هآرتس: ليست خطة ترامب هي ما ستقرر كيف سيبدو اليوم التالي في غزة، بل الميدان

هآرتس 30/9/2025، تسفي برئيل: ليست خطة ترامب هي ما ستقرر كيف سيبدو اليوم التالي في غزة، بل الميدان
سقالة خطة ترامب في الوقت الحالي تشبه اللافتة التي يضعها مقاولون على مدخل موقع للبناء والاعلان للجمهور بأنه “هنا يتم بناء اتفاق بين اسرائيل وحماس”. في الصور التي عرض فيها شكل البناء النهائي الفاخر الى جانب قائمة المشاركين في البناء – المهندسون، المعماريون، المسؤولون عن الصحة والمواصلات والتهوية – تظهر بحروف صغيرة جدا حالة البناء. ايضا مثلما في مثل هذه اللافتات، خطة ترامب مرفقة ايضا بملاحظة تحذير تقول بان الخطة “بانتظار الموافقة”. في هذه الحالة تنتظر ايضا موافقة اسرائيل، حماس، الدول العربية، السلطة الفلسطينية، الامم المتحدة وكل الجهات الاخرى التي يجب عليها تنفيذها.
التفاؤل الذي تعاظم قبيل لقاء ترامب مع نتنياهو يتعلق بناء على ذلك فقط بالمحور الامريكي – الاسرائيلي الذي توجد فيه على الاقل اداة ضغط محتملة مؤكدة، حتى لو كان غير معروف حتى الان الى أي درجة سيرغب أو يستطيع الرئيس الامريكي استخدامها. في المقابل، حتى الآن لم ينجح الضغط السياسي الامريكي وعمليات القصف والتدمير والقتل التي تقوم فيها اسرائيل من اجل الحصول على تنازلات من حماس، التي يمكن ان تدفع قدما بصفقة التبادل او توفير حل دائم للحرب في غزة.
يفضل ايضا التذكر ان مفهوم “حماس مضغوطة” يرافق منذ سنتين المفاوضات الطويلة والخطط التي تمت صياغتها، والتي لم يتم حتى الآن على زر التشغيل الذي يمكنه احداث التغيير في موقف حماس. ايضا الان حيث تواصل اسرائيل تدمير الابراج السكنية في غزة، وحيث انه حسب رواية الجيش فان 800 الف مواطن مرة اخرى ينتقلون من شمال القطاع الى الجنوب، وبعد تصفية عدد ممن اعتبروا قيادة حماس السياسية، ومحاولة تدمير ما تبقى منها في قطر، فان مقياس الضغط لحماس لا يمكنه ان يشكل مؤشر على الاتجاه الذي ستتوجه نحوه حماس.
هناك من يعتبر خطة ترامب خطة تعطي اسرائيل “الدفع بالنقد” الذي يعني التحرير الفوري لجميع المخطوفين دفعة واحدة، مقابل حماس التي ستحصل على مكافأة بـ “الدفع بالاعتماد” الذي سيستغرق بضع سنوات. هذا الوصف لا يساوي الدفع الذي حصلت عليه حماس والذي يتضمن، ضمن امور اخرى، حوار مباشر، ليس فقط بواسطة الوسطاء، مع الادارة الامريكية. والعزلة السياسية لاسرائيل؛ الغطاء العربي الوثيق الذي تجند لتطبيق وقف اطلاق نار ثابت في غزة؛ اجبار ترامب على التراجع عن خطة الريفييرا التي اساسها طرد سكان غزة الى خارج القطاع، في النهاية “خطة اليوم التالي”، التي حتى بصياغتها الغامضة لا تتضمن الهدف الاساسي للحرب كما حددته الحكومة، تصفية حماس، وهي حتى تراوح بين المطالبة بان “تلقي حماس السلاح” وبين المطالبة بـ “نزع سلاحها” كشرط لتطبيق الخطة.
حماس يمكن ان تكون راضية من اجبارها للطرفين، ترامب ونتنياهو، على مناقشة، حتى في هذه المرحلة بصورة فعلية وحتى ملزمة النتاج السياسي الذي سينتج عن الحرب في غزة. حتى الآن اذا تبنت اسرائيل الخطة فان حماس ستصمم على الحصول على ضمانات امريكية وعربية لتطبيقها. هذه الضمانات التي يمكن ان تحل محل “ورقة المساومة” التي تحتفظ بها، المخطوفين، ستوفر لها مكانة سياسية تضمن استمرار وجودها كمنظمة.
الامر غير المعقول هو ان السلطة الفلسطينية – التي وقعت على اتفاق سلام مع اسرائيل – ستصبح حسب الخطة “مشاركة تمثيلية” بدون أي سلطة تنفيذية تقريبا، ولا يتطلب وجودها على الورق الا اعطاء الشرعية للاتفاق الذي تم في المفاوضات بين حماس والولايات المتحدة والدول العربية واسرائيل.
خطة “اليوم التالي” التي عمل عليها في الفترة الاخيرة مستشارو ترامب، الذين انضم اليهم جارد كوشنر، والتي تمت صياغتها بالتشاور مع زعماء الدول العربية، على رأسهم ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وحاكم قطر الشيخ تميم آل ثاني، ليست نتاج يمكنه الصمود بذاته بدون موافقة حماس على اطلاق سراح المخطوفين. يمكن الافتراض انه بالنسبة لحماس هذه خطة ايجابية، لانها حتى لو تم الاعلان فيها بان حماس لن تكون شريكة في الادارة المدنية في غزة ولن تكون شريكة في السيطرة عليها، فان بنية “كعكة الطبقات” التي تقترحها الخطة تبقي هامش عمل كبير بما فيه الكفاية لرجال حماس للمشاركة في عملية اعادة اعمار غزة، وبالتالي، السيطرة فيها حتى لو كان ذلك بشكل غير مباشر.
النموذج الذي استخدمه من قاموا بصياغة خطة “اليوم التالي”، الذي وضعه طوني بلير، رئيس حكومة بريطانيا السابق الذي يترأس معهد باسم فاخر، “معهد التغيير العالمي”، يرتكز الى نموذج الادارة الدولية التي طبقت في كوسوفو، والتي كان من شانها ان تنهي الحرب الدموية في الدولة الممزقة. حسب مسودة الخطة التي نشرتها ليزا روزوفسكي في “هآرتس” وجايكوف مغيد في موقع “تايمز اوف اسرائيل” وفي منشورات اخرى في مواقع غربية، فان الحديث يدور عن ثلاث طبقات للادارة والاشراف، التي هي خاضعة الواحدة للاخرى في بنية هرمية.
الطبقة العليا فيها التي سيقف على رأسها بلير نفسه ستطرح استراتيجية الادارة، التنسيق الامني واعادة الاعمار، وفي المرحلة الاولى على الاقل ستعمل من خارج القطاع. تحتها ستعمل “سكرتاريا عامة” ستضم مندوبين رفيعي المستوى يكونون مسؤولين عن مجالات معينة مثل التشريع، الشؤون الانسانية، اعادة الاعمار والتنسيق مع السلطة الفلسطينية. وتحتها ستعمل “السلطة التنفيذية الفلسطينية” التي ستكون مسؤولة عن الادارة الجارية لكل مجالات الحياة، والتي من شان الاعضاء فيها ان يكونوا “خبراء”، والذين لا ينتمون الى فصيل أو حركة معينة. في هذه البنية سيتم انشاء ثلاثة اجهزة للامن، من بينها “وحدة حماية الشخصيات الهامة”، التي هدفها حماية وتامين كل اصحاب المناصب، وشرطة فلسطينية التي الاعضاء فيها يقومون الآن بالتدرب في مصر والاردن، و”قوة استقرار دولية” التي اضافة الى صلاحياتها في حماية وتامين المعابر الحدودية وتنسيق الحماية في مناطق التماس التي سيسيطر عليها الجيش الاسرائيلي – ستكون هذه هي الجسم الذي من شانه ان يعمل كـ “جيش” محلي لمكافحة الارهاب والتنظيمات المسلحة المحلية.
المسودة تشمل في الواقع تفصيل للميزانية التي تم اعدادها لتمويل نشاطات البنية الادارية، لكن حتى الان غير معروف من الذي سيتحمل نفقات التمويل، وبالاساس من أين ستأتي الميزانية الضخمة لتمويل نشاطات اعادة الاعمار الاولية مثل اعادة تشغيل شبكة المياه، الكهرباء والصحة، وجمع ملايين اطنان الانقاض، البناء المؤقت وشق الشوارع. غير واضح ايضا أي دولة ستشارك في تشغيل اجهزة الامن، الحماية والحفاظ على النظام في القطاع، حيث انه حتى الآن فقط اندونيسيا هي التي اعلنت عن موافقتها على ارسال 20 ألف جندي الى القطاع. وفي حينه اعلنت دولة الامارات انها ستوافق على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات، لكن فقط اذا تم استدعاءها من قبل السلطة الفلسطينية، وفقط بعد تطبيقها لسلسلة اصلاحات عميقة.
لكن حتى لو تم ايجاد حل لقضية التمويل المعقدة وانشاء قوة متعددة الجنسيات، فسيكون هناك حاجة الى تشغيل عشرات آلاف العمال الغزيين، بما في ذلك المعلمين، الموظفين، الاطباء، طواقم طبية، سائقين ومشغلي معدات هندسية، الذين عمل الكثيرين منهم حتى بداية الحرب في اجهزة حماس. اعادة اعمار غزة مثل مشاريع اعادة اعمار كبيرة تمت في العراق وافغانستان ولبنان والآن في سوريا، تعتبر فرصة لعصابات الجريمة، العائلات الحاكمة و”وسطاء” على اشكالهم وكل من يحمل بيده سلاح، ومثلهم يوجد الكثير في غزة، من بينهم رجال حماس والمليشيات الجديدة التي انشأتها اسرائيل هناك. عن الصعوبات والاخفاقات الكثيرة التي رافقت تشغيل “الادارة المؤقتة” في كوسوفو (التي ما زالت رسميا تعمل هناك)، نقترح قراءة كتاب “السلام بأي ثمن: كيف خذل العالم كوسوفو” للمؤلفين لاين كينغ وويت مايسون اللذان عملا في اطار القوة الدولية، ويذكران ضمن امور اخرى، الفساد والفشل الاداري واللامبالاة واهمال الجوانب القانونية وتجاوز التفويض الذي اعطي للقوة والخلافات الصعبة بين اصحاب المناصب حول “السياسة” والاستراتيجية التي يجب اتباعها.
هيكلية الاجهزة الدولية والمحلية التي ستسيطر على القطاع مثلما هي معروضة في مسودة الخطة، لا تضمن ان اخفاقات كوسوفو لن تتكرر في غزة. الميزة الاساسية للخطة هي ان مسؤوليتها المباشرة لاسرائيل على الواقع الذي سيتطور في غزة برعاية نفس المنظمة الدولية، ستكون مقلصة، وهكذا فهي ربما ستنجح ليس فقط في وقف الحرب التي تدمر اقتصادها، مواطنيها وجنودها، بل ايضا اعادة لنفسها مكانتها الدولية. في المقابل، النقص المزدوج هو ان اسرائيل سيتعين عليها الاعتماد على قوات دولية، من بينها قوات عربية، من اجل منع نمو حماس العسكري، وتنظيمات مسلحة اخرى. وبالطبع، هي سيتعين عليها التنازل عن حلم “طفرة العقارات” الذي وعد به الوزير سموتريتش، وعن حي الفيلات لرجال الشرطة الذي تعهد به الوزير بن غفير.