أقلام وأراء

مصطفى إبراهيم: خطة ترامب: فرصة لوقف الإبادة الجماعية

مصطفى إبراهيم 2-102-2025: خطة ترامب: فرصة لوقف الإبادة الجماعية

هناك شبه إجماع فلسطيني على أن الخطة الأميركية–الإسرائيلية بشأن قطاع غزة ووقف الحرب هي ابتزاز وخطة لتصفية القضية الفلسطينية.

لكن الغريب أن غالبية الأصوات التي تنادي برفضها هي من خارج قطاع غزة، الذي دفع ويدفع الثمن دماً من حياته وأملاكه وفقدان الأهالي والأبناء. وهم أصحاب الدم ومن حقهم اتخاذ القرار.

وعلى الرغم من الصدمة التي رافقت إعلان الخطة الأميركية–الإسرائيلية، إلا أن القراءة الواقعية تفرض علينا أن نُمعن النظر لا في ما قيل فقط، بل في ما يمكن تحقيقه على الأرض، وما يمكن البناء عليه سياسياً ووطنياً، دون الوقوع في فخ الاستسلام أو الإنكار.

بعد عامين من حرب الإبادة على غزة، حيث سقط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، مسحت مدن بكاملها، وأُحكم الحصار والتجويع، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام خطة دولية تعد – على الأقل – بوقف الحرب وعودة الحياة، لكنها في الوقت ذاته تحمل في طياتها الكثير من الإشكاليات والضغوط.

لكن، وسط كل ذلك، هناك نقطة إيجابية يجب عدم التقليل من أهميتها: الخطة، تضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار، وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة، وتثبيت الفلسطينيين في قطاع غزة، ومنع سيناريو التهجير الجماعي الذي طالما روّج له اليمين الإسرائيلي. هذه المساحة التي تُمنح لبقاء الناس على أرضهم، ليست تفصيلاً عابراً، بل إنقاذاً فعلياً لهوية قطاع غزة، وحق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه. إنها لحظة تاريخية يُمكن فيها وقف الحرب أن يصبح، رغم كل ما حوله، نقطة انطلاق لاختبار قدرة الفلسطينيين على إعادة البناء، واستعادة الحياة، والتشبث بالحق.

وقف التهجير أولاً، ثم نُكمل الطريق

لا أحد ينكر أن بنود الخطة هي لصالح إسرائيل، وتحمل في خلفيتها ملامح إملاءات سياسية وأمنية. لكن الواقع أكثر تعقيداً من أن يُختزل في موقف “نعم” أو “لا”.

وقف التهجير ومنع الإبادة المستمرة يجب أن يكونا أولوية وطنية وإنسانية. فالحفاظ على الوجود الفلسطيني في غزة، هو بحد ذاته ركيزة أساسية لبقاء القضية الفلسطينية حيّة ومفتوحة، لا مغلقة في وثيقة فرضت بالقوة. القبول بوقف الحرب لا يعني القبول بتصفية القضية، بل يمكن أن يكون قراراً تكتيكياً لحماية الناس والتمسك بالأرض، مع الاستمرار في النضال السياسي والدبلوماسي لرفض باقي البنود التي تنتقص من الحقوق.

من المهم أن نتذكر أن بقاء الناس في ما تبقى من بيوتهم وأملاكهم وممتلكاتهم، وعلى ترابهم، هو انتصار حقيقي في وجه مشاريع الإفراغ والاحلال والتهجير. وإذا ما توقفت الحرب فعلاً، فإن غزة ستكون أمام مهمة وطنية كبرى: إعادة بناء الحياة، وترميم الكرامة، واستعادة الحد الأدنى من الأمل. إدخال المساعدات وفتح المعابر – ولو جزئياً – يمكن أن يُحدث فرقاً ملموساً في حياة الناس. ويمنح المجتمع الفلسطيني فرصة لالتقاط أنفاسه، بعد سنوات من الحصار والدمار، ليعيد بناء ذاته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

وربما تكون هذه المرحلة فرصة لإعادة التفكير في إدارة غزة بشكل أكثر نجاعة وتشاركية، بعيداً عن الانقسامات والصراعات الفصائلية، وتحت مظلة وطنية متفق عليها.

لا يَكفي أن يقتصر النقد والرفض على الشعارات والغضب الإعلامي من خارج غزة؛ بل على الفلسطينيين في الشتات والعرب الذين يصرخون اليوم ضد الخطة أن يوجّهوا هذا الغضب إلى حكوماتهم ومؤسساتهم. إن الخطة تسعى، في جوهرها، إلى تفريغ وإضعاف أي قدرة للمقاومة السياسية والاجتماعية على الصمود، ولذا فالواجب يتطلب تحركات فعلية: احتجاجات مستمرة أمام السفارات والبرلمانات، ضغوط على أحزاب السلطة، حملات إعلامية وقانونية، ووقف للتعاون الاقتصادي والسياسي مع من يُسهِم في تصفية الحقوق.

المقاومة لا تقتصر على القتال فقط؛ بل هي أيضاً مقاومة مدنية ودبلوماسية — تُبقي القضية حية وتُحرج من يدعمون سياسات التهجير والتصفية. من حق أهل غزة أن يُصوّبوا رفضهم لهذه الخطة، ومن حقنا أن نُقوّي موقعهم عبر تحركاتنا في عواصمنا ومجتمعاتنا، لا أن نكتفي بالاستنكار وحده.

لا يجب التعامل مع الخطة كمنقذ سياسي، ولا القبول بها كحل دائم. فالعدالة للقضية الفلسطينية لا تتحقق عبر الرضوخ، ولا من خلال مشاريع تعفي إسرائيل من مسؤولياتها وجرائمها. لكن، في الوقت ذاته، لا يجوز أن تدفعنا مخاوفنا القديمة، ومشاعر الغضب، إلى رفض مطلق لا يقدّم بديلاً.

وقف القتل وإنقاذ ما تبقى من المجتمع الفلسطيني في غزة، هو واجب سياسي وأخلاقي، لا يعني الاستسلام، بل يعني إعادة ترتيب الأولويات. فمن دون الناس، لا مقاومة، ولا كفاح، ولا مشروع وطني. ومن دون أرض، لا قضية. ومن دون وقف الحرب، لا مستقبل.

الخطط تُفرض حين يغيب الوزن السياسي، ويضعف الصوت العربي، وينقسم البيت الفلسطيني. لكن الشعب الفلسطيني يملك من الخبرة والتجربة ما يجعله قادراً على تحويل المحنة إلى فرصة. إذا توقف القتل، وتوقفت المجازر، وبقي الناس في غزة على أرضهم، فإن الفلسطينيين سيكونون قد أنقذوا ما يمكن إنقاذه في هذه المرحلة. ومن هناك، تبدأ معركة أخرى: معركة إعادة البناء، والتثبيت، والاستعداد لجولات سياسية قادمة، أكثر وعياً وقوة. فالخطة تحمل في طياتها ألغامًا كثيرة، لكنها أيضًا قد تفتح كوة صغيرة في جدار الدم، علينا أن نعرف كيف نوسّعها، وأن نُعيد للناس حقهم في الحياة، قبل أن نطلب منهم مواصلة النضال.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى