منوعات

بشار مرشد: الحروب الحديثة من إدارة الأزمات إلى الإدارة بالأزمات

بشار مرشد 2-102-205: الحروب الحديثة من إدارة الأزمات إلى الإدارة بالأزمات

 

مقدمة:

في عالمنا المعاصر لم تعد الحروب تقاس فقط بالقنابل والمدافع بل باتت تمتد إلى ساحات جديدة تُدار فيها الصراعات بأساليب أكثر تعقيدًا وذكاءء.

إن مفهوم “الحروب الحديثة” تجاوز النزاعات التقليدية ليشمل ما يُعرف بـ”الحروب الناعمة” التي تعتمد على النفوذ الإعلامي والحروب الاقتصادية والهجمات السيبرانية بالإضافة إلى التلاعب بالأزمات السياسية والاجتماعية.

وفي هذا السياق تحولت استراتيجيات التعامل مع الأزمات من مجرد “إدارة الأزمة” إلى ما يمكن تسميته “الإدارة بالأزمة” حيث لا تقتصر مهمة القادة أو الجهات المسؤولة على معالجة الأزمة وحلها بل على استغلالها كأداة لإعادة تشكيل المشهد بما يخدم أهدافًا أوسعً.

هذا المقال يستعرض كيف أصبحت الأزمات جزءًا من أدوات الحروب الحديثة وكيف يمكن للإدارة الحكيمة والفعالة أن تحول الأزمة من خطر محدق إلى فرصة استراتيجية للاستهداف.

#تعريف الحروب الناعمة وأشكالها:

في الحروب الحديثة لم تعد القوة العسكرية وحدها هي المعيار الحاسم للنصر أو الهزيمة بل باتت الحروب الناعمة تلعب دورًا رئيسيًا في التأثير على نتائج الصراعات.

تعرّف الحروب الناعمة بأنها استخدام وسائل غير عسكرية مباشرة مثل الدعاية التأثير الإعلامي الحرب السيبرانية الضغط الاقتصادي والتدخل في الشؤون الداخلية للدول عبر أدوات غير تقليدية.

تستهدف هذه الأساليب التأثير على الرأي العام وزعزعة الاستقرار الداخلي وزيادة الانقسامات الاجتماعية والسياسية وكل ذلك من دون إشعال مواجهة عسكرية صريحة. بعبارة أخرى تسعى الحروب الناعمة إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية من خلال إضعاف الخصم من الداخل بدل المواجهة المباشرة.

#الفرق بين إدارة الأزمة و”الإدارة بالأزمة”:

تقليديًّا يُنظر إلى “إدارة الأزمة” كآلية تهدف إلى احتواء الأزمة تقليل أضرارها والعمل على حلها بأسرع وقت ممكن. هي رد فعل يعتمد على التنظيم والتخطيط لتجاوز المحنة وتحقيق الاستقرار.

أما “الإدارة بالأزمة” فهي تطور استراتيجي أعمق حيث تصبح الأزمة ليست فقط حدثًّا يتم التعامل معه بل أداة يتم توظيفها بوعي لاستهداف أهداف سياسية أو اجتماعية أوسعً. بمعنى آخر يمكن اعتبار “الإدارة بالأزمة” مصطلحًّا رديفًّا لخلق الأزمة أو الاستهداف المدروس والممنهج حيث لا تُترك الأزمات للصدفة بل تُصمم وتُدار بهدف تحقيق مكاسب استراتيجية محددة. في هذا النموذج تُستغل الأزمة لتعزيز النفوذ فرض سياسات جديدة أو إعادة تشكيل قواعد اللعبة في الصراع دون لجوء مباشر إلى المواجهة المسلحة.

#أدوات واستراتيجيات الإدارة بالأزمة في الحروب الحديثة:

تعتمد الإدارة بالأزمة على مجموعة متنوعة من الأدوات والاستراتيجيات التي تسمح بتحويل الأزمة إلى منصة نفوذ منها:

التلاعب الإعلامي: استخدام وسائل الإعلام لنشر رسائل موجهة تؤثر في الرأي العام وتوجهه بما يخدم المصالح الاستراتيجية.

الحرب السيبرانية: شن هجمات إلكترونية على البنية التحتية أو المعلومات الخاصة بالخصم لتعطيل قدراته أو نشر الفوضى.

الضغط الاقتصادي: فرض عقوبات أو قيود اقتصادية تؤثر على استقرار الدولة أو تحركاتها السياسية.

التحريض الاجتماعي والسياسي: دعم فئات داخلية أو جماعات ضغط لخلق انقسامات داخل المجتمع المستهدف.

التفاوض التكتيكي: استخدام الأزمات كأوراق ضغط في المفاوضات السياسية أو الدبلوماسية.

#أمثلة تاريخية ومعاصرة:

يمكن ملاحظة هذه الأساليب في عدة أزمات وصراعات عالمية معاصرة مثل:

التدخلات الإعلامية في الانتخابات والمجتمعات عبر

*حملات تضليل وتوجيه للرأي العام.

*الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الحيوية للدول.

*العقوبات الاقتصادية التي تستهدف دولًّا معينة بهدف الضغط السياسي.

*استغلال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية داخل دول معينة لتأجيج الصراعات الداخلية.

#التحديات والفرص وسبل الوقاية:

#التحديات:

*الحاجة إلى دقة عالية في التقدير والقرارات لتجنب تفاقم الأزمات إلى مستويات خارجة عن السيطرة.

*خطر فقدان الثقة بين الشعوب والجهات الإدارية بسبب استغلال الأزمات بشكل مفرط أو غير مسؤول.

*التأثيرات السلبية المحتملة على الاستقرار الإقليمي والدولي والتي قد تؤدي إلى أزمات أكبر.

#الفرص:

*تحويل الأزمات إلى فرص لتعزيز النفوذ وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية والإقليمية.

*إمكانية ابتكار حلول إبداعية واستراتيجيات جديدة في إدارة الأزمات المستقبلية.

#سبل الوقاية:

*التوعية المجتمعية: نشر المعرفة والتثقيف حول طبيعة الأزمات وأساليب التعامل معها لتعزيز وعي الأفراد بأهمية التضامن واليقظة.

*تعزيز مفهوم الأمن المجتمعي: بناء منظومة أمان اجتماعي متكاملة تشمل مؤسسات قوية تعاون بين القطاعات المختلفة ومرونة في مواجهة التحديات لتقليل فرص استغلال الأزمات وإحداث الفوضى.

*تطوير آليات للرصد المبكر للأزمات وتحليلها قبل تفاقمها.

*تعزيز الشفافية والتواصل مع الجمهور لتقليل حالة الهلع والشكوك.

*وضع أطر قانونية وأخلاقية تحد من الاستغلال المفرط للأزمات.

#خاتمة:

في عالم يتسم بالتعقيد والتشابك بين السياسة الاقتصاد والتقنيات الحديثة لم تعد الأزمات مجرد أحداث عابرة بل أصبحت أدوات تُدار بمهارة في إطار الحروب الحديثة الناعمة. الفارق بين إدارة الأزمة والإدارة بالأزمة يمثل تحولًّا نوعيًا في فهمنا لكيفية التعامل مع التحديات والصراعات حيث يصبح من الحكمة تحويل المحن إلى فرص استراتيجية تضمن استدامة النفوذ وتحقيق الأهداف بعيدة المدى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى