيذ احدهما بالاخر. “الجهد الأساسي الان ينصب على صياغة تعديلات قابلة للموافقة عليها، أو تعزيز صياغات قائمة تتعلق بالمرحلة الفورية لوقف اطلاق النار”، قال للصحيفة مصدر سياسي اردني. وحسب أقواله فانه في كل ما يتعلق بخطة “اليوم التالي” توجد خلافات، ليس فقط في داخل حماس نفسها، وبين حماس ودول الوساطة – بل أيضا بين الدول التي يمكن ان تكون مشاركة في تنفيذ الخطة.
مثال على هذا الخلاف يسمع من وزير خارجية مصر بدر العاطي. اول امس قال ان موقف مصر هو ان “إدارة قطاع غزة ستكون تحت المسؤولية الفلسطينية، بدون تدخل خارجي مباشر في الشؤون الداخلية للقطاع”. وحسب قوله فان مصر تعتبر دورها “عامل داعم” وليس كجزء من جهة إدارية، ولا تعارض نشر قوة عسكرية متعددة الجنسيات في القطاع “من اجل مساعدة النظام الفلسطيني على تجسيد دولته”. هذا الموقف لا يتساوق تماما مع المباديء التي توجه خطة إقامة “السلطة الانتقالية الدولية لغزة” (جي.آي.تي.ايه)، المعروفة باسم “خطة بلير”، التي بحسبها مجلس المدراء لهذه السلطة، الذي سيكون فيه “على الأقل فلسطيني واحد” (وغير ملزمة بأكثر من ذلك)، سيكون “صاحب الصلاحية الاستراتيجية والسياسية العليا للتقرير في شؤون القطاع”. حسب الهيكلية المقترحة لهذه السلطة، في الواقع حماس لن تكون جزء من أجهزة الإدارة المدنية، لكن أيضا سيحتفظ للسلطة الفلسطينية فقط بدور هامشي في تقرير السياسات.
اقوال وزير خارجية مصر تعكس الموقف العربي – العام الذي تم الاتفاق عليه في لجنة القمة العربية – الإسلامية في الشهر الماضي، لكن مصر لا تنوي ان تكون فقط “قوة داعمة” في الإدارة الفلسطينية التي ستقوم في غزة. لانه مع تطبيق المرحلة الأولى للخطة فان النية هي ان معبر رفح سيفتح امام حركة البضائع والأشخاص ضمن الشروط التي حددت في اتفاق وقف اطلاق النار الذي وقع عليه في كانون الثاني الماضي، وان توزيع المساعدات سينفذ من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير المرتبطة بأي طرف من الطرفين. المعنى هو ان مصر ستكون العامل المسيطر على ادخال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة، وتستطيع ان تستخدم هذه الصلاحية لترسيخ صلاحياتها ونفوذها السياسي في القطاع مثلما فعلت في السابق.
ولكن على عكس “الاحتكار” الذي تمتعت به مصر على المعبر قبل الحرب، الذي استمر جزئيا حتى سيطرت إسرائيل عليه، فانه سيطلب من مصر تنسيق نشاطاتها مع الآلية الدولية الجديدة. ورغم وجود ممثل رفيع المستوى، ربما الملياردير نجيب سويرس، الا انها ستواجه جهات أخرى لها مصالح، خاصة الدول العربية المانحة. ورغم دعمهم الساحق لخطة ترامب الا انه يتوقع ان تشعل ترجمتها العملية على ارض الواقع خلافات جدية، منها الاتفاق على هوية كبار المسؤولين وصلاحيات المفاوضين الذين سيتم تعيينهم للتعامل مع مسائل معينة مثل التشريع والامن والموافقة على قائمة المقاولين الذين سينفذون خطط إعادة الاعمار.
ليس من نافل القول التذكير بانه حسب الخطة التي عرضتها مصر لادارة القطاع في شهر آذار الماضي، التي أجزاء منها وضعت في خطة ترامب، فان مبلغ إعادة الاعمار المطلوب في غزة قدر في حينه بـ 53 مليار دولار. التقدير الان ازداد بعشرة مليارات دولار. الأموال لن تاتي من صندوق القاهرة الهش. السعودية، اتحاد الامارات وقطر هي التي يتوقع ان تكون الدول الداعمة الرئيسية، وستنضم اليها بنطاق اصغر أيضا تركيا واندونيسيا ودول الاتحاد الأوروبي. الان الأموال حتى غير موجودة على الورق. ومصر تخطط لعقد مؤتمر دول للدول المانحة بعد دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ والمرحلة الأولى من خطة ترامب تنطلق. ولكن اذا اجتازت الخطة مرحلة المصادقة فعندها سيكون للاموال دور سياسي رئيسي.
في اللحظة التي ستنطلق فيها حملة إعادة الاعمار سيتم فتح المنافسة على السيطرة في غزة. حسب طبيعة المنافسة المتوقعة فانه يمكننا التاثر من سابقة سوريا – حيث أيضا على الرئيس احمد الشرع تم اغداق الوعود بمليارات الدولارات من الدول التي يتوقع ان تساهم في إعادة اعمار غزة. الأموال الطائلة حتى الان لم تصل الى دمشق، ولكن كل دولار يحتمل ان يكون مقرون ببطاقة ثمن سياسي يحدد الى أين تتجه سوريا. أيضا لبنان ينتظر بتاهب وتخوف رؤية كيف ستؤثر “الطفرة” المخطط لها في غزة على احتمالية حصوله على المساعدات لاعادة اعماره. قيادته تتساءل اين هو يقف في سلم الأولويات للدول المانحة، وهل ستبقى أموال ودافعية لمساعدته بعد سوريا وغزة.
الاضرار والخسائر التي لحقت بلبنان تقدر بـ 13 مليار دولار – نصفها بسبب اضرار مباشرة لحقت بالبنى التحتية العامة والمباني السكنية، والباقي بسبب الاضرار بالاقتصاد في اعقاب فقدان المداخيل. ومثل السلطة الفلسطينية وسوريا، أيضا لبنان يجب عليه اجراء إصلاحات عميقة كثيرة، ترتبط باتفاق سياسي واسع، قبل ان يحصل على المساعدات. جميعها أيضا يجب عليها اجتياز حقل الغام متفجر ونزع سلاح التنظيمات غير الحكومية – حزب الله في لبنان، المليشيات الإسلامية، الأقلية الكردية، الأقلية الدرزية في سوريا، حماس في غزة – في اطار رزمة الشروط. سوريا، لبنان وفلسطين، هي الفضاء الجديد الذي فيه يمكن للدول المانحة، لا سيما دول الخليج – اكثر من أمريكا أو إسرائيل – التاثير على النتائج السياسية التي ستميز “الشرق الأوسط الجديد”. على ذلك يتوقع حتى الآن حدوث صراع أيديولوجي واستراتيجي صارخ.
هنا يكمن الخطر الذي يهدد خطة ترامب: من الآن الأطراف ستبدأ في التصادم حول تفاصيل بنية “اليوم التالي”، وستربط تنفيذ المرحلة الأولى التي هي أيضا لم يتم اغلاقها بعد، بالموافقة على الخطة النهائية الضبابية. ولكن حتى فصل المفاوضات على جزئي الخطة لا يضمن النجاح، حيث ان الحلقة بينهما لا تتعلق فقط بمكانة حماس، بل أيضا بمكانة السلطة الفلسطينية وم.ت.ف وطبيعة العلاقة بين الضفة والقطاع. “نحن لا نستطيع الان تحميل على خطة ترامب كل تاريخ فلسطين، وان نحل بواسطتها قضايا التي خلال عشرات السنين لم ننجح في الاتفاق عليها”، قال للصحيفة مصدر رفيع في السلطة الفلسطينية. وهو يعترف انه حتى الان لا توجد للسلطة أداة ضغط أو مكانة تمكنها من وضع الشروط. “في نهاية المطاف كل هذه العملية تمت من وراء ظهر السلطة. فقط بفضل موقف السعودية الحازم ونجاح مبادرتها في اثارة موجة اعتراف دولية جارفة بدولة فلسطين، نجحت السلطة في الحصول على مكانة ضيف في الخطة الامريكية. هذه هي فرصتنا لتوحيد جزئي فلسطين تحت قيادة واحدة. لا يوجد أي تأكيد على انه ستكون هناك فرصة كهذه”.